الرباعية العربية والتأزيم مع قطر
راتب عبابنه
المتابع لمجريات ومسلسل الأزمة الخليجية يلاحظ دون عناء أن قطر اعتمدت أسلوب التروي والرصد ربما بدافع الحكمة وربما من هول الصدمة وقسوتها، إذ ما جرى غير مسبوق بين الدول الشقيقة حتى عندما احتلت الكويت من قبل العراق.
لكن بالمقابل شاهدنا إعلام الرباعية لا يتوقف عن النبش في سجل قطر وتسليط الضوء عليه لإقناع المشاهد العربي بمدى الخطورة (الإرهاب) التي تشكلها سياسة قطر، من وجهة نظر الرباعية.
والمتابع لا يجد عناءا أيضا بمواقف دول العالم الواضحة وهي تقترب كثيرا من موقف قطر وعلى رأسها أمريكا.
لا شك بأن الأزمة ألقت بأثرها على قطر من ناحية الحصار المفروض عليها، لكنها كسبت نسبة عالية جدا من الرأي العام العربي والعالمي لصفها، إذ ذلك جلي من خلال الإعلام العربي والعالمي أيضا.
مطلوب من قطر قطع علاقاتها مع إيران بينما حجم التبادل البيني للإمارات وإيران 30 مليار دولار. الإمارات لها ثلاثة جزر محتلة من قبل إيران أبو موسى وطُنب الصغرى وطنب الكبرى. والإمارات تحوي عشرات الآلاف من الإيرانيين العاملين بها بالإضافة لمئات الآلاف من المجنسين.
فكيف للعليل مداواة العليل؟؟ نضيف لذلك أن قطر تزود الإمارات بالغاز ولم تلجأ لقطعه كردة فعل تجاه ما واجهته من شقيقتها الإمارات من هجوم شرس. وللحق، هذا يُحسب لصالح قطر.
الرباعية أعلنت منذ البداية أن الأزمة خليجية ويجب أن تحل من داخل البيت الخليجي ولا ترغب بالوساطة، وهذا ما جعل الأردن رئيس القمة العربية يحجم عن التدخل بالمصالحة رغم أنه من واجبه المشاركة والتدخل لفض النزاع.
بالوقت نفسه نرى المبعوثين الأجانب يترددون على المنطقة محاولين المساعدة من أجل حلحلة الأزمة. حلال على الأجنبي وحرام على العربي. تلك إرهاصات وسقطات ناتجة عن التخبط ومتوالية الشروط التعجيزية والتي تمس سيادة قطر بالإضافة لمسلسل مؤتمرات وزراء خارجية الرباعية.
ما قامت به الرباعية تسمّيه “مقاطعة” بينما تسميه قطر “حصارا”. والمقاطعة تعني قطع العلاقات الدبلوماسية، بينما نرى أن تُمنع دولة من استخدام المنفذ البري الوحيد والمجال الجوي والبحري فذلك الحصار بعينه.
والرباعية تدّعي بأنها ليست ضد الشعب القطري. وقد منعوا مواطنيهم من السفر لقطر وطلبوا من المتواجدين بقطر أن يغادروها. والخليجيون لهم مصالح متداخلة وعلاقات قربى ومصاهرة وهناك تشابك بالعلاقات والمصالح والتجارة الفردية وعلى مستوى الشركات.
الحجاج لم يتم استثناؤهم من حظر الطيران في الأجواء السعودية ولو على أقل تقدير من الناحية الدينية وإن حاولوا فعليهم استخدام خطوط طيران غير قطرية. أليس هذا حصار؟؟
الجمال والمواشي القطرية التي ترعى في الأراضي السعودية تم طردها من السعودية تطبيقا لبنود الحصار. الإعلام الرباعي يصور أن المجاعة قد استفحلت في قطر واقتصدها انهار في ساعات. وهل هذا مدعاة للتفاخر؟؟ قطر دولة غنية جدا تستطيع تلبية احتياجات شعبها بمنتهى السهولة وهي أكبر مصدر للغاز أضف لذلك استثماراتها الضخمة وصندوقها السيادي.
اشترطوا إغلاق قناة “الجزيرة” التي كشفت خبايا وتآمرات وخيانات وكولسات الأنظمة العربية وسجلت سابقة في الإعلام العربي والعالمي و هزت عروشا وأنظمة وزودت المشاهد العربي بما يفتقر له من حقائق ومعلومات داخل وطنه. وطلب إغلاقها تدخل صارخ بشؤون دولة ذات سيادة مثلما هو حرب على حرية الصحافة والإعلام الذي لن يقبل به العالم المتحضر.
قطر لم توافق على الرضوخ لطلبات وإملاءات ترامب الذي حضر لابتزاز هذه الدول وصرح أنه لم يكن ليذهب للسعودية لو لم يضمن العودة بمئات المليارات من هذه الدول. ترامب رجل أعمال يؤمن بأن كل خطوة يخطوها ستعود عليه وعلى بلاده بالمال الوفير. وهو يتعامل بذهنية ومفهوم الربح والخسارة.
هذا رغم أن قطر لم تدفع حصتها من المنحة الخليجية للأردن ذات الخمسة مليارات، إذ حصتها 1.25 مليار ربما لقناعة صناع القرار لديهم بأن الشعب لن يستفيد منها، وهذا شأنهم. هي منحة ولا يرون مصلحة بالمشاركة. هذا بالإضافة لموقفهم من ترشح ممثل الأردن لأمانة الأمم المتحدة وانتخابات الفيفا التي خاضها الأمير علي بن الحسين ومعها البحرين أيضا. وكل ذلك لا يعمينا عن قول الحق بأن قطر تتعرض لحصار قاس وغير مسبوق من دول يفترض أنها شقيقة تشترك معها بمجلس دول الخليج العربي ناهيك عن التداخلات القبلية والمصالح المشتركة بين الشعوب ذات الأصول الواحدة.
من خلال متابعتنا للإعلام القطري وتحديدا شاشة “الجزيرة” وإعلام الرباعية وتحديدا شاشات “العربية” و “الحدث” “سكاي نيوز العربية”، نرى من الواضح الإدارة القطرية الإحترافية للأزمة حيث الثقة بالنفس والقدرة والتمكن من زمام الأمور بالإضافة للإستثمار الذكي لأدوات فتحت بها آفاقا من خلالها توسعت الرؤيا وأوصلت فضيتها للعالم باقتدار وحرفية تدعو للاحترام والإحتذاء.
لم تخضع قطر لمطلب اعتبار حركة حماس إرهابية ولم تطرد قيادات الإخوان الذين صنفتهم الرباعية “إرهابيون”. الحكمة القطرية لم تقابلها حكمة من الرباعية بل المزيد من التهم والترويج “لإرهابية” قطر والدوران حول شيطنة شيوخها وكأن الرباعية أنبياء لا ينطقون عن الهوى ولا يقربهم الخطأ. الحكمة تقول: إذا كان بيتك من زجاج، فلا ترجم الناس بالحجارة.
حاولت ما استطعت رصد بعض الحقائق التي رافقت هذه الأزمة التي ندعو الله أن لا تغيب عنها الحكمة والتروي بالاتجاهين كما ندعو الباري أن يجعل الوئام والود والرغبة في الالتقاء بمنتصف الطريق هي العامل المشترك بكل خطوة يخطوها الطرفان.
حمى الله الأمة وحقن دماءها والله من وراء القصد.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/12