معركة القلمون.. حزب الله من جديد ضمن دائرة الاستهدف!؟
هشام الهبيشان
مما لا شكّ فيه أنّ حزب الله كان يدرك حجم الانتقادات والتهم التي سوف تنهال عليه من كلّ حدب وصوب عندما اتخذ قراره بالتدخل المباشر في معارك القلمون الأخيرة السورية، ومع كلّ هذا وذاك كانت للحزب حساباته السياسية والجغرافية والأمنية والأخلاقية التي يؤمن بها ويراها أكبر من كلّ الانتقادات التي وجهت إليه، لأنّ الحزب استشعر، كغيره، حجم الخطورة التي ستفرزها الأيام المقبلة على كلّ من سورية ولبنان، في حال بقاء هذه المجموعات المسلحة الإرهابية تتحرك في شكل علني على جانبي الحدود السورية اللبنانية.
اليوم وبعد الكمّ الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري في القلمون، بدعم من المقاومة، من الطبيعي تنشأ حالة من الهستيريا والجنون لدى الكثير من قوى التيار الآخر المعادي للدولة السورية ولقوىالمقاومة في المنطقة، فقد قرروا بعد الانتكاسات المتلاحقة التي لحقت بهم في القلمون والهزائم في الميدان العسكري وجملة انتصارات الدولة السورية في الميدان العسكري والسياسي، في لحظة يأس أن يصبّوا جام غضبهم على حزب الله، وبذلك وجد الحزب نفسه من جديد ضمن معادلة مركبة الأهداف والعناوين، فهو اليوم مستهدف داخلياً وخارجياً.
من هنا، وفي هذه المرحلة المفصلية التي تعيشها المنطقة، وفي ظلّ هذه الهجمة الشرسة من قبل بعض الكيانات الوظيفية في المنطقة، بدعم من مشغليها الغربيين، على قوى المقاومة، بات واضحاً ومن دون أدنى شك أنّ هناك قوى داخلية في لبنان وخارجه تسعى إلى ضرب حزب الله، بمساعدة إقليمية ـ دولية، في محاولة للوصول إلى قرار إقليمي ـ دولي يسعى إلى ضرب منظومة الحزب واستغلال الوضع اللبناني الداخلي وما يحمله من أزمات متراكمة وملفات معقدة سهلة الحلّ، إن وجد قرار وطني لبناني حر، ولكن لكثرة وتعدّد المرجعيات الإقليمية والدولية نرى اليوم هذه الملفات تتحول تدريجياً إلى أزمات قد تعصف بالدولة اللبنانية في أي وقت، وفي الاتجاه نفسه تدعي هذه القوى الداخلية اللبنانية والخارجية إقليمياً ودولياً أنّ مشاركة الحزب في معارك القلمون مؤخراً هي سبب عدم استقرار الوضع الداخلي اللبناني.
اليوم من الواضح أنّ هناك بعض القوى اللبنانية، وبدعم من بعض القوى الإقليمية والدولية كانت تسعى إلى شرعنة وجود المجموعات المسلحة الإرهابية على جانبي الحدود السورية ـ اللبنانية، والدليل هنا أنّ سلسلة الأحداث في بلدة عرسال اللبنانية تمت شرعنتها وأصبح الإرهاب العابر للقارات والمحيطات والدول إرهاباً شرعياً، بل أصبح وجوده ضرورة عند بعض الأطراف في لبنان، كأداة ضغط على حزب الله وقوى المقاومة لجلبها إلى ميزان التسويات في المنطقة.
ومن الطبيعي الآن أن نجد حزب الله يتعرض إلى هجمة سياسية شرسة، وما يتبعها من التحريض عليه شعبياً في شكل غير مسبوق، واتهامه بأنه يريد جر لبنان إلى دائرة النار الإقليمية، محملين إياه مسؤولية ما يجري وسيجري وتداعيات وتأثيرات معارك القلمون على لبنان.
يعرف حزب الله، بدوره، مسار هذه المؤامرة الكبرى التي تستهدفه داخلياً وإقليمياً ودولياً، فالمناخ العام للقوى المعادية له بدأ يشير بوضوح إلى أنّ حزب الله بات هدفاً لهذه القوى، وهنا حاول الحزب، قدر الإمكان، تقديم مبرّرات ومعادلات الأمن الذاتي والمبادئ الأخلاقية والحسابات المستقبلية لتوسع نفوذ وقواعد الجماعات الإرهابية التي نشرت قواعدها بالقرب من الحدود اللبنانية ـ السورية، كسبب منطقي لدخوله بقوة إلى ساحة المعركة في القلمون. وفعلاً اتضح، مع مرور الوقت، أنّ الحزب كان محقاً في طرح مبرراته تلك وقد كانت كلّ المخاوف الموجودة عند الحزب محقة، فالجماعات الإرهابية أصبحت لها قواعد داخل الجغرافيا اللبنانية في شكل واضح لا يقبل التشكيك، وهنا قدم الحزب كلّ المبرارت لهذا التدخل، مؤكداً أنّ هدفه الدفاع عن الحدود اللبنانية وعن الأمن الوطني وهذا ما حصل فعلاً بعد الاقتراب مرحلياً من حسم معركة القلمون.
إنّ تدخل الحزب في معارك القلمون لا يخرجه عن خطه السياسي والنضالي كحركة مقاومة مسلحة وطنية لبنانية، وقد استطاع أن يبرّر دفاعه ووقوفه إلى جانب الدولة السورية ضمن مفهوم العلاقة الإستراتيجية والأمنية بينهما نظراً إلى ما تمثله الدولة السورية تاريخياً من حماية لظهر المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والعراقية سابقاً.
وفق هذه المبادئ، سار الحزب في الطريق الذي يراه منسجماً مع مواقفه ومبادئه السياسية والأخلاقية، فاليوم وبعد حسم الجيش العربي السوري بإسناد حزب الله وقوى المقاومة الأخرى مجموعة من الأهداف الإستراتيجية في القلمون، أعادت هذه الانتصارات في الميدان العسكري السوري خلط الأوراق على الأرض السورية، وهذا يعني كسراً مرحلياً لكلّ رهانات مشروع إسقاط سورية عسكرياً.
وبالعودة إلى إسقاطات ونتائج معارك القلمون على داخل لبنان، يبدو المشهد اليوم ضبابياً في الداخل اللبناني، فالقوى اللبنانية على تعدّد توجهاتها ومرجعياتها تتحدث عن واقع جديد ومفهوم جديد للحرب على سورية بعد حسم معركة «القلمون» المجاورة للحدود اللبنانية والتي كان مسار حسمها بمثابة القشة التي كسرت ظهر الجماعات الإرهابية، والمدعومة من بعض الكيانات الوظيفية الطارئة على المنطقة.
ختاماً، فإنّ الحسم العسكري السريع لمعارك القلمون، ستكون له تداعيات على عموم ملفات المنطقة، وخصوصاً على ملفات الداخل اللبناني ، وما وراء الكواليس هناك تكهنات بل يمكن القول أنها تأكيدات حول تطورات دراماتيكية سيعيشها لبنان، كجزء من حالة الاستقطاب في المنطقة والتي ستتأثر إلى حدّ ما بمسار حسم معركة القلمون.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/01