المصلحة السعودية في انفصال كردستان
علي مراد
كثيرة هي الدول التي أعلنت رفضها انفصال إقليم كردستان في العراق، لكن ليس كل إعلان في هذا الصدد صادقاً. السعودية، مثلاً، أعلنت قبيل «الاستفتاء» أنها لا توافق عليه، لكن علامات رضاها وتأييدها للانفصال بادية بوضوح عبر وسائل إعلامها وتغطيتها للحدث والتصريحات بالفم الملآن عن «كردستان الكبرى». للرياض مصلحة في انفصال كردستان تتخطى التوجّه الأميركي العام في المنطقة، وهي تصبّ في «خطوط النفط»
الرياض العائدة حديثاً إلى بغداد بعد علاقة متوترة مع جارها الشمالي، تبدو في وضع مريح، وقد انتقلت من مرحلة الحروب الخشنة إلى أخرى ناعمة. بعد زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في شباط الماضي لبغداد وإعلانه نية بلده فتح صفحة جديدة في العلاقة مع العراق، ولاحقاً زيارة رئيس الحكومة حيدر العبادي ووزير الداخلية قاسم الأعرجي للرياض، برزت أسئلة عن جدّية السعوديين في توجههم المستجد.
وفي المقابل، قوبل الترحاب العراقي بتساؤلات عن الأسباب التي تدفع بغداد إلى غفرانها لجارتها ما اقترفته بحق العراقيين على مدى سنوات. هل يمكن الوثوق بنيّات الرياض كلياً، مع الأخذ بالاعتبار ترديد السعوديين باستمرار مقولة «الحرص على عروبة العراق وإعادته إلى الحضن العربي» بالتزامن مع تسعير الخطاب المعادي لإيران؟ في 5 حزيران عام 2015، في لقاء الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي التطبيعي العلني مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك دوري غولد في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، صعد الأول المنبر وقرأ ما سمّاه «خطة العمل المشتركة بين السعودية وإسرائيل». الخطة المؤلفة من سبعة بنود، كان بندها الأخير يقول حرفياً: «العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية، لأن ذلك من شأنه أن يخفّف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية التي ستقتطع الثلث من هذه الدول لمصلحة كردستان».
طلب عراقي لإعادة العمل باتفاق تصدير النفط عبر الأنبوب المشترك
ليس مستغرباً أن يفكّر السعوديون في العمل على تقسيم دولة عربية، ومن المؤكّد أن فكرة دعم الرياض انفصال كردستان لا تنبع بالضرورة من بنات أفكار الأمير محمد بن سلمان. فالسعودية، على لسان الجبير، أكدت أكثر من مرة أنها تمضي في ملفات المنطقة – ولا سيما في العراق وسوريا – بما تقرره واشنطن. يضاف إلى ذلك، التوجه السعودي للتقرب من كيان العدو في أكثر من ساحة، وقضية انفصال كردستان (الذي تدعمه إسرائيل بقوة) تُعدّ إحداها. قبيل الاستفتاء بأسابيع، بدا لافتاً حجم الاهتمام السعودي بإقليم كردستان. اهتمام انعكس في إصدارات الصحف التي أفردت صفحات من أعدادها لنشر تقارير ومقالات تعريفية بالإقليم ومدنه وتاريخه ومساجده وقياداته. في نهاية آب المنصرم أوفدت الرياض أكثر من رئيس تحرير صحيفة سعودية إلى أربيل، وجميعهم التقوا رئيس الإقليم مسعود البرزاني على حدة ونشروا مقابلات خاصة معه. من قرأ ما كتبته هذه الصحف يستنتج أن السعوديين يروّجون ضمناً لاستقلال «دولة كردستان».
المصلحة الاقتصادية
منذ إمساكه بملفات القوّة داخل السعودية، ينتهج وليد العهد محمد بن سلمان سياسة خارجية أعطت الأولوية للمصالح الاقتصادية على حساب الأيديولوجيا، وهو المتنطّح لتنفيذ رؤية عمادها الاستثمار وتوظيف العائدات والأرباح للكسب في السياسة. خلال زيارة وزير النفط العراقي جبار اللعيبي للرياض في 8 آب المنصرم، خرجت بعض التسريبات عن طلب عراقي من السعوديين لإعادة العمل باتفاق تصدير النفط العراقي عبر الأنبوب العراقي – السعودي المشترك الذي يمرّ بأراضي السعودية، وكانت الأخيرة قد أوقفت العمل به من طرف واحد إبان غزو الكويت عام 1990 كإجراء عقابي للرئيس السابق صدام حسين. الأنبوب الذي يمتد من حقل رميلان جنوب العراق يشق طريقه في الصحراء السعودية باتجاه الرياض ثم ينعطف غرباً ليصب في مصفاة «المعجّز» قرب «ينبع» على ساحل البحر الأحمر. تبلغ سعة النقل في الأنبوب نحو 1.6 مليون برميل في اليوم، وقد أهمل العراق قبيل الغزو الأميركي ملاحقة السعودية قضائياً في المحاكم الدولية بسبب مصادرتها للأنبوب (الذي يملكه العراق) والنفط الذي كان فيه، بالإضافة إلى استعماله لنقل غازها من المنطقة الشرقية إلى غرب المملكة. يأمل العراقيون اليوم أن توافق الرياض على إحياء الاتفاق لزيادة طاقة تصديرها، وهنا لا يمكن استبعاد احتمال استباق بغداد خطوات انفصال إقليم كردستان التي من شأنها أن تصادر قسماً كبيراً من إنتاج نفط الشمال (نحو 700 ألف برميل في اليوم) لتطالب الرياض بإحياء العمل باتفاق أنبوب «المعجّز».
إذا ما أقدم الرئيس التركي على تنفيذ تهديده بوقف تصدير نفط إقليم كردستان، وهو متضرر من هذا الإجراء حتماً، فإن نفط الإقليم سيبقى في الحقول والآبار في ظل عدم توافر وسيلة لنقله خارج الإقليم مع إقدام إيران أيضاً على منع تصديره بالشاحنات عبر أراضيها. من هنا تبرز المصلحة السعودية في تشجيع البرزاني على المضي قدماً في خطوات الانفصال لإحداث أزمة في تصدير نفط الإقليم، لترتفع حاجة بغداد لأنبوب «المعجّز»، ويُفتح الباب على مصراعيه لابتزاز العراق لتحصيل مكاسب ونفوذ في مواجهة إيران. إضافة إلى ذلك، يبدو العراق محلّ استهداف سعودي في ميدان تصدير النفط الخام، بالنظر إلى منافسته السعودية كأول مصدّر للخام إلى الدول المستهلكة للنفط في آسيا وأوروبا (حلّ العراق محلّ السعودية كأكبر مورّد نفط للهند في نيسان الماضي)، وقد ارتفعت حصص تصدير بغداد من الخام إلى دول الاتحاد الأوروبي، فيما تنخفض نسب تصدير الخام السعودي إلى دول الاتحاد الأوروبي تدريجاً في السنوات الأخيرة. إذا ما فقد العراق رسمياً ربع إنتاجه من النفط (نحو 900 ألف برميل يومياً تُستخرج من حقول الشمال، لا تحصل بغداد على حصتها منها كاملة) بسبب الصراع الذي بدأ مع إجراء البرزاني للاستفتاء، يمكن القول إن حصة بغداد من التصدير ستنخفض لمصلحة منافسين آخرين أوّلهم السعودية. إذا ما وقع الخيار العسكري في الإقليم، فإن سعر برميل النفط سيرتفع حكماً، لتتحقق بذلك أمنية ابن سلمان برفع السعر، الأمر الذي يؤهّله لطرح أسهم «أرامكو» للاكتتاب عام 2018 بأسعار معقولة يمكن أن توفّر له المبلغ الذي يطمح إليه لتمويل صندوق الاستثمارات العامة، عماد رؤيته «2030».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/09/27