هل ثمة علاقة بين “هارفي” “وإيرما” وتصاعد الأزمة الخليجية مجددا..
محمد النوباني
بعد تصريحات أمير دولة الكويت الأخيرة حول استجابة قطر للشروط الثلاثة عشر التي وضعتها الدول الأربع المحاصرة لقطر والاتصال الهاتفي الذي أجراه الأمير تميم آل ثاني حاكم قطر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ساد الاعتقاد في أوساط المتابعين للشأن الخليجي أن الأزمة المندلعة منذ قرابة الستة أشهر بين تلك الدول على خلفية اتهام قطر بدعم الإرهاب قد شارفت على النهاية.
وفجأة وبدون سابق إنذار عادت الأمور خلال سويعات إلى المربع الخلافي الأول وعادت معها الحملات الإعلامية المتبادلة لتهيمن على الأجواء مجددا إلى أن وصلت ذروتها بحملات الاعتقال الواسعة التي شنتها أجهزة الأمن السعودي ضد دعاة وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية دعوات أطلقوها لإصلاح ذات البين بين الأشقاء، وبالمشادة الكلامية العنيفة بين مندوبي دول الخلاف في دورة الجامعة العربية 148 التي انعقدت في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية العرب .
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هنا لماذا عادت الأمور إلى المربع الأول ؟ بعد أن كانت المؤشرات توحي بأن الأزمة في طريقها إلى الحل ولم يتبق سوى لقاء يجمع أطراف الخلاف لوضع قطار التسوية على سكة الحل .
اعتقد أن الجواب ليس صعبا ، ومفتاحه أن دولة كبرى هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بالقرارات السيادية لكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى من “ألفها إلى يائها” وتعتبر بأن حكامها موظفين معينين من قبل واشنطن لإدارة أملاك أمريكية أو خاضعة للتاج الأمريكي ، ارتأت فجأة بأن الوقت لم يحن بعد لطي صفحة الأزمة وإعادة الوضع بين أطرافها إلى طبيعته .
بمعنى أخر فالاعتقاد يساورني بأن الحسابات الأمريكية كانت قبيل تصريح أمير الكويت والاتصال الهاتفي بين أمير قطر وولي العهد السعودي قائمة على أساس وجود إمكانية لحل الأزمة الخليجية وافتعال أزمة جديدة مع إيران كوسيلة مجربة لسرقة الدول العربية.
وقد كان لافتا في هذا المجال إعلان السيناتور الجمهوري البارز ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين الأسبوع الماضي أنه “حان وقت تغيير النظام في إيران من أجل تحقيق تطلعات الشعب الإيراني منددا بتدخلات نظام طهران ودعمه للإرهاب في المنطقة على حد تعبيره منوها إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعمل مع الجميع في هذا الصدد” في إشارة إلى انتهاج إدارة ترامب أسلوبا جديدا في التعامل مع طهران لمنعها من إقامة ممر بري يمتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا .
وقد جاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من إعلان وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون ” التي أشار فيها إلى أن سياسة أمريكا تجاه إيران تركز على دعم القوى الداخلية من أجل إيجاد تغيير سلمي للسلطة في ذلك البلد ، مرحبا بمشروع العقوبات “غير النووية ” الذي فرضه الكونغرس على طهران بسبب ما اسماه استمرار دعمها للإرهاب وبرنامجها الصاروخي المثير للجدل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان على حد تعبيره .
ولكن لهجة التصعيد الأمريكي إزاء إيران ما لبثت أن خفتت بشكل ملحوظ لأن من أطلقوها أدركوا أن لاجدوى منها لكون إيران باتت بحكم قوتها العسكرية وتحديدا في مجال صواريخها الباليستية عصية على الكسر من ناحية ولأن المحور التي باتت إيران جزءا منه والذي يضم روسيا وسوريا والمقاومات اللبنانية والعراقية واليمنية بات يشكل عقبة كأداة أمام إمكانية إسقاط النظام الإيراني من الخارج بالقوة العسكرية من ناحية أخرى .
ولذلك فقد تراجع الأمريكيون عن إعطاء الضوء الأخضر لحل الأزمة وآثروا كما تشير كافة الدلائل وآثروا إبقائها دونما حل إلى أجل غير مسمى ، لأن ذلك أسهل بالنسبة لهم من افتعال أزمة مع إيران يعرفون مسبقا بأنهم سوف يخرجون منها خاسرين وقد تؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة بحرب شاملة تحرق بلهيبها المنطقة بأسرها
بكلمات أكثر دقة فأن ثمة قناعة توصل إليها صناع القرار في واشنطن بأن إدارة أزمة مع إيران ، على غرار الأزمة التي أداروها بين قطر والدول الأربع المحاصرة لها لن تكون مسالة سهلة بل محفوفة بالمخاطر لذلك فقد أوقفوا خطوات التقارب التي تمت بين قطر ودول الحصار وافشلوا وساطة أمير الكويت .
وإفشال هذه الوساطة وعودة الأزمة الخليجية إلى المربع الأول تعني استمرار عملية الحلب المالي التي ابتدأها ترامب لدول الخليج بعودته من زيارة الرياض بمبلغ 380 مليار دولار ، وصفقة ال12مليار دولار مع قطر ، وأخيرا وليس آخرا صفقة ال 3,8 مليار دولار مع البحرين التي أعلن عنها في التاسع من أيلول الحالي والتي تشمل طائرات إف 16 وصواريخ وزورقين وتحديث طائرات ، والحبل على الجرار ، ناهيك عن الصفقة التي أعلن عنها ترامب مع الكويت في السابع من آب – أغسطس الماضي لتزويد الإمارة بطائرات حربية بقيمة 5 مليارات دولار
ولكن الأخطر من كل ذلك أن الإدارة الأمريكية بدأت على ما يبدو تفكر بتدفيع السعودية ودول الخليج تكلفة الخسائر التي مني بها الاقتصاد الأمريكي جراء إعصاري “هارفي ” و”إيرما” بدليل الاتصال الهاتفي الذي أجراه دونالد ترامب مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في التاسع والعشرين من آب أغسطس المنصرم والذي دار الحديث فيه عن خسائر إعصار هارفي ، حيث قدم الملك سلمان التعازي في ضحايا الإعصار وأبدى استعداده للمساهمة في مساعدة أمريكا لتجاوز ما دمره .
ومن البديهي هنا أن المقصود بالمساعدة السعودية ليس إرسال مواد إغاثية أو طبية وخيم وبطانيات وما شاكل لأن أمريكا ليست بحاجة إلى هكذا نوع من المساعدات بل بحاجة إلى مبالغ نقدية تدفع للمتضررين لكون غالبية تلك الخسائر لن تدفعها شركات التامين لأن تامين القطاع الخاص ضد السيول في أمريكا محدود حسبما ذكرت شركة “ار. ام. اكس.” المتخصصة في تقييم المخاطر .
وفي الخلاصة فأن ما يحدث اليوم هو نقلة نوعية في سياسة الابتزاز المالية التي تمارسها واشنطن في التعامل مع بلدان الخليج لأن فيها توسيع لدائرة الدفع لكي تشمل الكوارث الطبيعية في أمريكا ، والأمر ليس بحاجة إلى مزيد من الشرح .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/15