صراع الهويات: تاريخ العلمانية في الشرق الأوسط بدء من أتاتورك وانتهاء ببورقيبة ورسالة “حزب الله” التي أقلقت إسرائيل
د. عبد الحي زلوم
في 29 تموز (يوليو)2017 قال سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن السيد يوسف العتيبة في مقابلة مع أحدى محطات التلفزة الأمريكية ونقلتها وكالات أنباء دول الحصار جاء فيها أن مشكلة دول الحصار مع قطر هي بالأساس فلسفية عقائدية إذ قال: “نحن نريد دولاً علمانية وعلى قطر التوقف عن الدعم للجماعات الإسلامية”.
وأضاف: “إن وجود قيادات حماس وطالبان والإخوان المسلمين في الدوحة “هو ضد أهدافنا بأن يكون هناك شرق أوسط علماني!”.
يتساءل المرء هنا هل جماعات التكفير التي ساندتها دول الحصار بما فيها قطر كانت علمانية؟ ثم ألم يسمع السيد عتيبة قطر وهي تقول جهاراً نهاراً أنها احتضنت قيادات الجماعات الإسلامية المذكورة نتيجة ذلك الطلب الأمريكي (لغرض في نفس يعقوب)؟ أم أن هذه الزوبعة الخليجية هي امتداداً إلى حرب الأجيال ضد الحضارة الإسلامية والإسلام والتي كشف عنها مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق جيمس وولسي في 2/4/2003 بمحاضرة بجامعة كاليفورنيا والتي اسماها الحرب العالمية الرابعة وتتم اليوم بأيدي عربية وإسلامية متحالفةً مع الكيان الصهيوني وتتطابق معه في الأهداف والمصالح؟
1- هل هذه النماذج العلمانية العربية والإسلامية التي تريدها دول الحصار؟
فلنأخذ الشريف حسين
كان اتفاقه مع الانجليز إنشاء خلافة عربية إسلامية برئاسته وعندما استنفذ الانجليز غرضهم منه وجعلوه ملكاً للحجاز فقط طالب الانجليز بالوفاء بعهدهم فنصحوه بالكف عن الطلب ولما أصر تمّ خلعه عن مملكة الحجاز ثمّ نفوه إلى قبرص .
علمانية كمال أتاتورك
كان أتاتورك من يهود الدونمة وماسونياً كما كتب السفير البريطاني لوثر في اسطنبول لوزارة الخارجية البريطانية . وكذلك كان جميع قادة حزبه من الاتحاد والترقي . كان أول ما قام به أتاتورك هو إعلانه علمانية الدولة ووضع دستوراً على المنهج الأوروبي بالرغم من شمولية نظامه. وكان من أوائل ما عمله أيضا هو محاولة طمس الهوية الإسلامية للشعب التركي وقام بتغيير الحروف العربية إلى اللاتينية . وأجبر قراءة القرآن بترجمته التركية وفرض أن يكون الأذان والصلاة باللغة التركية وكذلك منع اللباس الإسلامي للرجل والحجاب للمرأة . وذلك لاستبعاد أي تقارب بين الحضارة العربية أو الإسلامية . بقيت جمهوريته تعيش في عالم الانقلابات والتردي الاقتصادي والإرتماء في أحضان الاستعمار الغربي و صندوق النقد الدولي إلى أن جاء اردوغان(بالرغم من بعض التحفظات على تصرفاته ) بإصلاحاته بما فيها رجوعه إلى جذوره الإسلامية مما نتج عنه سداد الدين بل إقراض صندوق النقد الدولي والوصول إلى المرتبة 17 في الاقتصاد العالمي .
علمانية رضا بهلوي في فارس
قام رضا بهلوي بنفس الدور الذي قام به كمال أتاتورك في تركيا مما جعله في نزاع مستمر مع المؤسسة الدينية الشيعي خصوصاً عندما أصدر توجيهات مناهضة بمنع الحجاب ، وسط غضب ديني وشعبي، حتى وصل الأمر إلى إطلاق النار على مظاهرة سلمية مناهضة لفرض الزي الغربي في مدينة مشهد. كما قام بوضع دستور على المنهج الغربي علماً أن حكمه كان شمولياً. جاء ابنه وكان (ماسونياً كما كانت أكثر بطانته) من بعده واستمر في منهاج والده وكانت عاصمة بلاده مركزاً عالمياً للموساد والــCIA وكان دخلها القومي في معظمه يصرف لشراء الأسلحة ليقوم بوظفيته كحارس للولايات المتحدة في الخليج. وأخيراً تغلبت المؤسسة الدينية على الشاه حيث تم تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية . وبالرغم من أن الغرب قام بتشجيع العراق وبتمويل من الخليج بمحاولة وئد تلك الجمهورية في مهدها بحرب زادت عن 8 سنوات دمرت بنيتها التحتية ثمّ فرض الغرب عليها حصاراً اقتصادياً شديداً لكن إيران بالرغم من ذلك قد وصلت إلى مراتب علمية واقتصادية واجتماعية ومؤسسات ديمقراطية فاقت كثيراً أيام الانبطاح الشاهن شاهين وأصبحت قوة إقليمية يحسب حسابها . وكان أخر انجازاتها العلمية مقدرتها على أن تضع قمراً صناعياً في مدار ارتفاعه 500 كيلومتر وبوساطة صواريخها و التي قامت بتطويرها .
علمانية (المجاهد الأكبر) بورقيبة في تونس
أحد أبواب ضريح بورقيبة مكتوب عليه «المجاهد الأكبر، باني تونس الجديدة”، فهل كان هو كذلك ؟
كان بورقيبة ماسونياً وكاد أن لا يبقي من أركان الإسلام الخمسة شيئاً . كان يرى وجوب إلغاء الصيام لأنه يُقلل الإنتاجية، وفي عام 1962 مَنع الصوم ! وقام بشرب الماء في منبر عام في شهر رمضان طالباً الجميع الاقتداء به كما طالب بعدم الحج والاستعاضة عنه بزيارة مقابر الأولياء في تونس . وفي عام 1981 أصدر قانونا اسمه المنشور 108، والذي فيه يأمر بمنع ارتداء النساء “الحجاب” ولقد ظهر بورقيبه على شاشة التلفزيون في احتفال شعبي وهو ينزع أغطية الرأس عن بعض النساء قصرا قائلا “انظري إلى الدنيا من غير حجاب”. أيضا منع صلاة الفجر للشباب، وبدأت المخابرات تلاحق من يصلي باستمرار. هذا هو المجاهد الكبير بورقيبة.
علمانية أحزاب دول الهلال الخصيب
كان حزب البعث هو اكبر هذه الأحزاب والذي وصل إلى حكم سوريا والعراق تحت شعار (وحدة ، حرية ، اشتراكية ، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة). لو حقق الحزب الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية النابعة من حضارتنا من رسالتنا الخالدة لكنت أول مؤيديه مع أني لم انتسب إلى أي حزب سياسي في حياتي . لكن مع الأسف بدل الوحدة وقف الحزب الواحد في سوريا مع الامبريالية الأمريكية لتدمير بلد عربي آخر وهو العراق يحكمه فرع آخر من الحزب نفسه . وبدلاً من الحرية كانت أنظمته شمولية وكان أفضل ما فيه بالنسبة للغرب كونه علمانياً إذ أن الاستراتيجيين الأمريكيين صرحوا أن هدف الحرب في سوريا هو الإطاحة ببشار الأسد والمحافظة على النظام لأنه نظام علماني.
أتساءل هنا : هل الهجوم الغربي ووكلاءه على إيران كونها أصبحت غير علمانية؟ وهل الانقلاب على اردوغان كان بسبب رجوعه إلى جذوره الإسلامية ؟ وهل الهجوم على حركات التحرر الوطني والمقاومة اليوم لأن هويتها إسلامية سُنية كانت أم شيعية؟
أنا هنا لا أتكلم عن إسلام داعش أو إسلام وعاظ السلاطين الذين ناشدوا الولايات المتحدة لتدمر بلد إسلامي ولا عن إسلام يصرُ كبير علماء سلاطينه بأن الأرض لا تدور , وإنما عن الإسلام الذي يقول اطلب العلم ولو بالصين والذي يقول لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والذي يقول لا إكراه في الدين فالعلمانية التي يريد الغرب أن يفرضها عبر وكلاءه ( هي إكراه في الدين ).
2- أزمة الأقصى كانت آخر فضائح الأنظمة العربية .
الرواية السعوديّة قوبلت بروايةٍ إسرائيليّةٍ مغايرة تمامًا، فقد نسفت صحيفة إسرائيلية (كما تمّ ترجمتها من مراسل رأي اليوم في فلسطين) المزاعم بأنّ تدخل العاهل السعودي سلمان هو من أقنع إسرائيل بإزالة البوابات الإلكترونية.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “مكور ريشون”، إنّ المملكة العربيّة السعودية كانت أكثر الدول العربية التي أبدت تفهمًا لقيام إسرائيل بنصب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، على اعتبار أنّ ذلك تفرضه الإجراءات الأمنية.
من جهته، قال مُحلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس)، إنّ إسرائيل لم تكُن الوحيدة التي خشيت من اندلاع انتفاضةٍ فلسطينيّةٍ جديدةٍ، بل هناك العديد من الزعماء العرب، كانوا شركاء في الخوف والخشية من الانتفاضة لإنّها قادرة على تجنيد الدعم الجماهيريّ الذي سيضع الأنظمة العربيّة في مواجهة دمويّةٍ مع المُواطنين.
3- الأنظمة ترتعد خوفاً والمقاومة تتصرف بشموخ :
نشرت رئيسة قسم الإعلام في الجامعة العبريّة في القدس تحقيقًا مهمًا تحت عنوان “على مَنْ راهن أمير جبهة النصرة في عرسال” نشرته صحيفة إسرائيل اليوم الالكترونية كما تمّ نقلهُ إلى العربية في رأي اليوم جاء فيه بان أمير جبهة النصرة في عرسال طلب من رئيس جبهة النصرة الجولاني الاتصال بإسرائيل لتقوم بالتدخل ضد حزب الله بعد أن لاحظت النصرة استعداد حزب الله للهجوم . ولقد تمّ الاتصال بالكيان الصهيوني وتمّ الموافقة على التدخل بقيام سلاح الجو الإسرائيليّ بتوجيه ضرباتٍ مدمرة لحزب الله فور قيام الحزب بشن حرب على جبهة النصرة في عرسال. وأردفت قائلةً إنّه في يوم السبت 8 تموز (يوليو) الجاري، وهو يوم عطلة في إسرائيل طلب السفير الألمانيّ في تل أبيب مقابلة وزير الأمن الإسرائيليّ ليبرمان على عجل، وسلّمه رسالةً من وزير الخارجية الألماني وهي رسالة تحذيرية من السفير الألماني في بيروت بعد أنْ اجتمع مع احد أعضاء قيادة حزب الله، والذي حذّر السفير الألماني في بيروت من أنّ حزب الله مقدم على عملية اقتلاع الإرهاب من القلمون وعرسال، وأنّ أيّ تدخلٍ من إسرائيل لصالح الإرهابيين فمعنى ذلك إعلان حرب من إسرائيل على حزب الله، وأنّ الحزب سوف يفتح جميع الجبهات بوجه إسرائيل ولن يوجد هنالك هدف في إسرائيل ممنوع على حزب الله وأنّ إسرائيل سوف تتحمل نتائج ما تقدم عليه…ولا يوجد في العالم من يمنعنا من ذلك فإذا كانت إسرائيل تنوي القيام بأيّ عملٍ ضد حزب الله فإنها سوف تجني ما لم تتوقعه من حزب الله.
وأضاف القياديّ للسفير: نحن نحترمك كثيرًا، قم بواجبك قبل فوات الأوان وترتكب إسرائيل حماقة لا تعرف نتائجها إطلاقًا وسوف تكون كارثية عليها، هذا تحذير ولا كلام آخر عند حزب الله.
بعد تسلم وزير الأمن الإسرائيليّ الرسالة اتصل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطلب لقائه على الفور لأمر خطير جدًا وتوجه ليبرمان إلى بيت نتنياهو وسلّمه الرسالة، وفي اليوم التالي نهار الأحد 9 تموز (يوليو)، وخلال الاجتماع الاعتياديّ لمجلس الوزراء الإسرائيليّ تمّ اطلاع المجلس على رسالة وزير الخارجية الألماني وأقر المجلس بالإجماع إنهاء مخطط دعم جبهة النصرة.
العالم يعيد تشكيل نفسه لتصبح أوهام الأحادية الأمريكية من الماضي السحيق. رأينا كيف كانت تركيا وإيران حينما كانتا دائرتين في فلك التبعية الأمريكية وكيف أصبحا عند رجوعهما إلى جذورهما الحضارية. اعرفوا عدوكم الحقيقي لا الأعداء الأشباح فمرةً هو عبد الناصر ومرة آخري هو صدام حسين واليوم هي المقاومة الإسلامية.هذه المقاومة الشريفة صمدت خمسين يوماً في غزّة و ثلاثين يوماً في لبنان بينما لم تصمد جيوش ثلاثة دول عربية سوى ستة ساعات لا ستة أيام.
يقول الفقهاء أن الجهاد هو فرض عين على كل مسلم حينما تكون أراضي المسلمين محتلة . أفأصبح الجهاد إرهاباً في قاموسكم ؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/09