سخرية الكيان الإسرائيلي بقوانين الحصانة الدبلوماسية واتفاقيات السلام..
أحمد عبد الباسط الرجوب
لم يجد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “نتنياهو” سؤلا يفتتح به مكالمته مع قاتل الأردنيين ” هل حددت موعدا مع صديقتك ” ، وكان رجل الأمن الإسرائيلي القاتل قد تلقى مكالمة هاتفية من “نتنياهو” ونشر مكتبه تسجيلا صوتيا للمكالمة، حيث أكد لرجل الأمن أنه ” وفّى بوعده وأعاده إلى بلاده “، في حين أكد زيف أنه “شعر أن دولة بأكملها تقف من خلفنا” ، كما أن مقابلته له في مكتبه بحضور سفيرة الكيان في عمان وإعادته بهذه الصورة الاستفزازية الاستعلائية تعطي انطباعا بان المجرم القاتل لن يلاقي تحقيقا يذكر لأنه برأي قد تمت إعادته واستقباله كبطل عائد للتو من انجاز مهمة يستحق على إثرها هذا التكريم كما شاهده الملايين من العرب والأردنيين وكأن المدعو زيف كان مقيداً وقد تم تحريره وجرى الاحتفال بعودته إلى إسرائيل بطريقة مبالغة بها برغم أنه مجرم وقاتل.
وللتذكير بما أقدم عليه جهاز الموساد الإسرائيلي بالمحاولة الفاشلة لاغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997 ، وحادثة إطلاق النار في سفارة إسرائيل في العاصمة عمان في هذا الشهر والتي سقط ضحيتها مواطنين أردنيين، ،وبالمقارنة فإن النتائج برأينا قد تكون متطابقة في الحدثين وواضحة مرأي العين، و بعد أن تصاعدت الأزمة والإصرار الأردني في بداية الحادثة على التحقيق مع الحارس الإسرائيلي الذي أطلق النار، وبقاء كافة الدبلوماسيين والموظفين داخل السفارة وقبل عملية تهريب أو إخراج منفذ العملية ” المجرم زيف “، وهنا فقد استوقفتني الذاكرة في عملية اغتيال خالد مشعل الفاشلة التي ذكرت والموقف الشجاع لجلالة الملك الحسين رحمة الله والذي وضع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي “نتنياهو” أمام مسؤلياته والموازنة بين حياة خالد مشعل واتفاقية وادي عربة، وقد تواصل في حينها ” نتنياهو ” الذي كان يشغل أيضا رئيس الحكومة مع الملك حسين رحمة الله، وفي النهاية توصلا إلى صفقة، جرى على إثرها الإفراج عن مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين و70 أسير فلسطيني، وقدمت إسرائيل “الترياق” للمادة السامة التي حقن فيها خالد مشعل، وجرى الإفراج عن عناصر “الموساد” وعادوا إلى دولة الكيان…
وبعيدا عما تناولته وسائل الإعلام حيال تهريب القاتل زيف ، فإنه وبالتدقيق لمسار الأحداث في الأقصى المبارك المتزامنة مع حادث السفارة الإسرائيلية في عمان ، وما أشار إليه موقع صحيفة “يديعوت احرونوت” بالحديث الصادر عن رئيس جهاز “الموساد” الإسرائيلي داني ياتوم في ذاك الوقت وهو الذي واكب أحداث عملية اغتيال مشعل حيث أشار ياتوم بأنه يتوجب على نتنياهو استغلال هذا الحادث وإنهاء أزمة المسجد الأقصى، ويتوجب عليه الاتصال مع جلالة الملك عبد الله الثاني وهي فرصة كي تنهي إسرائيل أزمة المسجد الأقصى من خلال إزالة البوابات الالكترونية، ضمن صفقة تقدم للأوقاف الأردنية التي تدير المسجد الأقصى، مقابل عودة الحارس إلى إسرائيل دون خضوعه للتحقيق لدى السلطات الأردنية …
هل جريمة السفارة الإسرائيلية في عمّان تمت بتدبير أمني إسرائيلي ؟
وفي هذا الصدد يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ومن معرفتنا بسخرية الكيان الإسرائيلي بقوانين الحصانة الدبلوماسية واتفاقيات السلام وأساليب القتل والترويع التي تلجا إليها المؤسسات الأمنية في هذا الكيان نعتقد بأن ما أقدم عليه ” القاتل زيف ” (ولمن لا يعرف ” زيف ” فقد خدم هذا المجرم في قوات لواء جفعاتي التي اجتاحت أطراف جنوبي القطاع خلال الحرب الأخيرة على غزة وفي تأكيد على ذلك ما ذكره الصحفي في هآرتس “جدعون ليفي” أن القاتل تعلم القتل في الضفة الغربية وطبقه بشكل أكبر في غزة، ثم واصل مهنة القتل ضد الضفة الشرقية وتعلم أن دم العرب واحد وبالإمكان قتل العرب بأول لقاء) – نعتقد بان هذا القاتل والذي هو من تربية وتنشأة رحم المؤسسات الأمنية الإسرائيلية وأن ما أقدم عليه هو من تدبير أجهزة الاستخبارات والموساد في الكيان الصهيوني مما أعطى الضوء الأخضر للإقدام على هذه العملية اعتقادا من ممثلي الحكومة والنخب الإسرائيليين ” أنه بحسب القانون الدولي فإن الحارس لديه حصانة دولية” وأن معاهدة “فينا” سنة 1961 تعطي حراس السفارات حصانة من الاستجواب الأمر الذي تضمن إطلاق سراح القاتل وفقا لهذه الاتفاقية وحتى تكون لدى حكومة ” نتنياهو ” الفرصة للنزول من على الشجرة بما اتخذته سلطات الاحتلال من إجراءات عالية السقف وقسرية بشأن الفلسطينيين الذين يأمون المسجد الأقصى المبارك وبالتالي حصولها على صفقات مع الجانب الأردني سيما وأن الأردن لدية سلطة الأشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية كما أسلفت في القدس الشريف ، وهو الأمر الذي انتهت إليه حادثة السفارة بمغادرة القاتل زيف وبالمشهد الذي استقبل فيه رئيس وزراء الكيان هذا القاتل المجرم …وعلى سيرة التحقيقات التي تجريها أو تتابعها حكومتنا العتيدة مما اقترفته الأيادي الإسرائيلية في قتل الأردنيين ، يتبادر لذهني معرفة أين وصلت التحقيقات بخصوص الضحايا الأردنيين مثل القاضي رائد زعيتر ، والشرطي إبراهيم الجراح …
السخرية بقوانين الحصانة الدبلوماسية
وبالعودة إلى الحادثة الأليمة … لا بد من الإشارة إلى أن المتعارف عليه في أدبيات البعثات الدبلوماسية وخاصة فيما يتعلق بالحراسات الأمنية بأن يكون لديهم أساليب التعامل على التصرف برباطة جأش وروية أثناء القيام بالواجب وتعرضهم لأية عمليات عنف أو ما شابه ذلك؟ وهنا نطرح تساؤلا عما جرى وفي نطاق غموض المعلومات والشواهد على هذه الجريمة وقيام هذا المجرم في قتل شخصين مرة واحدة ومع تفاهة الحادثة التي تم تداولها الأعلام الصهيوني بان الشهيد الأردني قد اعتدى على الحارس الإسرائيلي ” بمفك ” وهل نسميها بمعركة المفك حتى نضخم الحدث ، أليس هناك من وسيلة كان ينبغي أن يتعامل بها هذا المجرم مع الشهيد محمد الجواودي البالغ من العمر 17 عاما وبدون اللجوء إلى إطلاق النار عليه ، وفي ذات السياق ولماذا قتل الطبيب بشار الحمارنة مالك المبنى الذي كان مسرحا لأحداث الجريمة ؟ وما هو السبب الذي أدى إلى ذلك؟
استعلاء وغطرسة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب
لقد عكس سلوك المجرم الإسرائيلي نمط التعاطي تجاه الفلسطينيين والعرب السائد لدى دولة الاحتلال والذي يمارسه جنود وعناصر شرطة دولة الكيان الذين لا يترددون في إطلاق النار على الأطفال والنساء والشبان الفلسطينيين العزل وحتى عندما لا يشكل هؤلاء تهديدا على جنود الاحتلال ، وبذات التصرفات فإن إطلاق الحارس الإسرائيلي النار على المواطنين الأردنيين يرجع بشكل خاص إلى الشعور بالتفوق والاستعلاء على العرب ، واعتقد أن عقلية الهجانا الدموية لا تزال في أذهانهم ويبدو أن قول موشيه دايان بإبقاء حالة التوتر الدائم هي «مخدر الحياة» بالنسبة لإسرائيل هو النهج المتلازم لكل سياسات الحكومات الإسرائيلية منذ نشأة الكيان الصهيوني إلى يومنا هذا…
وفي ذات السياق – العنصري الاستعلائي للإسرائيليين – ما صدر عن عضو الكنيست الإسرائيلي ” أورن حزان ” والمنتمي لحزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، على حسابه في تويتر ” يبدو أن جيراننا في شرق الأردن، أولئك الذين نسقيهم الماء ونحمي لهم “خلفياتهم” في الليل والنهار، يحتاجون لإعادة تربيتهم من جديد، يبدو هذا كأنه سلام من دون لقاء”. … هل بقى وقاحة أكثر من ذلك؟
تعاطي الدولة الأردنية مع الحادثة
وأخيرا وليس أخرا ، فإننا نستغرب ما آلت إليه مخرجات هذه الجريمة البشعة ، وهل كان المشهد هو تدبير من مخرج وكأننا في مشهد تصوير كمرة خفية ، وحين تخرج علينا الحكومة بعد سباتها وتقول قد بدأنا ” أي حكومتنا العتيدة ” التحقيق بهذا الموضوع ونتعامل مع القضية بطريقة قانونية ويجب أن تُحترم للوصول إلى العدالة ونحن نحترم كل المعاهدات الدولية والقانون الدولي وأن الأردن قد قام بما يتوجب عليه من التزامات دولية وعلى إسرائيل أن تلتزم بالمعايير الدولية والخضوع في التعامل مع هذه الواقعة الجنائية، كما يجب عليها السماح للعدالة أن تأخذ مجراها وأن تقوم بالتزاماتها في هذه القضية بطريقة أخلاقية…. وفي تناقض مع هذه الديباجة من مسلسل الكمرات الخفية لحكومتنا يخرج علينا إعلام دولة الاحتلال بذاك التسجيل الاستهزائي الهابط في محتواه ومضمونه والذي بثة مكتب رئيس وزراء الكيان بأن القاتل قد عاد للتو إلى فلسطين المحتلة بعد تهريبه وتسهيل عودته سالما غانما بعد تنفيذ عمليته البطولية وقتل اثنين من المواطنين الأردنيين وبحماية القانون والمعاهدات الدولية والغطرسة الصهيونية … يا لها من سخرية الفوضى التي اجتاحت بلادنا من غياب سلطة الدولة بأجهزتها السيادية ونوافذها الخارجية ، وهذا في اعتقادي مما سبب صدمة للمواطن الأردني وأخفاء الحقائق على الناس الأمر الذي جعل من وسائل إعلام الاحتلال والتواصل الاجتماعي هي المصادر التي يمكن اللجوء إليها لما يستجد من أمور عن هذه الحادثة البشعة ….
ولما تقدم ما الرسالة التي تريد دولة الكيان إيصالها للأردنيين خاصة ولكل العرب عمومًا، من خلال سلوكياتها الجرمية والاستفزازية أثناء الأزمة وبعد انتهائها – وهى أزمة افتعلها الكيان كما أسلفت في صدر مقالي – ، فمنذ اللحظة الأولى لتداول الأنباء عن إطلاق نار داخل المبنى الملحق بسفارة الكيان في عمان، بدأت الصحافة العبرية وبعض المسؤولين “الإسرائيليين” بطمأنة القاتل وأهله ، وبمقابل كل هذه العنجهية والاستهتار بدماء الأردنيين رسالة محتواها أنها تضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق في سبيل تحقيق أهدافها العنصرية التوسعية وعلى حساب الإنسان الفلسطيني والعربي …
وفي الختام يتسائل الجميع في بلادنا إلى متى سيظل الدم الأردني رخيصا ومهدورا كرامته في ظل علاقة غير متوازنة مع دولة احتلال عنصرية استعلائية والى متى ستظل سفارة الكيان تصول وتعربد في بلادنا طالما أنها لا تقيم وزنا لأية علاقة مع دولتنا لا بل ويتطاول الجاهل عضو الكنيست المدعو ” أورن حزان ” من حزب الليكود على بلادنا باسقائنا المياه وهنا أقول له لا كثر الله خيركم ويبدو أنك جاهل حتى في موضوع المياه الذي أتت على ذكره اتفاقية وادي عربة ، ولا تنسى فعلتكم الرخيصة بضخكم المياه الملوثة إلينا من طبريا في العام 2009 …
السلام عليكم ،،،
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/30