هل قرّر الأمريكان إيقاف الحرب في سوريا بعد التشظي الخليجي وغَلْق حنفية الدولارات؟..
قاسم شعيب
يجادل كثيرون بالقول إن الأمريكي بصدد رسم لوحة في المنطقة لم تكتمل بعد، لكن آخرين يشككون في ذلك ويقولون إنه لا توجد لوحة من الأساس. وكل ما يوجد هو “شخابيط” أطفال!..
بعد ثلاثة أيام على إعلان قائد القوات الخاصة الأميركية الجنرال توني توماس، أن بلاده أوقفت العمل بالبرنامج الأميركي لمساعدة فصائل المعارضة السورية المستمر منذ أربع سنوات، برّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك بالقول إن هذا البرنامج “ضخم وخطير وغير فعّال”. وهو ما لم يقنع السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام الذي وصف الخطوة، بأنها “أشبه بالاستسلام الكامل للأسد وروسيا وإيران”.
صحيفة “واشنطن بوست” رأت في ذلك تعاونا مع روسيا و”نقطة أساسية في إستراتيجية ترامب إزاء سوريا”، لكن ترامب لم يستطع القول إن لدى نظامه خطته السرية التي تقضي بتدمير بلد عربي آخر خدمة لإسرائيل وأن ذلك قد تم بالفعل، رد بالقول: “واشنطن بوست لفقت وقائع حول قراري وضع حد لمدفوعات طائلة وخطيرة وغير فعالة للمقاتلين السوريين الذين يحاربون بشار الأسد”.
واجهت سوريا على مدى السنوات الأربعة الماضية شبكة واسعة لتهريب الأسلحة، كما كشفت عن ذلك الحكومة البلغارية مؤخر. وهي شبكة نسج خيوطها الجنرال ديفيد بترايوس حين كان يرأس وكالة الاستخبارات المركزية في عام 2012 واستمر يديرها من مكتبه في صندوق الاستثمار (كي.كي.آر). وشاركت أكثر من سبع عشرة دولة، في عملية “خشب الجميز″، من بينها أذربيجان التي وفرت نقل 28 ألف طن من الأسلحة، وكذلك إسرائيل التي قدمت وثائق مزورة للوجهة النهائية لتلك الشحنات من الأسلحة.
هذه العمليات الهائلة لتهريب السلاح التي لم يسبق لها مثيل في ضخامة حجمها، لن تفضي إلى ملاحقات قضائية، لا في الدول المعنية، ولا حتى على الصعيد الدولي، ما دام مدير اللعبة الأمريكي هو الحامي والمحامي.
لم تقاتل في سوريا منذ أربع سنوات دولٌ فحسب، بل أيضا مجموعة من الشركات الخاصة متعددة الجنسيات، التي تضم وسائل الإعلام العالمية، وقوى دولية متوسطة تعطي أوامرها لدول صغيرة مهمتها تنفيذ المهام القذرة.
والآن يشكل الإعلان الأمريكي عن إيقاف برنامج المساعدات الأمريكية للمعارضة السورية اعترافا واضحا بتورط واشنطن وقوى عديدة أخرى منها دول خليجية وعربية في الحرب على سوريا. وهذا شيء مهم أمام النفي المتكرر لذلك والادّعاء برعاية حوارات لا تنتهي بين النظام والمعارضة تحت غطاء الأمم المتحدة. يتبيّن الآن أن تلك المفاوضات لم تكن إلا وسيلة لإطالة أمد الحرب إمعانا في التخريب لمصلحة العدو القريب الرابض على جزء مهم من الأرض العربية في فلسطين أولا، ولمصلحة شركات السلاح وعصابات التهريب المنظم ثانيا.
غير أنه من ناحية أخرى، لا يمكن فهم خطوة إيقاف المساعدات عن المعارضة السورية بعيدا عن الشرخ الذي حدث بين السعودية وجماعتها من جهة، وقطر وأنصارها من جهة أخرى بعد زيارة ترامب إلى الرياض واتهامه غير المباشر لقطر برعاية الإرهاب.
ضغط الرئيس الأمريكي بقوة لإبعاد القطريين والسعوديين وأطراف أخرى عن سوريا، وإيقاف دعمهم للمجموعات الإرهابية. وكانت الوسيلة في ذلك إعادة إشعال فتيل الأحقاد التاريخية المتراكمة بين الدولتين الخليجيتين. هذا يعني أن قرارا بتصفية المعارضة السورية بعد أن أدت مهمتها التدميرية قد اتُّخِذ.. وما يعزز ذلك تصريح وزير الخارجية الامريكي تيلرسون الذي طالب فيه إيران بالانسحاب من سوريا وسحب “مليشياتها” معها.
لقد تم طوال السنوات الماضية استخدام منظمات مسلحة وإرهابية من أجل ضرب مؤسسات الدولة السورية وبنيتها التحية. وهذا يحيلنا مباشرة إلى مخطط صهيوني قديم لاستهداف مركّز لثلاث دول عربية هي العراق وسوريا ومصر.
استمر السوريون في الحديث عن الإرهاب الذي يستهدفهم منذ بداية الحرب. وهم اليوم يرون كيف أصبح الداعمون الخليجيون يتبادلون الاتهامات نفسها بدعم هذا الإرهاب في حفلة تفاضح علنية لا تتكرر كثيرا، تقودها وسائل إعلام تابعة لهذا الطرف أو ذاك.
وبعد فشل كل محاولات المصالحة بين السعوديين والقطريين، التي قادها الكويتيون والأمريكيون والأتراك، لا تبدو هناك نهاية قريبة للتوتر الذي يخنق المنطقة. بل إنه ينذر بتفجرها في أية لحظة، لتنتقل شعلة النار من سوريا إلى الخليج..
غلق حنفية الدولارات الأمريكية والريالات الخليجية وإيقاف سائر المساعدات العسكرية واللوجستية الأخرى عن المعارضة المسلحة والمنظمات الإرهابية في سوريا يعني الاتجاه نحو إيقاف الحرب. لكن هذا يحتاج بلا شك إلى تفاهمات وترتيبات جديدة في البلد لا تبدو الآن معالمها واضحة أبدا. وهو ما يعني أن النظام السوري لا يمكنه أن يسترخي، حتى لو قدم له حلفاؤه الروس التطمينات، إذ أن مرحلة جديدة في سورية تحتاج حكومة جديدة، لتبقى المفاجآت الأمريكية واردة بشكل كبير..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/06