حين يكون الوالدان ضحايا الأبناء
مرزوق بن تنباك
منذ فترة طويلة والأنباء في صحافتنا المحلية تأتينا بين الفينة والأخرى بأخبار فاجعة قد لا يتصورها الإنسان ولا يتحمل سماعها، تلك هي قتل الأولاد لآبائهم وقتلهم لأمهاتهم، وآخرها ما حدث الأسبوع الماضي في منطقة القصيم، ومع كل فاجعة مثل هذه ليس لمن وقعت عليه ولا من قام بها، ولكنها فاجعة للشعور الإنساني وفاجعة للمجتمع بكل ما يمكن أن تعنيه الفاجعة، نعوذ بالله من ذلك.
وهنا لن أبدأ المقال بالآيات الكريمة التي تحث على بر الوالدين وتدعو للرحمة بهما والشفقة عليهما وألا يقال لهما أف ولا ينهرهما ابنهما فضلا عن أذاهما فما بالك بإزهاق روحيهما وسفك دمائهما، ولن أضيف إليها آلاف النصوص من الأحاديث النبوية والمواعظ البشرية والحكم الربانية التي يزخر بها تاريخنا الإسلامي، وأشهرها أن الجنة تحت أقدام الأمهات، ولن انتقل إلى عرب الجاهلية قبل رحمة الإسلام وتربيته وآتي بقصص البر بالوالدين وما أمرت به قيم المجتمع الجاهلي، وما عرف عن البررة من العرب الذين ضربت ببرهم الأمثال، ودونت في ذلك المدونات التي بقيت إلى يومنا هذا مثالا حيا لما كان عليه العرب من خلق الوفاء للوالدين، والعطف عليهما والرحمة بهما.
وكذلك لن أنتقل بكم إلى العالم كله من حولكم في تاريخه العريض، وما كان يحظى به الوالدان من الاحترام والتقديس للعلاقة الأبوية في جميع شعوب الأرض التي نعرف تاريخها ونقرأه ونسمع عنه ونعايش ما يجري فيه بفضل ما تهيأ من وسائل الاتصال، ولا أريد أن أثقل عليكم بكل ما ذكرت لكم أعلاه لسبب بسيط جدا وهو أن ذلك من نافلة القول ومما لا يجادل فيه أحد ولا يشكر عليه.
إذن ما الذي أريد أن أقول لكم في هذا المقال وأمام هذه المصائب التي تقع في مجتمع متدين محافظ وتجرح مشاعرنا وتؤذينا وإن لم تربطنا بالقاتل ولا المقتول صلة.
ما أذكره جيدا خلال السنوات القليلة الماضية أن هناك عددا من الحوادث قد يصل إلى عشرات الحالات يقدم فيها أقرباء من الدرجة الأولى على قتل أقربائهم، أكثرها وأخطرها وآلمها قتل الأولاد لوالديهم بنسبة إذا قارنها بما نسمعه يحدث في العالم لا نجد وجها للمقارنة بيننا وبينهم بأي حال، فما يحدث عندنا يفوق كل ما يحدث في العالم بكل تأكيد.
لكن الحديث سيكون عن حالنا نحن المجتمع والأفراد والمسؤولين عندما يقع مثل هذا العمل المنكر، فالصحافة تعزو وتبرر الحادث بتأثير المخدرات وسوء التربية وضعف الوازع الديني وكفى، والجهات الأمنية تتحدث عن القبض على الفاعل ومحاكمته لينال جزاءه وحسبها ذلك، والمجتمع يندد ويستنكر ويتعوذ بالله من العمل وفاعله، وتقف الأمور عند هذا الحد، وينسى الناس الحادث حتى يقع جديد مثله فيعود الجميع لما تعودوا مما وصفته وتنتهي القضية بانتظار الحادث القادم.
هذا كله ليس هو العلاج للقضية، وليس هو الواجب الذي يجب أن يقوم به الجميع، الواجب هو دراسة موسعة لدوافع هذه الجرائم التي لا يمكن تصورها تحت أي ظرف، والمسؤولية تناط في جهات موكل إليها أمن المجتمع وسلامته، أولها الشؤون الاجتماعية، والأمن العام، والمتخصصون في الخدمة الاجتماعية، الذين يجب عليهم القيام بالدراسات المتعمقة في دوافع الجرائم وأسبابها، وجعل كل حالة (case study) تدرس كل ما يحيط بأسباب قتل الأقرباء والوالدين خاصة، والبيئة الاجتماعية الحاضنة للفاعل والأحوال النفسية والمؤثرات الفكرية والمحيط الاجتماعي الذي نشأ فيه ثم تقارن الحالات كلها التي حصل فيها اعتداء على الأقرباء بالقتل أو التعنيف ويبحث المشترك بينها، وتعتمد الدراسة وتنشر نتائجها ويؤخذ بها وتصبح مادة للتدريس في أقسام الاجتماع والخدمة الاجتماعية وتنشر للتوعية بها على الجميع.
ومن مجموع الحالات سيكون هناك بالضرورة استنتاجات تساعد على معرفة الكثير من الأسباب والدوافع النفسية والاجتماعية وربما الدينية كما ذكر أن بعض الحالات كان الدافع إليها هو تصور منحرف، وذلك ما يساعد على تجنب حدوثها ومعرفة الأشخاص الذين قد تحدث منهم الجريمة مستقبلا. يجب أن نعترف أننا مجتمع غامض ومعقد وأن البراءة التي نتحدث عنها والخصوصية التي نتكئ عليها والتزكية هي أوهام نعلل النفس بها وإلا فما نحن إلا مجتمع مثل مجتمعات الأرض يوجد فيه كل ما يوجد في غيره من العالم.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/08/09