رغم مناورتها العسكرية غير المسبوقة هل بمقدور إسرائيل شن حرب ضد حزب الله وسوريا وإيران؟!
محمد النوباني
حاولت إسرائيل من خلال المناورة العسكرية الأضخم ، منذ 19 عاما ، التي أجرتها قواتها على الحدود مع لبنان وسوريا لمدة 11 يوما ابتداء من الخامس من أيلول سبتمبر الجاري الإيحاء أن بمقدورها تحقيق انتصار واضح في أي حرب قادمة مع حزب الله .
ولا أريد في هذه العجالة أن أتحدث عن الضجيج الإعلامي الإسرائيلي الواسع الذي واكب هذه المناورة والكشف غير المسبوق عن بعض الوحدات العسكرية التي شاركت فيها ، وماذا كانت تحاكي وغير ذلك من التفاصيل ، بقدر ما أريد تسليط الأضواء على الهدف الحقيقي غير المعلن لتوقيت هذه المناورة ، والمسالة الأهم من ذلك وهي هل بمقدور إسرائيل المبادرة بشن حرب لن يقتصر ميدانها هذه المرة على لبنان بقدر ما ستشمل سوريا وإيران والعراق وربما اليمن أي ضد محور المقاومة بأسره ؟!
بداية لا بد من الإشارة إلى أن تزامن تلك المناورة مع الانتصارات الضخمة التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في معسكر المقاومة على امتداد الجغرافية السورية وآخرها الانتصار الاستراتيجي في دير الزور يشي بان طابعها ردعي سواء أعلن الإسرائيليون عن ذلك أم لم يعلنوا .
ولكي نفهم معنى ذلك فان إسرائيل عودتنا في زمن تفوقها الاستراتيجي النوعي على العرب قبل أن تجبر على الانسحاب من لبنان تحت ضربات المقاومة اللبنانية عام 2000 ، وهزيمتها في حرب 2006 وعجزها في ثلاث حروب متواصلة عن تصفية المقاومة الفلسطينية في غزة 2009-2012-2014 ، على ترك التصريحات العنترية للعرب فيما كانت هي تعمل بصمت على تحقيق أهدافها التوسعية دونما خشية من احد على أساس نظرية الأمن التي صاغتها منذ إنشائها عام 1948 والقائمة على أساس الحرب الخاطفة والحرب خارج حدودها بما يبقى العمق الإسرائيلي أو ما يسمى بالجبهة الداخلية بمنأى عن أية أخطار .
وغني عن القول بان هذه النظرية بدأت بالسقوط في عام 1991 عندما قام الرئيس الراحل صدام حسين بقصف إسرائيل بأكثر من 40 صاروخ سكاد معدل ، وسقطت أكثر فأكثر في حرب 2006 مع حزب الله ، وفي الحروب الثلاثة التي خاضتها مع غزة .
وعلى ضوء تعاظم قوة حزب الله والحديث عن امتلاكه لأكثر من 150 ألف صاروخ ، الكثير منها متطور ودقيق الإصابة وذو اثر تدميري كبير والخبرة الكبيرة التي اكتسبها مقاتلوا في سوريا وتحوله إلى قوة عسكرية ثانية في الشرق الأوسط ، مضافا إليها الصواريخ الإيرانية والسورية ناهيك عن استعداد مئات آلاف المقاتلين من العراق وأفغانستان وباكستان ، للاشتراك في أي حرب قادمة مع إسرائيل ، على ضوء كل ذلك فان سيناريو الحرب الاستباقية الإسرائيلية لتغيير المعادلة الإستراتيجية لمصلحة إسرائيل يبدو مرعبا ولا قبل لإسرائيل على تحمل نتائجه الكارثية والوجودية .
ولكي نوضح معنى مانقول ، لا بد من الإشارة إلى أن المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي ، ليس مجتمعا عاديا متماسكا ، بمقدوره تحمل نتائج حرب حقيقية مدمرة تؤدي إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة ، وهجرة واسعة طلبا للامان من منطقة إلى أخرى في عمق لا تتعدى مساحته الإجمالية مع الضفة الغربية وقطاع غزة أكثر من 27 ألف كيلو متر مربع ، ومحاطا بأعداء من كل الاتجاهات .
بكلمات أكثر دقة فأن الحركة الصهيونية قبل أن تحول مشروعها الصهيوني إلى دولة أوحت ليهود العالم بأن هجرتهم إلى فلسطين ” أرض السمن والعسل ” ستوفر لهم ملاذا من الاضطهاد الذي تعرضوا له في أوروبا وواصلت تلك “البروباغندا ” بعد إنشائها بشتى الطرق والوسائل ، لاستجلاب أعداد متزايدة منهم من خلال الوعد بتوفير مستوى اقتصاديا مرتفعا وحالة أمنية مستقرة لإغرائهم بالهجرة وترك أوطانهم الأصلية.
ولذلك فأن أي حالة من عدم الاستقرار الأمني ، وتدني مستوى المعيشة ، في حالة الحروب والمواجهات الحقيقية . كما في الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أوقعت بإسرائيل خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة. كان منسوب الهجرة المضادة من إسرائيل إلى الخارج يرتفع
على ضوء هذه القراءة فأن إسرائيل ومهما علت نبرة تهديداتها لا تستطيع الذهاب إلى حرب شاملة في المنطقة مع معسكر المقاومة ، لأنها ببساطة لا تستطيع تحمل ثمن تكلفتها الباهظة من ناحية ، ولكون النتائج التي قد تترتب عليها ستطيح بالمشروع الصهيوني برمته.
ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى أن قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل ، الشاباك والموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان ” حذروا في الآونة الأخيرة من الإقدام على مغامرة من قبيل الهجوم على إيران وأكدوا بان النتائج سوف تكون وخيمة على دولة الاحتلال ، وشددوا على رفضهم المطلق لمغامرة من هذا النوع.
وقد كان النائب السابق لهيئة الأركان الإسرائيلية الجنرال “يائير غولان” أكثر وضوحا عندما قال في خطاب له في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط مؤخرا إن تل أبيب بحاجة إلى الولايات المتحدة من أجل تحقيق الانتصار على إيران مؤكدا أنه من الأفضل الاعتراف بذلك .
ومعنى الاعتراف الإسرائيلي باستحالة الانتصار على إيران وحاجتها للولايات المتحدة لتحقيق ذلك ، أن إسرائيل التي كانت تدعي بأنها متفوقة نوعيا على كل جيوش المنطقة وباستطاعتها تحقيق الانتصار عليها في أي حرب تخوضها معها لم تعد كذلك وهي بالتالي باتت بحاجة إلى حماية من قبل من زرعها في هذه المنطقة لكي تضمن بقاءها .
بمعنى آخر فأنها لم تعد الشرطي القادر على حماية المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة وبدأت تفقد دورها الوظيفي التي أنشأت من أجل القيام به وباتت بحاجة إلى من يحميها بعد أن كانت تتبجح بأنها تحمي مصالح الامبريالية العالمية كلها .
على هذا الضوء فأن احتمالات الحرب في الشرق الأوسط هي تماما مثل احتمالات الحرب في شبه الجزيرة الكورية لا تزيد عن الصفر في المئة لأن ميزان الردع والرعب بات هو المسيطر على سماء المنطقة .
وأكثر من ذلك فأن الحديث بلغة موازين القوى المستجدة في المنطقة يسمح لنا بالقول بأن ملفات المنطقة باتت في أيدي روسيا الاتحادية وليس الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي فأن المنطقة على الأرجح باتت مقبلة على مرحلة تسويات جديدة على أسس جديدة غير التي عهدناها أيام الانفراد والتحكم الأمريكي بهذه الملفات .
فقضية المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية المحتلة وكذلك من مزارع شبعا وتلال كفار شوبا ، باتت مسالة واقعية يمكن تجسيدها على الأرض وتحويلها إلى واقع في حين أن ملف تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بات هو الأخر بيد الكريملين ، وإلا فإن الحرب ستكون هي خيار الطرف الأخر والأيام دول .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/19