المجتمع الدولي يحبط أول خطوة لترامب في شن الحرب على إيران
صالح السيد باقر
تجاهلت أغلب وسائل الإعلام العالمية الضربة الموجعة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس الخميس لمساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تأليب العالم ضد إيران، وبذلك فأن الوكالة أحبطت أول خطوة قامت بها إدارة ترامب من اجل الاستعداد لشن الحرب ضد إيران.
فغير خاف على أحد أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تشكيل جبهة عالمية ضد إيران وقد أعلن بشكل صريح في حملته الانتخابية بأنه يريد إلغاء الاتفاق النووي، وبعد فوزه في الانتخابات أعلن أن الاتفاق لا يخدم بلاده ولا يحقق أية مكاسب لها، ومع أنه قام بتمديد العقوبات ضد إيران، إلا أنه لم يكن بوسع إدارته إلغاء الاتفاق أو القيام بالسيناريو الثاني وهو إعادة إجراء المفاوضات بشأنه، من دون وجود دعم وتأييد دولي، وكذلك من دون وجود غطاء قانوني ورسمي لهذه الخطوة.
وقد قامت الإدارة الأميركية أول خطوة عملية في إطار بلورة تحالف دولي ضد إيران والتمهيد لشن الحرب عليها، يوم الأربعاء قبل الماضي عندما زارت مندوبة الولايات المتحدة الدائمية في الأمم المتحدة نيكي هايلي الوكالة الدولة للطاقة الذرية في فيينا والتقت المدير العام للوكالة يوكيا أمانو، وبعد الزيارة واللقاء أعلنت هايلي بأن الهدف من اللقاء هو معرفة ما إذا كانت إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، وأن واشنطن مستعدة لتقديم أية مساعدة تحتاجها الوكالة.
وأي مراقب سياسي يدرك أن هايلي لا تتحدث بصدق، إذ كان بإمكانها أن تنتظر يوم الخميس ليصدر تقرير الوكالة بشأن الاتفاق النووي وتعرف حينها أن إيران ملتزمة بالاتفاق أو غير ملتزمة به، كما يمكنها أن تعلن من الولايات المتحدة استعداد بلادها لتقديم أية مساعدة للوكالة، وبالتالي ليست هناك حاجة لتتجشم عناء السفر لفيينا لتتحدث عن هذين الموضوعين.
هذه الحقيقة تنبئ بأن هايلي زارت فيينا والتقت بأمانو من أجل تحقيق غايات أخرى، الأمر الذي تناولته بعض وسائل الإعلام والسياسيين وخاصة السياسيين الإيرانيين، حيث أكدوا أنها ذهبت لفيينا من أجل التأثير على تقرير الوكالة، وإدخال فقرة أن إيران غير متعاونة وغير ملتزمة بالاتفاق النووي في التقرير.
ما يدعونا إلى التشكيك بنوايا الولايات المتحدة وتحركاتها وسعيها الى تشكيل تحالف دولي ضد إيران ومن ثم إرغامها على الرضوخ والاستسلام لمطالبها أو شن الحرب ضدها، هو السعي لمعرفة أسرار القدرات العسكرية الإيرانية وخاصة قدراتها الصاروخية، فكما قلنا في مقالات سابقة، أن الولايات المتحدة لن تغامر حتى بتوجيه ضربة لإيران أن لم تعرف قدرتها على الرد، لذلك فأن هايلي عندما تطلب من أمانو تفتيش المواقع والمنشآت العسكرية الإيرانية فأنها لا تريد بذلك معرفة ما إذا كانت خرقت الاتفاق النووي أو لا (كما هو معلن) وإنما تريد معرفة قدرات إيران ومواقعها العسكرية.
التقرير الذي أصدرته الوكالة خيب آمال هايلي، غير أن السؤال المطروح هو، هل ستتوقف الولايات المتحدة عند هذا الحد ولن تكرر المحاولة؟
بالتأكيد أن الإدارة الأميركية ستحاول مرة أخرى وثالثة ورابعة، لأن أثارة التوتر والتصعيد بل وشن الحرب حاجة أميركية، سنتطرق لأسبابها وغاياتها في المستقبل، ولكن من المؤكد أن موقف طهران وردود فعلها يلعب دورا مهما في إحباط المساعي الأميركية، فيا ترى كيف ستتصدى الحكومة الإيرانية لهذه المحاولات وتحبطها؟
يمكن معرفة السياسة التي تنتهجها الحكومة الإيرانية الحالية تجاه المساعي الأميركية، ولكن لا يمكن التنبؤ بسياسات الحكومات القادمة لأنه في الأساس لا يمكن التنبؤ بطبيعة الحكومات القادمة وتوجهاتها السياسية والتيار الذي تنتمي إليه، ولكن ما يتعلق بالحكومة الحالية فيمكن القول أنها ستبذل كل مافي وسعها لعرقلة أي تبلور لتحالف دولي ضد إيران سواء من خلال توطيد العلاقات أو إبرام عقود اقتصادية كبيرة أو عدم القيام بما يمكن أن تستخدمه الولايات المتحدة ذريعة ضد إيران مما يؤدي إلى إحراج الموقف الأوروبي.
حتى الآن أبدى المجتمع الدولي تعاونه في إنجاح الاتفاق النووي وبالإضافة إلى الزيارات والاتفاقيات التي تشير إلى أن هذا المجتمع تجاوز مرحلة الحظر وانه يتعامل بواقعية مع المرحلة الجديدة فقد صدرت مواقف مشجعة في هذا الإطار، ولعل التصريحات أتي أدلت بها فدريكا موغيريني رئيسة السياسة الخارجية الأوروبية مؤخرا تأتي في مقدمة هذه المواقف حيث أعلنت أن الاتفاق النووي ليس اتفاقا ثنائيا لتستطيع دولة ما إلغاءه وإنما اتفاق دولي، وأن الاتحاد الدولي سيبقى متمسكا به.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/03