تلعفر .. ما سر الانتصار السريع على “داعش”؟
عادل الجبوري
كانت مجمل القراءات والتوقعات تذهب إلى أن تحرير مدينة تلعفر من عصابات داعش الإرهابية يتطلب ما لايقل عن ثلاثة شهور، وهي فترة زمنية لاتعد طويلة وفق الحسابات العسكرية، وكانت مجمل القراءات والتوقعات تقول بأن عصابات داعش ستبدي مقاومة ومطاولة اكبر في معركة تلعفر، على اعتبار أن الأخيرة، تعد واحدة من أخر معاقل التنظيم الإرهابي في العراق، وأكثرها أهمية وحساسية، بسبب موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية.
ولعل تلك القراءات والتوقعات استندت على حقائق ومعطيات لم تكن بعيدة عن الواقع كثيرا، ومن بينها:
-إن معظم عناصر تنظيم داعش الذين نجوا من القتل خلال معارك تحرير الموصل، فروا باتجاه تلعفر، وتحصنوا فيها مع العناصر المتواجدة بالأساس هناك، ليشكلوا حائط صد عسكري قوي، أن لم يتمكن من الاحتفاظ بالمدينة، فعلى أقل التقادير يستطيع منع القوات العراقية من دخولها لعدة شهور.
-على عكس مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، تتميز تلعفر بجغرافيتها المفتوحة، فهي تقع شمال غرب محافظة نينوى، وتبعد مسافة تسعين كيلومترا عن الحدود العراقية-السورية، وستين كيلو مترا عن الحدود العراقية-التركية، ولايتجاوز عدد سكانها مائتين وخمسين ألف نسمة، أي أنه لاتوجد فيها كثافة سكانية كبيرة.
-بما أن غالبية سكانها من التركمان الشيعة، فأن البعض توقع أن يكون هناك بطئا من قبل القوات العراقية في إيقاع العمليات العسكرية في المدينة.
-التدخلات الأميركية والتركية، التي تسببت طيلة شهور عديدة بتعطيل وتأجيل انطلاق عمليات تحرير تلعفر، لم تنتهي ولم تتوقف، وبقيت واشنطن وأنقرة حتى أخر اللحظات قبل إعلان القائد العام للقوات المسلحة بدء عمليات تحرير المدينة، في العشرين من شهر أب-أغسطس الجاري، تحاولان وضع العصي في دواليب معركة التحرير.
-وجود تقاطعات سياسية حادة بين القوى السياسية التي تمثل المكونات المختلفة، قوميا وطائفيا ومناطقيا، وتباين أولوياتها، وتعدد أجنداتها، لاسيما أن واقع تلعفر لاينفصل عن واقع عام يشمل مدن ومناطق مختلفة، منها الموصل وكركوك وديالى.
ولمن يتأمل في الأجواء والمناخات التي سبقت انطلاق عمليات تحرير تلعفر، بما انطوت عليه من هواجس ومخاوف، يجد أنها لم تكن مختلفة عن الأجواء والمناخات التي سبقت انطلاق عمليات تحرير الجانب الأيمن للموصل في التاسع عشر من شهر شباط-فبراير الماضي، إذ أن بعضا من تلك الهواجس والمخاوف كانت مبررة، وبعضها الأخر، كان مبالغا فيه، وربما اندرج تحت عنوان الحرب النفسية، أو تحت عنوان التقييمات السطحية والمتسرعة للأمور.
بيد أن ما لم يقرأ بدقة، وما لم يتم التوقف عنده وأخذه بنظر الاعتبار هو أن بعض ذات الحقائق والمعطيات التي استندت إليها القراءات والتوقعات القائلة بتأخر اكتمال تحرير تلعفر لعدة شهور، كانت تحمل بين طياتها عوامل ومحركات التسريع، ومن هنا كانت مختلف الأوساط السياسية العراقية وغير العراقية المعنية والمتابعة لما يجري في المشهد العراقي، وخصوصا في جانبه المتعلق بالحرب ضد تنظيم داعش، كانت تلك الأوساط مبهورة ومندهشة من الإيقاع السريع جدا للانتصارات على الدواعش في تلعفر، وبدلا من ثلاثة شهور، بدا واضحا أن المهمة لاتحتاج أكثر من ثلاثة أسابيع ليس إلا.
وبدلا من أن يساهم الدواعش الهاربون من أيمن الموصل في رفع معنويات رفاقهم بتلعفر، وتحصين وتقوية جبهتم، فأنهم رفعوا مستوى الإحباط واليأس والقلق لديهم ، لاسيما بعد أن فرت اغلب العناصر الداعشية التي تحمل جنسيات أجنبية نحو سوريا وتركيا.
إلى جانب ذلك فأن الجغرافية المفتوحة للمدينة، ساعدت القوات العراقية، في توفير هامش كبير للمناورة، وتنويع جبهات الضغط، بأقل قدر من الخسائر والأضرار، سواء في صفوف تلك القوات أو في صفوف المدنيين، وإمساك الحدود من قبل قوات الحشد الشعبي، عبر تنسيق الحكومة العراقية مع الجانب السوري، ضيق الخناق كثيرا على الدواعش، وجعل أمر فرارهم صعبا للغاية، ناهيك عن مقاومتهم.
والنقطة الأخرى، تتمثل في أن حجم الضرر والأذى الذي خلفه تنظيم داعش الإرهابي على مختلف المكونات، جعلها تدرك أن استمرار بقائه يعني مزيدا من الضرر والأذى والخطر، وانه لابد من تشجيع ودفع الحكومة العراقية إلى القضاء على ذلك التنظيم بالكامل، وارتباطا بذلك، ليس غريبا أن نسمع الكثير من الأصوات المطالبة بالإسراع بتحرير قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك من الدواعش، وكذلك مدن تابعة لمحافظة الانبهار، مثل القائم وعانة وراوة.
وأما فيما يتعلق بالعراقيل الأميركية والتركية، فأن ما أفشلها هو قوة القرار العراقي، والدعم الإيراني، إذ كان للطائرات الإيرانية بدون طيار (drone) دورا كبيرا في ضرب الدواعش وتحطيم خطوطهم الدفاعية، بالتعاون والتنسيق مع سلاح الجو العراقي، مما سهل المهمة أمام قطعات الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي للإجهاز على فلول داعش خلال فترة زمنية قياسية.
واليوم حينما نرى مدينة تلعفر وقد تحررت من الدواعش، بعد ثلاثة أعوام وأكثر من شهرين على احتلالها (15 حزيران-يونيو 2014)، فأنه من الطبيعي جدا أن نؤشر على حقيقة، أن تنظيم داعش بات في خبر كان بالعراق، ولن يحتاج تحرير الحويجة وعانة والقائم وراوة إلى وقت طويل، مع بقاء خلايا نائمة هنا وهناك، يمكن أن تنفذ عمليات إرهابية في أوساط المدنيين، كما حصل مؤخرا في مدينة الصدر والشرطة الرابعة وأبو دشير، كردود فعل طبيعية ومتوقعة على الهزائم الساحقة والخسارات الفادحة في ميادين القتال، التي أفقدت داعش كل قواعده ومرتكزاته ومواطيء أقدامه الأساسية والمهمة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/05