مستقبل العلاقات الإيرانية – السعودية..ابتسامات في الوجه وطعنات بالظهر
صالح السيد باقر
هناك العشرات من الدلائل التي تؤشر على وجود تقارب إيراني- سعودي، مما تجعل المراقبون السياسيون يتكهنون بعودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، ويأتي استئناف الإيرانيين لمناسك الحج في مقدمة وأبرز دلائل التقارب الإيراني – السعودي.
هناك دلائل أخرى تؤشر على هذا التقارب، من بينها إطلاق السعودية سراح صيادين إيرانيين، وكذلك مصافحة ظريف والجبير على هامش الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، ووساطة العراق بين البلدين وعدم نفي طهران والرياض للوساطة، وكذلك تغيير السعودية لموقفها تجاه الحكومة السورية وبالذات الرئيس بشار الأسد، مما يرجح كفة الموقف الإيراني تجاه الأزمة السورية، وأيضا تسوية أزمة منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في لبنان، وقبل ذلك التوصل إلى اتفاق في منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك)، والذي أسهم في ارتفاع أسعار النفط واستقرارها، وقد لعب تراجع السعودية عن موقفها تجاه إيران دورا رئيسيا في هذا الاتفاق حيث كانت ترفض السعودية بخفض إنتاجها ورفع إنتاج إيران، بينما الاتفاق سمح لطهران برفع إنتاجها وأرغم الرياض على خفض إنتاجها.
ربما لو أضفنا الملف اليمني ونسبة من المرونة أبدتها السعودية تجاه الأزمة اليمنية والتي تصب في المحصلة النهائية لصالح طهران حيث من المحتمل أن تثمر هذه المرونة عن توقف الحرب ضد اليمن وبقاء الحوثيين وبالتالي عدم تحقق الهدف المعلن من هذه الحرب وهو اجتثاث النفوذ الإيراني في اليمن، فيمكن ضمه لسائر الدلائل التي تشير على التقارب الإيراني- السعودي.
لا يهمني كثيرا ما أن كانت هذه الدلائل مؤشر حقيقي على اقتراب عودة العلاقات وما إذا كانت العلاقات بين طهران والرياض ستعود أم لا، وإنما الذي يهمني في هذا الصدد، هو هل أن عودة العلاقات الرسمية سيكون بداية لعلاقات حقيقية ومتكافئة وقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شأن أحدهما الآخر، أم أن العلاقات ستعود ويعود معها تبادل الاتهامات والتآمر والكيد؟
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال من دون معرفة السبب الحقيقي وراء قطع العلاقات، فعلى الظاهر أن السعودية بادرت إلى قطع علاقاتها مع إيران بعد هجوم مجموع من الإيرانيين على سفارتها في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد وقامت المجموعة بإحراقهما ونهب ممتلكاتهما، وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية أدانت ذلك واعتقلت سلطات طهران مجموعة من المتورطين في الهجومين إلا أن الرياض أصرت على قطع العلاقات، مما يشير إلى أن الهجوم ليس السبب الحقيقي وراء قطع العلاقات وإنما هناك أسباب أخرى، والتي اختصرتها الرياض بتدخل إيران في شؤونها وشؤون دول المنطقة.
هذا هو ظاهر ما جرى ولكن حقيقة ما جرى تعود إلى التغيير الجذري الذي طرأ على السياسة الخارجية للمملكة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس باراك أوباما وبالتحديد بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، فالمراقب السياسي يشعر بل يلمس تبني السياسة الخارجية السعودية لنهج علني وهو غير مألوف في تاريخ السعودية، فعلى سبيل المثال فأن السعودية لم تتحدث يوما عن دعم إيران للإرهاب بهذه الصراحة رغم الأزمات التي مرت بها علاقات البلدين، كما أن المراقب السياسي قلما سمع بموقف علني معادي لدولة عربية كما حدث تجاه الحكومة السورية حيث أصرت الرياض على مدى سنوات على ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا لا يعني أن السعودية لم يكن لديها سياسة خارجية ومواقف تجاه هذه الدولة أو تلك، بل على العكس كانت تلعب دورا سياسيا نشطا في الكثير من الملفات، ولكن كل ذلك كان يجري وراء الستار وخلف الكواليس، ومن بين الأمثلة البارزة في هذا الصدد هو تحرير الكويت من احتلال نظام صدام لها، فكانت السعودية اللاعب الرئيسي في عملية التحرير ولذلك فأن الكويت تشعر أنها مدينة للسعودية في ذلك، ولكننا لم نسمع من المسؤولين السعوديين مواقف وتصريحات أطلقوها ضد صدام حسين آنذاك كما يطلقوها اليوم ضد بشار الأسد.
ربما السبب الرئيسي في عدم تبني الرياض لسياسة علنية هو الأثمان التي يتعين عليها دفعها في تبني هكذا سياسة، وأدنى ما يقال في هذا الصدد هو أنه يكلفها سمعتها، لأن السياسة العلنية سيكون لها ردود فعل علنية أيضا من هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي يتعارض مع مشروع زعامة العالم الإسلامي والعربي الذي تتبناه الرياض.
السبب الرئيسي في هذا التغيير وانتقال السياسة الخارجية السعودية من السر إلى العلن يعود بالدرجة الأولى إلى التغيير الكبير الذي طرأ على السياسة الخارجية لحكومة أوباما، فقد تخلت حكومة أوباما عن الكثير من الملفات بعدما ما كان لديها دور مباشر فيها، فقد كانت الرياض تنسق مواقفها مع واشنطن في بعض الملفات، أو لنقل أن الرياض كانت تقنع واشنطن بوجهة نظرها تجاه بعض الملفات ومن بينها الملف الإيراني، وبما أن حكومة أوباما تخلت عن هذه الملفات فأن الرياض هي التي بدأت تلعب دورا مباشرا فيها، وهذا ما يفسر اعتراض الرياض الشديد ضد واشنطن في التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي.
مع تسلم دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وإعلانه بأنه سيلعب دورا مباشرا في العديد من الملفات فان السعودية وجدت ضالتها فيه، ومع أن بعض الكتاب والمحللين السياسيين حاولوا أن يسخروا ويستهزئوا بالسعودية لإبرامها اتفاقيات تتجاوز مبالغها 450 مليار دولار مع الولايات المتحدة، غير أن الحقيقة هي أن هذا هو الثمن الذي طلبه ترامب لمعالجة الملفات التي تقلق السعودية وفي مقدمتها الملف الإيراني.
من هنا فان العلاقات السعودية – الإيرانية حتى لو عادت إلى سابق عهدها، فسوف لن تخرج عن إطار تبادل الابتسامات في الظاهر، ولكن سوف تستأنف السعودية سياسة توجيه الطعنات لإيران من الخلف، ومن المؤكد أن هذه السياسة ستكون أخطر على إيران عما لو تبنت الرياض سياسة عدائية علنية ضد طهران.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/20