البديل الوطني مطلوب.. ولسنا معنيين بسياسة ردات الفعل
فؤاد البطاينة
ما زال المواطن الأردني يُغمض عينيه مع كل محنة، عن أن الملك وحده صاحب الأمر والنهي والقرار دون شريك وطني في أي شأن سياسي أو متصل بالشأن السياسي، وأنه وحده القاضي ومن يعدل الدستور ويفسر الدستور، ويمنح الحقوق ويسلبها، وأنه لا يمارس هذه السلطة بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية أو التشريعية بل بصفته ملكا غير مسئول عن أفعاله وأقواله، وأن أجهزة الدولة العسكرية والمدنية تقوم بتصريف الأعمال والتنفيذ، ومن يبدي اعتراضا على تنفيذ عمل لا يراه وطنيا يفقد عمله، أما الرئيس فحصته هي اتخاذ القرارات الإدارية الداخلية بطريقة التمرير ولا آلية لمساءلته عن أي قرار فاسد.
ومن المعروف للملك ولكل مواطن واع أن كون النظام القائم مسنودا لتاريخه من الولايات المتحدة وإسرائيل لا يعني بأن ذلك كافيا، إذ أن في الدولة شعبا يحس وتيارات وتنظيمات وقبائل يمكن لها أن تتحرك تلقائيا أو بدعم خارجي، وليس للملك قبيلة ولا طائفة ولا حزبا سياسيا، ومن هنا جُعِلت قوات الجيش والأجهزة الأمنية بمثابة حزب الملك السياسي العسكري المسلح الذي يتولى حماية القيادة، وهو الحزب الوحيد عمليا في الأردن ومن يتقاعد منه يصبح خارج مؤسسة الحزب لا محاربا قديما.
فالشعب في الأردن وفي الدول العربية يعيش حالة توازنات قوة عنفية، وليس حالة توازنات سياسية، ومن هنا تبدأ اللعبة الفاسدة حين يتبرع المواطنون والنخب بممارسة خطوط سياسية متقاطعة وعاضدة للنهج القائم على القوة مع كل حدث أو قرار غير وطني، سواء كانت الممارسة بالتأييد نفاقا، أو بالنقد والمناشدة والاتهام نفاقا حين يوحونها لرئيس الحكومة أو من بمستواه وهم يعلمون أنه ليس بصاحب قرار ،ويدعون بأنه صاحب الولاية وهم يعرفون أنه ليس هكذا، وأن شرعيته من شخص الملك وليس من الشعب، ومن شأن تحميله المسئولية أن يغطي على وهمية المؤسسية في الدولة .وإن كان الرئيس نظيفا وطنيا يصبح بعد توليه المنصب أمام خيار الاستقالة أو التحول لفاسد كبير ويبقى الحال على ما هو مع كل حكومة.
لقد فشل الأردنيون بكل أطيافهم السياسية والاجتماعية في صنع أحزاب وطنية حقيقية تهيئ لتجاوز الحكم الفردي والاستئثار بالسلطة، وفشلوا في بلورة هوية وطنية إردنية سياسية، وفي تسييس القبائل والعشائر وطنيا وكسر حاجز الجهوية والمناطقية والفئوية والروح القبلية، وفشلوا في تشكيل قوة اجتماعية ضاغطة ومؤثر هو في انتخاب نواب وطن، وفوق كل هذا فشلوا في صنع بديل وطني جاهز عن القيادة الهاشمية إن غابت يوما أو غُيبت عن المشهد السياسي.
لن تستطيع القيادة الهاشمية في هذا الوقت المتأخر أنتعود للشعب وتتحالف معه، لقد وصلت لنقطة اللاعودة مع فقدان الهوية السياسية لوطنيه للشعب، وبلغ الاستفراد بالقرار والتهميش والاستهتار بحقوق وكرامات واحتجاجات الأردنيين ذروته، فهل بعد الذروة ذروه؟ وما طبيعتها، لقد شاهدنا ذروة حين سلكت قيادتنا سلوكا وقف معه العالم كله مع الشعب الأردني مندهشا حين تمت إعادة المجرم الصهيوني بهذه الطريقة والسرعة بعيدا عن القضاء ومشاعر الأردنيين وبلا ضمانات،
فكان سلوك القيادة لإسرائيلية باستقبال المجرم هي الذروة المقابلة منطقيا لذروة سلوك القيادة الأردنية في طريقة تسليم ذاك المجرم، ولم تكن مذلتها وإحراجها مصممة للأردنيين كونهم تلقوا صفعتهم حين سلم المجرم بتلك الطريفة الخالية من منطق الدولة ومسئولياتها، بل كانت موجهة مباشرة لمن أذعن لطلب أمريكي وأعاد المجرم بتلك الطريقة، فأصبحنا أمام مسألة تخص أبطالا لذروتين، ولا اعتقد أن الأردنيين معنيين بسياسة ردات الفعل وبانفعالات العتب بين شخصين، ولا مقتنعين بطلب ضمانات لمحاكمة المجرم بعد تسليمه بتلك الطريقة. ومع أن العبرة هي في السفارة واستمرار التنسيق وليس بالسفيرة، إلا أن الأمر إجرائيا سيسوى.
قد يقال من النفاق والهراء السياسي أن نتحدث عن تحرير فلسطين ونحن أنفسنا دولا وشعوبا لسنا أحرارا، إلا أن هناك فرقا في القدرة بين من يبيعون أنفسهم عبيدا بأثمان وبين شعوبا تستعبد بالمجان، والإهانة عند الحاكم العربي هي في أن يفقد كرسيه، فلا أمل إلا بالشعوب أن تعزل نفسها عن حكامها وارتباطاتهم لتتحرر وتأخذ مكانها كصاحبة الأمر.
لعل الخلاص للشعب الأردني وكل الشعوب العربية في أن تفرض نفسها كقوة يعلو تأثيرها على تأثير الصهيونية الدولية على حكامها، وهذه اللغة المادية والمنطقية التي يفهمها العدو والعالم ويرضخ لها، وقد انتصر الشارع الفلسطيني في معركة الأقصى عندما فرض نفسه على إسرائيل وأمريكا كصاحب المصلحة والمسئولية والكلمة وليس الحاكم والحكام ولا معاهداتهم .إن غضبات ردات الفعل، واحتجاجات العشائرية والفئوية والانتقائية في الأردن لا مقوم لها وكلها ” جمع مشمشيه “لا يقابلها الحكام إلا بالتطنيش، ولا مخرج للشعب إلا بالشعب يفرض نفسه بهويته الوطنية الجامعة في مواجهة قضاياه.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/30