حب العمل يطرد الملل
أحمد عبدالرحمن العرفج
أَرَى النَّاسَ -وخَاصَّة المُوظَّفين والعَامِلين- يَتأفَّفون مِن أَعمَالِهم، ويَشتَكون مِن التَّعَب والإرهَاق، فهَل يَا تُرى هَذه الشَّكوَى وذَاك التَّذمُّر؛ بسَبَب إرهَاق العَمل وثقله؟، أَم أَنَّ هُنَاك أَسبَابًا أُخرَى..؟!
يُؤكِّد عُلمَاء العَمَل وخُبرَاء النَّفس البَشريَّة، أَنَّ التَّعَب الجَسدي المُرَافِق للعَمَل، لَا يُشكِّل عِبئًا عَلَى العَامِل، إنَّمَا مَا يُؤذيه فِي العَمَل هو التَّعَب النَّفسي، والمُرَاد بِهِ هُنَا المَلَل والتَّأفُّف، وكُره القِيَام بعَملٍ مَا، مِن هُنَا يُمكن القَول: إنَّ الإنسَان إذَا مَارس عَملًا لَا يُحبّه، يَتعَب نَفسيًّا..!
ونَظرًا لأَهميَّة المَوضُوع؛ وتَضجُّر النَّاس مِن أَعمَالِهم، دَعونَا نَطرَح المُشكِلَة، ونَستَعين بالخُبرَاء، ولَيس أَقدَر عَلى ذَلِك، مِن عَالِم تَطوير الذَّات، البُروفيسور «ديل كارنيجي»، حَيثُ يَقول فِي كِتَابه «فَنّ التَّعَامُل مَع النَّاس»: (إنَّها حَقيقَة مَعروفة، أَنَّ وَضعنَا العَاطفي يُسَاهم فِي التَّسبُّب بالإرهَاق، أَكثَر مِن أَي جُهدٍ جَسدِي. مُنذ سَنوَات نَشر «جوزيف إ. بارماك»، دكتور الفَلسَفَة، تَقريرًا عَن بَعض تَجاربه، يُظهر فِيهِ كَيف أَنَّ السَّأم يُسبِّب الإرهَاق، حَيثُ أَخضَع الدّكتور «بارماك»؛ مَجموعة مِن الطُّلَّاب لسلسلةٍ مِن التَّجَارُب، التي يَعلَم أَنَّها لَا تُثيرهم، وكَانت النَّتيجَة، أَنْ شَعر الطُّلَّاب بالتَّعَب والنُّعَاس، واشتَكوا مِن الصُّدَاع وتَعب العيُون، كَما شَعروا بالضِّيق، وفِي بَعض الحَالَات، كَانوا يَشعرون بتَلبُّك المَعدة، فهَل كُلّ ذَلك وَهْم؟، كَلَّا، فقَد أَجريتُ فحُوصَات عِدَّة عَلَى أُولئِك الطُّلَّاب، فظَهر أَنَّ ضَغْط الدَّم واستهلَاك الأُكسجين يَنقص؛ حِين يَشعر الإنسَان بالضَّجَر، وأَنَّ الجَسَد يَعود إلَى طَبيعتهِ بسُرعَة؛ حَالَمَا يَشعر الإنسَان بالاهتمَام بعَملهِ الذي يَقوم بِهِ)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُشير إلَى أَنَّ الإنسَان مِن النَّادِر أَنْ يَتعب؛ عِندَما يَقوم بأَشياءٍ وأَعمَالٍ وهوايَات مُحبَّبة إلَى نَفسهِ، حَتَّى لَو كَانت مُتعِبَة جَسديًّا، مِثل تَسلُّق الجِبَال والغَوص... وغَيرهَا مِن الهِوَايَات، التي تُشكِّل خَطرًا كَبيرًا عَلى الإنسَان.. إنَّه لَا يَشعر بالتَّعَب لأنَّه يُحب مَا يَفعل، فلَا يُشكِّل مَا يُحبّه ضَغطًا نَفسيًّا عَليه، لذَلك إذَا سَألتمُوني: مَن هو السَّعيد؟، سأَقول: إنَّه مَن يَقوم بعَملهِ مِن غَير تَأفُّف، أَو مَلَل أَو سَأم، بَل يُؤدِّيه والسَّعَادة تَغمره، والتَّلذُّذ بِهِ يَحتَويه..!!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/08/08