الإعلام كساحة حرب – استخلاصات واعترافات إسرائيلية
نواف الزرو
أحد عشر عاما انقضت على الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان وحزب الله -التي صادفت قبل أيام-، ومؤسسة الكيان في حالة ارتبك وقلق متزايد من نتائجها، فلم يحدث في تاريخ “إسرائيل” أن أجمعت كافة المؤسسات السياسية والعسكرية-الأمنية-الإستخبارية والأكاديمية والإعلامية الإسرائيلية، على الاعتراف بهزيمة ذلك الكيان عسكريا وإعلاميا وإستخباريا ومعنويا، كما أجمعت وتجمع على هزيمته أمام حزب الله، وأمام السيد نصرالله، كما لم تجمع على أن أي طرف عربي حقق توازن الردع معها، كما تجمع على أن حزب الله هو الذي حقق ويحقق الردع مع ذلك الكيان ومع “الجيش الذي لا يقهر”، بل أن ذلك الجيش قد هزم وتمرغ انفه وردعه وهيبته في المستنقع اللبناني، والإجماع السياسي الإسرائيلي على الهزيمة بات مسلما به، كما لم تجمع على ان اي طرف-جيش عربي شكل أو يشكل تهديدا استراتيجيا على الكيان، كما تجمع اليوم على أن حزب الله يشكل مثل هذا التهديد، وعلى “أن نتائج تلك الحرب على لبنان- في الحاصل -تحتاج إلى لجنة تحقيق تتألف من مؤرخين كما وثق المؤرخ المعروف توم سيغف”.
وكان للحرب الإعلامية المعنوية دورها الكبير والمؤثر في مجريات ونتائج تلك الحرب العدوانية الشاملة، فإن كان نحمان شاي الخبير الإعلامي الإسرائيلي المعروف قد صرح في بداية انتفاضة الأقصى على سبيل المثال قائلا:” أن الإعلام ذاته هو ساحة الحرب، وهو وسيلة غير عادية، وإسرائيل تدير أمورها اليوم عبر ثلاث وسائل : الجهد العسكري ، والسياسي ، والإعلامي/ صحيفة معاريف 20/10/2000″، فإن هذه القاعدة/الإستراتيجية كانت حاضرة في عدوان/2006 بقوة، ولكن على نحو مقلوب تماما، فكان الجهد العسكري لحزب الله الأكثر تفوقا وسيطرة برغم الآلة الحربية الإسرائيلية الضخمة، وكان الجهد السياسي والإعلامي لحزب الله، وللسيد نصرالله أيضا الأكثر تفوقا وسيطرة وحسما.
وفي المواجهة الحربية الإعلامية النفسية بين الجانبين يعترف رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ والإعلام في “جامعة أرييل” شمال الضفة الغربية، والباحث في مجالات حرب المعلومات، الدكتور رون شلايفر، قائلا ” بفضل نصر الله فهمنا أنّ الحرب النفسيّة مهمة، وأنّ حرب القذائف والغارات ليست هي حصرًا ما يحسم المعركة- عن موقع (WALLA) العبريّ”.
ولكن اللجان والدراسات والتحليلات الإسرائيلية على كثرتها وتواصلها على مدى أحد عشر عاما، لم تتوقف عن تكريس حقيقة كبيرة في الوعي الجمعي الإسرائيلي وهي أن السيد كان قائد وموجه الحرب والأكثر مصداقية وتأثيرا، ما أكده تقرير استخباراتي عسكري ثبت:”أن السيد نصر الله هو أول “زعيم عربي” يكون لخطبه تأثير على الرأي العام الإسرائيلي منذ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي”. الأمر الذي أجبر بالتالي القيادات الإسرائيلية على الذهاب إلى تشكيل طاقم تحقيق مؤلف من خمسة عشر-15- خبيرا ما بين محلل استخباراتي ومستشرق وعالم نفس لتحليل شخصية نصر الله، و”إعداد بروفيل متجدد له-عن يديعوت احرونوت”.
ولم يعد سرا اليوم، أن المؤسسة العسكرية الأمنية السياسية الإسرائيلية تجمع منذ ذلك الوقت على أن”إسرائيل” لا يمكنها أن تتعايش مع حزب الله مدججا بالعقيدة والإرادة والقيادة الفذة والإستراتيجية والتدريب والتنظيم الفولاذي، كما لا يمكنها أن تتعايش على نحو حصري مع ذلك المخزون الصاروخي الهائل بحوزته الذي يطال كافة المدن والأهداف الإسرائيلية على امتداد مساحة فلسطين…والاهم من كل ذلك أنها لا يمكنها أن تتعايش مع قائد كبير فذ صادق تفوق شعبيته ومصداقيته شعبية ومصداقية أي زعيم عربي أو حتى أممي على الإطلاق…!
ولذلك غدت “إسرائيل” بكاملها -مؤسسات عسكرية أمنية إستخبارية سياسية أكاديمية بحثية وإعلامية، إضافة إلى الرأي العام الإسرائيلي- في حالة ارتباك وحيرة: ماذا تفعل مع هذا التهديد المتصاعد…؟، وباتت تتابع متابعة حثيثة تحركات وخطابات ورسائل السيد نصرالله ببالغ الاهتمام والترقب والتحسب، فهو يفعل ما يقول، ويقرن الأقوال بالأفعال على نحو يثير ذهولهم على مختلف انتماءاتهم ووظائفهم وأدوارهم، لدرجة أن الإسرائيليين ينتظرون منذ ذلك الوقت وعلى مدى السنوات الماضية خطاباته بفارغ الصبر ويعتبرونها بوصلة لهم لما هوآت…!.
بل أن خطابات نصر الله أصبحت تُدرّس بالجامعات الإسرائيليّة كأوّل زعيم عربيّ يُهدد بضرب مفاعل ديمونا –معاريف العبرية-2017-7-3 -.
وما زال نصر الله…وحزب الله، موضع بحث ودراسة لدى كبار صنّاع القرار في الدولة الصهيونية، وفي مراكز الأبحاث الصهيونية، التي تُحاول سبر أغوار هذه الظاهرة التي ما زالت تقض مضاجعهم، قيادةً وشعبا، فقد كان نصر الله وما زال من وجهة نظرهم نصف الأعلام، ونصف الحرب النفسية، بالكلمات والعبارات التي حرص على انتقائها خلال إطلالاته الإعلامية.. ونصف المعركة على الأرض.
صحيفة رأي العام
أضيف بتاريخ :2017/09/03