أول ذكر في التاريخ للنفط كان في العراق وأول دخول للولايات المتحدة لنفط العرب كان بالعراق
د. عبد الحي زلوم
باعت عائلة روتشيلد شركاتها النفطية الروسية إلى شركة رويال دوتش/شل وبذلك أصبحت مساهما رئيسياً بتلك الشركة مما جعلها شريكاً في نفط العراق وفي كافة امتيازات شركة شل في الوطن العربي.
أصبحت شركة شل شريكةً في شركة النفط التركية والتي حصلت من السلطان العثماني على امتياز في الأراضي العراقية التي كانت تعرف باسم ميزوبوتاميا Mesopotamia. أما مالكو هذه الشركة ، فكانوا مصرف دوتش بنك وشركة رويال دوتش/شل بحيث يملك كل منهما ربع أسهم الشركة، ويذهب النصف المتبقي إلى البنك التركي الوطني، وهو بدوره بنك تسيطر عليه بريطانيا بحيث كان الراعي للمصالح السياسية والاقتصادية البريطانية في الإمبراطورية العثمانية. وكان كالوست غولبكيان (Calouste Gulbekian)، وهو القوة الرئيسة التي عملت على تشكيل هذه الشركة، يملك 30% من البنك التركي الوطني، وهو ما خوّله امتلاك 15% من تلك الشركة . وفي عام 1897، كان غولبكيان ممثلاً لشركات صامويل وعائلته اليهودية في القسطنطينية والتي أصبحت مع عائلة روتشيلد مالكةً لأغلبية أسهم شركة رويال داتش شل . تمّ إعادة توزيع حصص الشركة لصالح بريطانيا في شركة البترول التركية خلال اتفاقية بين كل من حكومتي ألمانيا و بريطانيا في 19/3/1914 تحت اسم “اتفاقية وزارة الخارجية”. وبموجبها، أصبحت حصة مصرف دوتش بنك وشل 25% لكل منهما بينما حصلت شركة أنجلو – بيرشيان غروب (Anglo-Persian Group) المملوكة من بريطانيا على50%. أما غولبكيان فأصبحت حصته 5% تقتطع مباشرة بالتناسب من حصة كل من الأطراف الأخرى.
لم تكن هناك حدود بين ولايات الدولة العثمانية ولكن نتيجةً إلى تقاسم مغانم الحرب العالمية الأولى أصبح ضرورياً تقسيم مناطق الدولة العثمانية بشكل يتناسب مع امتيازات ومطامح الدول الاستعمارية . كان هناك ثلاث مؤتمرات هامة ، مؤتمر القاهرة (سميراميس سنة 1921) ومؤتمر( سان ريمو سنة 1922) ثمّ مؤتمر العقير والذي تمّ عقده في 2/12/1922 لتقسيم المغانم ورسم الحدود . كانت معاهدة العقير بين سلطنة نجد بحضور سلطان نجد عبد العزيز آل سعود و صبيح بك وزير المواصلات والأشغال ممثلا عن الملك فيصل الأول والذي تم تنصيبه لتوه ملكاً على ما تمّ تسميته العراق بدل ميزوبوتاميا . كانت الكويت محميةً بريطانية فلذلك فقد مثلها في تحديد حدودها جون مور المعتمد السياسي البريطاني في الكويت . بعد 5 أيام من حوار الطرشان تدخل المندوب السامي البريطاني السابق في العراق السير بيرسي كوكس وقام بإحضار خارطته كان تقسيم الحدود بها جاهزاً وقال لهم هذه حدودكم . لم يعجب ذلك ممثلي العراق ونجد حيث كان السلطان عبد العزيز آل سعود يطالب بعدم رسم حدود وإنما بتحديد مناطق نفوذ القبائل الموالية مما يعني امتداد نفوذه إلى الضفة اليمنى من الفرات وبادية الشام حتى حلب بينما كان المفاوض العراقي يصر أن حدود بلاده هي حتى 12 ميل من الرياض. كما تمّ رسم منطقة محايدة بين العراق ونجد ومنطقة محادية أخرى بين نجد والكويت.
بعد الحرب العالمية الأولى طلبت الولايات المتحدة من شركات النفط الأميركية المبادرة للحصول على النفط العربي وكان هذا أوائل العشرينيات من القرن العشرين. وفي ذلك الوقت، كانت بريطانيا وفرنسا تريدان أن يكون نفط الشرق الأوسط من نصيبهما. بعد الحرب العالمية الأولى، انتقلت حصة الألمان في شركة النفط التركية إلى الفرنسيين، ذلك لأن اتفاقية سايكس بيكو قد جعلت محافظة الموصل من نصيب فرنسا فتمّ مبادلتها بإعطاء فرنسا حصةً من نفط العراق مقابل التخلي عن محافظة الموصل لإبقائها تحت النفوذ البريطاني . بيّن الانجليز للأمريكان أنهم يتحكمون في 82% من إنتاج النفط العالمي ، بينما حصة بريطانيا من إنتاج النفط في إيران وغيرها لا تتجاوز 4.5%. وبعد إلحاح وضغط شديدين من الأميركيين، مُنحوا حصة من كعكة النفط في العراق ، وكان ذلك بتخفيض نسبة الحكومة العراقية من 20% كما جاء في اتفاقية سان ريمو . قامت بريطانيا التي كانت في حالة انتداب على العراق بتشكيل حكومة عراقية، وأجبرتها على توقيع اتفاقية شركة نفط العراق IPC التي يحصل العراق بموجبها على 4 شلنات للطن (أي حوالي نصف شلن للبرميل).
أعيدت تسمية شركة النفط التركية لتصبح “شركة نفط العراق”– IPC. وتكونت حصص هذه الشركة على النحو التالي:
بريتيش بتروليوم BP: 23.75%، شيل Shell 23.75%، شركة النفط الفرنسية CFP : 23.75%، شركة موبيل Mobil: 11.875%، شركة إيكسونExxon: 11.875%، غولبكيان: 5%. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد أوجدت موطىء قدم لها في نفط الشرق الأوسط من خلال العراق بداية. وقامت بآخر عملياتها للسيطرة على كامل نفط الشرق الأوسط بل والنفط العالمي من خلال حربها التي شنتها وتشنها على العراق.
قام اتحاد الشركات التي شكّلت شركة نفط العراق بتوقيع معاهدة أخرى عرفت باسم اتفاقية الخط الأحمر والتي اتفقت فيها تلك الشركات المالكة لشركة نفط العراق على أن تكون إما يداً واحدة وإلاّ فلا في سعيها للسيطرة على كامل نفط الشرق الأوسط العربي. وبسبب اتفاقية الخط الأحمر، اتجه اتحاد الشركات نفسه إلى قطر وتمّ تأسيس شركة قطر للبترو
ثمّ إلى المشيخات العربية المتصالحة التي عرفت فيما بعد باسم الإمارات العربية المتحدة، حيث تأسست شركة نفط أبو ظبي بالطريقة نفسها ومن الشركات نفسها وبالحصص نفسها.
ومن تأثيرات النفط على تقسيمات الحدود بين دول المنطقة فعندما أرادت شركة نفط العراق IPC مد خط أنابيب لنقل البترول إلى حيفا قام الانجليز بتعديل حدود شرق الأردن فأضافوا إلى خارطتها المقترحة في مؤتمر سميراميس بالقاهرة حوالي 5 آلاف كيلو متر مربع هي ( الأصبع الذي يمتد بين حدوها الشرقية والحدود العراقية) وأصبحت محطة ضخ النفط الرابعة (H4 – الاتش فور) تسمى مدينة الجفور . أما محطة المضخة الخامسة (-H5 الاتش فايف) أو مدينة الجفايف حسب لهجات بدو تلك المناطق. و (H) هي اختصار عن حيفا (HAIFA).
عندما أرادت شركات النفط معاقبة العراق مطلع الستينيات من القرن العشرين، قامت ببساطة بتقليص الإنتاج في العراق وزيادته في أماكن أخرى. وكانت النتيجة أن حافظت الشركات على كميات النفط نفسها القادمة إلى مضيق هرمز، غير أن العراق حرم من جميع عائداته النفطية.
وكشفت وزارة العدل الأميركية بعد 25عاماً، عن اتفاقية سرية يتضح من خلالها أن شركات النفط قد شكلت كارتلاً سرياً عام 1928 لتحديد حصص (كوتات) الإنتاج وأسعار النفط التي فُرِضت على الدول المنتجة. وعلى إثر ذلك، قررت وزارة العدل الأميركية مقاضاة شركات النفط تلك جنائياً. وتدخلت وزارتا الخارجية والدفاع نيابة عن شركات النفط، وكتبت إن “شركات النفط بكل أعمالها وممارساتها وأهدافها هي أدوات لسياستنا الخارجية تجاه تلك الدول (المنتجة).” وبما أن النفط كان يشكل الشريان الاقتصادي والسياسي لوجود تلك الدول، فإن هذا الإدعاء على الشركات ومقاضاتها سيحدث ضرراً بالغاً “للأمن القومي” الأميركي. وذكر التقرير نفسه أن سعر النفط (الذي تحدده هذه الشركات) يعد مسألة حاسمة لأوروبا الغربية، وبالتالي يكون “عامل حسم لقوة وتوازن وضع ميزان المدفوعات في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يعتبر حيوياً جداً لأمننا.” وبذلك، تكون أسعار النفط المنخفضة قد ساهمت في “الحفاظ على ميزان المدفوعات” للدول الأوروبية على حساب مصلحة الدول المنتجة للنفط دون موافقتها أو حتى علمها. وما زالت الولايات المتحدة هي التي تقرر أسعار النفط كما سنبين في مقالات لاحقة ولكن بطرق مكيفالية .
هذا التقرير أرسل إلى مجلس الأمن القومي (NSC) في 9/1/1953 وصادق عليه الرئيس ترومان ليقوم بعد ذلك بالطلب من وزارة العدل إسقاط تلك التهم.
أما امتياز نفط الكويت، والطريقة التي تم التفاوض بها لأجل الحصول عليه فهي مثال واضح على الكيفية التي تتآمر الشركات سويّاً لمصالحها ضد مصلحة الدول المنتجة.
ففي عام 1927 باع الميجور فرانك هولمز فوائد امتيازه في الكويت إلى شركة غلف (Gulf) وضم البحرين أيضا مقابل (50) ألف دولار. وقامت غلف بدورها ببيع امتياز البحرين واحتفظت بامتياز الكويت، طالبةً من الميجور هولمز أن يبقى وكيلاً لها. ولم تكن شركة بريتيش بتروليوم BP مهتمة بالكويت حيث كان لديها ما يكفيها في إيران والعراق من النفط . ولكن اهتمام بريطانيا في نفط الكويت قد تغير فجأة بعد أن عثرت شركة سوكال (Socal) الأميركية على النفط في البحرين. وحيث أن الكويت كانت محمية بريطانية، فإن بريطانيا بدأت بوضع العراقيل في وجه أي تنفيذ لامتياز غلف في الكويت ، مصرة على أن أية شركة عاملة في الكويت يجب أن تكون بريطانية.
وفي الوقت الذي كانت فيه شركتا غلف وبريتيش بتروليومBP، ممثلتين في وكيليهما، منهمكتين في المزايدة على بعضهما بعضاً في الكويت أمام شيخ الكويت، تمكنت غلف من إنهاء هذا الخلاف. فبعد أن علم أندرو ميلون أحد مؤسسي شركة (غلف) والذي تملك عائلته 25% من أسهمها باكتشاف النفط في البحرين، تمكن ميلون من أن يدبر أمر تنصيبه سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في لندن وذلك كي يتمكن من مساعدة شركة (غلف) في نزاعها. وبمشاركة ميلون، ومجدداً باستخدام تأثيره، توصل إلى تفاهم مع شركة BP بحصول كل من الشركتين BP و Gulf
على 50% لكل منهما وتأسيس شركة مشتركة، بدلاً من المزايدات. وتفاجأ شيخ الكويت عندما جاءه وكيلا الشركتين طالبين منه الحصول على الامتياز وفق شروطهما. وهكذا كانت ولادة شركة نفط الكويت KOC عام 1934.
أول بئر نفطي في العراق كان في تشرين الأول 1927 قرب مدينة كركوك ، بمعدل أنتاج غير مسبوق بلغ 95000 برميل في اليوم. ولكي نفهم ما يعني هذا فإن معدل إنتاج البئر الواحد من الزيت الصخري الأمريكي هو أقل من ألف برميل في اليوم أي أن إنتاج البئر الأول من كركوك كان يساوي حوالي مئة بئر أمريكي . كذلك فإن إنتاج أبار الزيت الصخري يهبط إلى أكثر من النصف خلال سنة واحدة مما يتوجب حفر آبار مساعدة وبكلفة حفر آبار سنوية تزيد عن 30 مليار دولار.
أليس من المحزن أن يكون بلدٌ بهذه الإمكانيات يصطف في طوابير لطلب القروض من صندوق النقد الدولي ؟ أفضل ما تمّ تعبيره عن وضع العراق الحالي جاء بعد الاحتلال الأمريكي على لسان أحد العراقيين كما اقتبسته مجلة أمريكية أسبوعية حينما قال : “لدينا نهران كبيران وليس لدينا ما نشربه ونعيش فوق بحر من النفط وليس لدينا وقود لسياراتنا ” . فكيف ومن أوصل العراق ووطننا العربي إلى مثل هذا الحال الرديء؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/29