أمتنا الإسلامية متخلفة .. التعليم ضعيف
د. عبدالرحمن الطريري
لماذا أمتنا متخلفة؟ سؤال يتم طرحه بكثرة في البرامج الحوارية، وفي المنتديات والمجالس، وعبر المقالات، وكذلك في المؤتمرات والندوات العلمية، وما طرح السؤال والبحث عن إجابة له إلا لأن وضع أمتنا الحالي لا يليق بها، وبتاريخها وإمكاناتها التي حباها الله، كما لا يتناسب مع التكليف، والرسالة التي تحملها لكافة الناس "وما أرسلناك إلا كافة للناس" "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وما كلف به الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحمله أمته من بعده. التأثير في الآخر ليس أمنية، لكنه مهمة لا تتحقق إلا بتوافر العوامل التي تؤثر، وتجعل من يفترض فيه التأثير مؤهلا لذلك.
أمتنا في وضعها الراهن، وما تعانيه من تخلف ثقافي ومعرفي لا تتحقق فيها شروط ومواصفات التأثير، فانعدام عناصر الجذب لا تشجع الآخر على الأخذ؛ لأنه لا يوجد ما يغري حتى يتم الأخذ به، كما أن الأسلوب والطريقة التي يتم التعامل بها مع الآخر المختلف يعتريها كثير من السلبيات. في قراءاتي، ومتابعاتي لما يكتب، أو يطرح من نقاشات عبر البرامج الحوارية، وفي تأملي الذاتي، واستقرائي للأحداث، وصيرورة التاريخ وجدت أن الرؤى تختلف، وتتشعب في تحديد أسباب التخلف، ومرد الاختلاف في رأيي يعود إلى خلفيات الكتاب، أو المتحاورين، ونضجهم الفكري، وعمقهم المعرفي، وسعة ثقافتهم؛ إذ إن كل واحد يغني على ليلاه، دونما قاعدة ومرجعية موحدة يتم الاحتكام إليها للوصول إلى الأسباب التي أوصلت الأمة إلى هذا الوضع.
بعض المحللين للوضع يرجع الأسباب إلى الثقافة العامة السائدة من عادات، وتقاليد، وقيم، وأساطير تمثل قاسما مشتركا بين الناس، ولذا تسلل التخلف في نظر هؤلاء من خلال زوايا الثقافة السائدة، وما من شك أن بعض مكونات الثقافة تمثل معوقات ومثبطات للفرد، لا تشجع على النمو، والتطور الذاتي، ومن ثم الاجتماعي بهيئاته ومؤسساته، ومن أمثلة مكونات الثقافة المثل القائل "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، وكأني بهذا المثل مثبط، أو على أقل تقدير يفتقد شحنة التحفيز اللازمة، فوجود قناعة بصحة هذا المثل تجعل الفرد يلوذ، ويحتمي به لتفسير وتعليل قصوره، وعدم السعي لإنجاز ما هو أفضل، كما أن من أمثلة الثقافة المثبطة المثل القائل "مد رجليك على قد لحافك"، وكأني بهذا المثل يكرس عدم الطموح، والتطلع إلى الأفضل، بل الاكتفاء بما تحقق، فما الذي يمنع من أن يحمل المثل معنى السعي لإطالة اللحاف، بما يتناسب مع طول الأقدام، ففي هذا تحفيز على السعي والجد وعدم الاقتناع بما هو متوافر.
من أسباب التخلف التي يشير إليها البعض - وهم غير محقين في ذلك - مستوى الذكاء، فيشير البعض إلى أن قدراتنا العقلية لا ترقى إلى المستوى الذي يجعلنا ننافس المجتمعات المتطورة ماديا، ويرد على هذا الرأي بما يحققه العرب من إنجازات علمية، وتفوق على قرنائهم من أبناء الدول التي يهاجرون إليها، ويشهد على ذلك الآلاف المؤلفة التي تعمل في الغرب، وتحمل أعلى الشهادات في كل المعارف، بل إنه قبل سنوات كان عدد العراقيين العاملين في ولاية نيويورك في القطاع الصحي يقدر بالآلاف، إضافة إلى أساتذة الجامعات والمهندسين ومديري الشركات اللامعين.
من المبررات التي يرد ذكرها الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة، فالاضطرابات، والحروب، وعدم الاستقرار لا توجد مناخا يشجع على البحث والإنتاج الأصيل، فالذهن يكون منشغلا بما هو أهم، ويضاف إلى هذا قلة الحوافز المادية، بل عدم توافر الأساسيات للعلماء، والباحثين، ما يصرفهم عن البحث لانشغالهم بتوفير احتياجات الحياة من مصادر وأنشطة أخرى. ويندرج تحته أيضا عدم اعتبار البحث العلمي أولوية لدى الساسة، ومتخذي القرار لانصرافهم إلى أمور، وأنشطة أخرى، مما ينعكس على ضعف الإمكانات، والمواد اللازمة لإجراء الدراسات والبحوث.
بعض المحللين يصل به الشطط إلى أن يحمل الدِّين أسباب تخلف الأمة، ولو سألته كيف، لما أعطاك إجابة واضحة، بل يفلسف الأمور، ويتناسى تأكيد الدين على التبصر في الكون والحياة "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت"، وعلى القيمة التي يعطيها للعلماء "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، كما يتناسون أن أول ما نزل على الرسول الكريم "اقرأ". ومثل هؤلاء ينكرون التاريخ، وكيف أن الإسلام أحدث انقلابا في حياة العرب، فبعد الجهل ظهر منهم العلماء في المعارف كافة، ووضعوا النظريات، واكتشفوا القوانين التي بنت عليها أوروبا حضارتها القائمة، وهذا إنكار لمنجزات جبارة قدمها ابن الهيثم وجابر بن حيان والخوارزمي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم كثير.
النظام التعليمي - في نظري - يمثل أُسّ أسباب التخلف، فما رزئت أمة وتخلفت أو تطورت ونمت إلا بنظامها التعليمي بكل مكوناته: فلسفة، وأساليب، وإمكانات، وإدارة، وأساتذة، ومبانٍ مدرسية، ومصادر تعليم ثرية، وأنا على يقين أن تخلف أمتنا يعود إلى ضعف المنظومة التعليمية التي لا تحظى بما يجب من اهتمام.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/08/10