قهر الناس وأكذوبة الضغط على حماس
د. سفيان ابو زايدة
الرئيس عباس في لقاء متلفز مع بعض فعاليات القدس أكد خلال كلمته أمامهم أنه سيستمر في وقف المخصصات المالية لغزة تدريجيا ما لم تلتزم حماس باستحقاقات المصالحة. هذا يعني من الناحية العملية أن استمرار الخصومات من الموظفين سيتواصل و أنه سيتم إحالة من تبقى منهم على التقاعد المبكر و هذا مسألة وقت فقط، و أن الكهرباء التي تدفع السلطة ثمنها لإسرائيل ( من أموال الضرائب التي تجبى من غزة ) و التي تم تقليصها سيتم الطلب من الإسرائيليين مرة أخرى تخفيض الكمية التي تصل إلى غزة و ان التحويلات الطبية و التقليصات في كميات الأدوية أيضا سيتم الاستمرار في تقليصها إضافة إلى إجراءات عقابية أخرى.
لنفترض جدلا أن هذه الإجراءات حقا هدفها تركيع حماس و إجبارها على القبول بشروط المصالحة ، السؤال هو من كل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن و الإجراءات التي يهدد الرئيس في اتخاذها ، هل حقا تؤثر علي حماس؟ هل حقا هدفها تركيع حماس؟ أم أنها فقط تقهر أبناء الشعب الفلسطيني المكلوم في غزة دون أن تحقق أهدافها.
أتمنى أن يقنعني الرئيس عباس كيف يمكن الاعتقاد أن تركيع الموظفين من خلال إحالتهم على التقاعد المبكر و الخصومات في رواتبهم و التي تجاوزت ٣٠٪ في الكثير من الحالات سيقود إلى تركيع حماس؟ كيف يمكن أن يكون تجويع الموظف هو و عائلته و إدخاله في ضائقة مالية و إغراقه في الديون سيكون وسيلة ضغط مباشرة على حماس.
كوارث إنسانية نتجت عن القرارات الأخيرة و التي يؤكد الرئيس عباس بأنه سيتمر في اتخاذها. إجراءات تقهر المواطنين الفلسطينيين ، خاصة الموظفين منهم و الذين في غالبيتهم من أبناء فتح هم و عائلاتهم و غالبيتهم من الملتزمين بسياسة الرئيس عباس.
هل يعلم السيد الرئيس أن الغالبية العظمى من الموظفين قد حصلوا على قروض سواء كان لشراء بيت أو لزواج ابن أو لتسديد لرسوم جامعة و أنه بعد الإحالة على التقاعد لم يتبقى له فلس واحد بل هناك من يعود خالي الوفاض بعد أن حَصّلت البنوك قسط القرض و هناك من يعود برسالة أنه مديون للبنك بعدة مئات من الشواقل لأن ما تبقى من راتبه لا يكفي لسداد القرض.
هل هناك من يسأل نفسه كيف سيكمل هذا الموظف حياته؟ هل هناك من يضع نفسه مكان هذا الموظف و يتخيل كيف سيواجه أطفاله و كيف سيخبر ابنته التي تتعلم بالجامعة أن عليها الجلوس في البيت لأنه لم يعد لديه القدرة على تغطية رسوم التعليم؟
هل هناك من يضع نفسه مكان موظف تلاحقه الشرطة لأنه لم يستطيع تغطية الشيكات التي حررها بعد أن تقدم بعض أصحاب هذه الشيكات بشكوى ضده؟ هل لكم أن تتخيلوا هذا الموظف وهو موجود في السجن ليس لأنه محتال أو حرامي أو نصاب، فقط لأنه موظف التزم بالشرعية و هاهي الشرعية تودعه السجن بعد أن حطمت حياته.
هل يعلم السيد الرئيس أن هذه الإجراءات لا تؤذي حماس بل تؤذي الغالبية العظمى من الناس و تعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي و زيادة الجريمة و زيادة نسبة الطلاق، خاصة بين الأزواج الشابة؟ لا أعرف أن كان هذا الخبر يثير اهتمام السيد الرئيس أم لا وهو أنه في إحدى المحافظات هرب القاضي الشرعي من مكتبه قبل أن ينتهي وقت الدوام لكي لا يستمر في التوقيع على طلبات الطلاق بعد أن وصلت إلى ٢٩ حاله طلاق في اليوم ، وأن هناك الكثيرين ممن يفسخون خطوبتهم ليس لأنهم لم ينسجموا مع بعضهم البعض بل لأن الظروف أصبحت أكثر قساوة وأن الخصومات على الرواتب و التقاعد المبكر قد ضرب خططهم و أحلامهم في مقتل؟
في كل الأحوال ، هناك ثلاث همسات أود أن أهمسها في أذن الرئيس عباس و لجنته المركزية و مجلسه الثوري .
الهمسة الأولى أن الإجراءات التي تم اتخاذها ، و التي يهدد الرئيس في الاستمرار في اتخاذها في المستقبل لها تأثير واحد حتى الآن و هي قهر الشعب الفلسطيني الذي يدفع الثمن بشكل مباشر ، أما حماس كسلطة و حكومة و كوادر و قيادات فهي غير متأثرة على الأقل بشكل مباشر من هذه الإجراءات. و ما هو أكيد لن يجبرها على تغيير مواقفها.
أما الهمسة الثانية فهي أن هناك قناعه أن هذه الإجراءات، خاصة التي بحق الموظفين ليس لها علاقة في تركيع حماس بل جزء من خطة لتخلي الرئيس عباس عن مسؤلياته تجاه غزة. إذا كان الأمر كذلك كيف ينسجم ذلك مع الحديث عن مصالحة و تمكين حكومة الوفاق من ممارسة صلاحياتها؟ إذا أحلتم الموظفين للتقاعد و ترفضون التعاطي مع موظفي حماس ، كيف إذن ستمارس الحكومة صلاحياتها؟ ما هي الأدوات التي ستستخدمها ؟ هل ستستورد موظفين من الصين ؟ أم كما يعتقد البعض أن هناك مؤامرة تهدف إلى إحالة موظفي السلطة للتقاعد لكي يتم استيعاب موظفي حماس في المستقبل؟ إذا كان الأمر كذلك على بركة الله فقط تحدثوا مع الناس بصراحة حول مصيرهم و مستقبلهم.
أما الهمسة الثالثة ، إذا ما استمر الحال على هذا المنوال فأن حركة فتح ستدفع ثمنا غاليا في الانتخابات القادمة و لن تنفع كل التقارير الكاذبة التي تحاول تجميل الصورة، لأن حجم القهر الذي يعيشه الناس أكبر بكثير ما تتخيلون.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/09