فصل الموظف الحكومي والأمانة
سطام المقرن
لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، وإثبات ذلك في القرار الصادر بالعقاب
تداول مغردون في موقع التواصل الاجتماعي « تويتر» خبر فصل موظف حكومي لأنه أبلغ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» عن قضايا فساد ومخالفات في أمانة المدينة المنورة، حيث أفاد الموظف بأن قرار فصله من العمل هدفه التشفي والانتقام، حيث لم يتم إجراء أي تحقيق معه أو حتى إنذاره!.
وقد ردت أمانة المدينة المنورة على ذلك الخبر بالقول إن «طي قيد الموظف المذكور وثلاثة آخرين كان نتيجة غيابهم لأكثر من ثلاثين يوماً بدون عذر بعد استيفاء كل الإجراءات اللازمة للتحقيق التي تضمن لهم العدالة»، كما صرّحت نزاهة على حسابها في «تويتر» بأنها تعمل على «حماية المبلغين، وتحافظ على سرية بياناتهم»!.
التصريحات السابقة لكل من الأمانة ونزاهة لم تكن موفقة في الحقيقة، بل زادت القضية غموضاً أكثر، وأدت إلى وجود انطباع عام لدى الناس يتمثل في أن من يحاول كشف الفساد فإن مصيره الفصل من الخدمة والانتقام، ومثل هذا الانطباع يؤدي إلى ضعف الثقة في جهود مكافحة الفساد، وكذلك في مصداقية الأجهزة الحكومية عموماً، كما أن هذه القضية تثير العديد من القضايا والتساؤلات التي تتعلق بأداء الجهات الحكومية والرقابة عليها ومحاسبتها.
فالأمانة على سبيل المثال استندت إلى المادة العاشرة الفقرة (2) من لائحة انتهاء الخدمة الصادرة عن وزارة الخدمة المدنية، والتي تنص على أنه «يجوز للإدارة أن تنهي خدمة الموظف .. إذا انقطع عن عمله دون عذر مشروع خلال خمسة عشر يوماً متصلة أو ثلاثين يوماً متفرقة خلال السنة السابقة لإصدار القرار»، والفصل هنا جوازي وغير وجوبي، وقد اشترط لكي لا يحصل الفصل الجوازي أن يقوم الموظف المتغيب بإبلاغ جهة عمله عن سبب غيابه خلال مدة الخمسة عشر يوما المشار إليها، كما أن تعليمات وزارة الخدمة المدنية تؤكد على أنه يجب على الجهة الحكومية إنذار الموظف كتابةً، يرسل إلى عنوانه الثابت في ملفه للاستفسار عن سبب انقطاعه عن العمل وضرورة عودته إلى العمل، وأنها ستقوم في حالة عدم إبداء أسباب تقبلها خلال خمسة عشر يوماً باتخاذ الإجراءات النظامية في حقه.
وبناءً على ما سبق، فإن السؤال المطروح هنا: هل أرسلت أمانة المدينة المنورة إنذاراً كتابياً إلى الموظف قبل إصدارها قرار الفصل؟ فإذا كانت الإجابة: نعم .. فلماذا لم تذكر الأمانة هذا الأمر في ردها على الخبر المنشور حول هذه القضية؟، أما إذا كانت الإجابة بالنفي .. فإن الأمانة في هذه الحالة قد أخلت بضمانة جوهرية لحقوق الموظف، مما يعني بطلان القرار، وليس هذا وحسب، بل يعتبر القرار قراراً تعسفياً، كما يستلزم الأمر أيضاً وجود توضيح من قبل وزارة الخدمة المدنية حول هذه القضية.
كما أن الأمانة ذكرت في تصريحها السابق أنه تم إجراء التحقيق اللازم مع الموظف المفصول، وإجراء التحقيق يعني وجود تهمة تستلزم وجود عقوبة إدارية، وبالتالي يكون قرار الفصل عقوبة وليس فصلا جوازيا بسبب الغياب، وهذا ليس من صلاحيات الأمانة، حيث نصت المادة (35) من نظام تأديب الموظفين على أنه «يجوز للوزير المختص أن يوقع العقوبات المنصوص عليها في المادة (32) عدا الفصل .. ولا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، وإثبات ذلك في القرار الصادر بالعقاب أو في محضر مرفق به»، وعليه يكون قرار الفصل باطلا من أساسه، وهنا يجب تدخل هيئة الرقابة والتحقيق في هذه القضية.
أما فيما يتعلق بتصريح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، فهي لم توضح القوانين والأنظمة التي تهدف إلى حماية وسلامة المبلغين والشهود، وكل من شارك في عمل من أعمال مكافحة الفساد، من أي اعتداءات أو تهديدات أو إيذاء مادي أو معنوي قد يطالهم أو يطال ذويهم وأقاربهم، بالإضافة إلى عدم توضيح كيفية التعامل مع أي شخص مهما كان موقعه الوظيفي قام بالتسبب في إلحاق الضرر أو توجيه تهديدات لأي شخص قام بالإبلاغ عن حالات فساد حتى وإن كانت حالات اشتباه.
بالإضافة إلى ما سبق، لم تتطرق «نزاهة» إلى طبيعة القضايا المرفوعة من قبل موظف الأمانة، وإلى النتائج التي تم التوصل إليها بخصوص هذه القضايا، وخاصةً أنه تم كشفها أمام الرأي العام، ومن مبدأ الشفافية كان لزاماً على «نزاهة» الكشف عن هذه القضايا والإجراءات التي تم اتخاذها.
نحن في الحقيقة أمام عدة قضايا تتعلق بالعمل الحكومي ككل، وليست مجرّد قضية فصل موظف حكومي عادي تغيب عن العمل، وللأسف كانت تصريحات الجهات الحكومية المختصة غير كافية حول هذه القضية، فهل كان قرار الفصل سليما من الناحية القانونية والنظامية؟ وبالتالي كان قرار الأمانة يهدف إلى القضاء على تسيب وإهمال الموظفين، فكانت الأمانة سبّاقة إلى تطبيق المساءلة ومحاسبة المقصرين، أم أن القرار بالفعل كان لمجرّد الانتقام من الموظف بسبب إبلاغه عن قضايا الفساد؟ وبالتالي يكون قرار الفصل قراراً تعسفياً ظالماً، وهذا يعني التعدي على حقوق الموظفين وانتشار الفساد، مما يعتبر ذلك جريمة جنائية يحاسب عليها القانون؟.
وأخيراً ماذا عن الشفافية والمصداقية في الجهات الحكومية؟ وماذا عن جهود مكافحة الفساد فيها؟ .. هذا هو المطلوب الإفصاح والتصريح عنه وكشفه أمام الرأي العام، وإلا فإن الخوف من فضح الفساد سيكون المسيطر على الناس في النهاية.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/08/29