هل سينجح الملك سلمان في إيقاف تجريف الولايات المتحدة لمملكته؟
عبدالوهاب الشرفي
دونما شك تمثل زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو زيارة تاريخيه ، و يكفي للحكم بهذه النتيجة انه أول ملك سعودي يزور موسكو فالسعودية التي كانت تحتفل بعيدها السابع و الثمانون قبل أسابيع لم يدخل أي من ملوكها المتعاقبين البوابة الشرقية و ضلت البوابة الغربية هي التي تقصدها الإدارة و السياسة السعودية عبر تاريخها .
استقبل الملك سلمان في مطار موسكو نائب رئيس الوزراء لشئون التسليح و هو أمر حظي به سلمان لم يحظ به زعما عرب سبق وزاروا روسيا من بينهم الرئيس المصري و الملك المغربي و ولي عهد أبوظبي على سبيل المثال الذين استقبلوا على مستوى نائب وزير الخارجية الروسي ، لكنه في ذات الوقت لم يحظ بمستوى أعلى كان يمكن ترتيبه على مستوى زيارة تاريخية كهذه كاستقبال رئيس الوزراء الروسي أو بوتين نفسه ، و بعيدا عن حديث البروتوكولات يضل للأمر دلالته بان المستوى الذي استقبل به الملك السعودي هو نفسه مستوى العلاقة بين روسيا و السعودية كدولتين كانتا في جبهتين متقاتلتين في الملف السوري و متضادتين في اكثر من ملف ولازال قدر من هذا التواجه والتضاد قائم بقدر ما حتى لحظة حط الملك السعودي رجله في مطار موسكو .
لم تعر السعودية روسيا التفاته في مامضى بل لعبت دورا لن ينساه الروس في الحرب الباردة الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي عبر الملف الأفغاني ، و كانت من اشد المواجهين للتدخل الروسي في سوريا ولدرجة تهديد الجبير لروسيا و الذهاب للقول انه ” قد يتم تزويد مقاتلي المعارضة السورية بمضادات جو ” ، وبالتالي فرسالة بوتين من وزن مستوى الاستقبال عند هذه النقطة هي بان هناك ملفات لم تغلق و لكن مرحبا بسلمان ولعله ذات ” الثقل ” الذي أبداه بوتين عند بداية تزحزح تركيا بتجاه روسيا .
بالنسبة لروسيا زيارة الملك السعودي تعد اختراقا نوعيا للنفوذ الأمريكي في المنطقة و كذلك فتح باب لحضور روسي اكبر في ملفاتها وأيضا تحوطا من أي انقلابات مفاجئة في أي من تلك الملفات ، لكن بالنسبة للمملكة ليس الأمر كذلك فهي زيارة حاجة فرضها وضع جديد في المنطقة كان لابد لسلمان أن يتوجه هو بنفسه إلى موسكو .
خسرت الولايات المتحدة و بالتبعية السعودية في الملف السوري و تخلت الولايات المتحدة عنها عند هذه الخسارة بتسليمها بالنتيجة على الأرض التي فرضتها روسيا و الحكومة السورية و إيران وحزب الله على الأقل حتى الآن ، وقبل السعودية كانت شريكتها الإقليمية في الملف السوري قد قفزت قبلها للضفة الشرقية وأصبحت تركيا وإيران وروسيا في اتجاه واحد وأن بقي بعض الفوارق هي في طريقها للاختفاء ، وحتى الشريك الخليجي هو أيضا قد حولته السعودية بيدها إلى خصم وأصبحت هناك أزمة خليجية جعلت قطر في واد و السعودية و الإمارات في واد أخر و بالتالي وجدت السعودية نفسها عالقة دون أن يسندها أحد في الملف السوري و مابقي لها هو في طريقه للتأكل بالمقص السياسي و العسكري لدول التحالف الخصم ( روسيا إيران حزب الله ) وأضيف لهم تركيا وقد تكون قطر هي الأخرى في يوم قريب إلى جوارهم ، وما تحاوله السعودية الآن هو توظيف ما بقي لها من حضور في الملف السوري لصالح مستقبلها في المنطقة والوقت لديها أزف و لا مرونة كافية فقد ترسم النتيجة في سوريا بشكل كامل دون أي حضور سعودي فيها .
الملف اليمني هو الأخر تحول إلى ورطة للسعودية وبالنسبة لها هو ملف أكثر حساسية وأهمية لها من الملف السوري ذاته فهو ملف على خاصرتها مباشرة والنتيجة في جنوب اليمن تخلت عنها لترسمها الإمارات كما تشاء و شمالا باتت المعارك داخل جغرافيتها ولا تقدم يذكر لها في مختلف الجبهات ، وعلى مدى أكثر من عامين من الحرب العدوانية على اليمن لم يتحقق الهدف ولم يعد الخروج على هذا الحال الذي يراوح فيه الملف اليمني ممكنا لأنه سيمثل ضربة أخرى تشبة الضربة التي هوت على رأسها باستعادة الحكومة السورية لحلب ، وهو أمر أن حدث فستقراء السعودية على نفسها الفاتحة كقوة إقليمية بل قد تتصدع من داخلها كدولة لازالت متماسكة بقدر جيد، وبات من الواجب عليها أن تصل بالوضع في الملف اليمني للحظة خروج أمن بالنسبة لمستقبلها .
ملف الجماعات الإرهابية الذي كانت أهم مستخدميه في الملف السوري و في الملف اليمني بقدر ما هو الأخر بات يؤقض مضجعها فمصير هذه الجماعات قد يعود عليها بالويلات في كل الحالات فلايمكن استيعابهم لديها لحين توجييههم لملف أخر في ضل فتح العيون على مصائرهم بعد الضربات الإرهابية في أوروبا و لايمكن التفرج عليهم و تحمل تبعات تسرب أعداد منهم من سوريا باتجاه أوروبا مايورط المملكة ويضرب صورتها أكثر فأكثر مع كل ضربة للإرهاب هناك ، ولايمكن أيضا تركهم ليلاقوا مصيرهم في سوريا لأن فقدهم يعني رسم النتيجة كاملة بيد المحور الروسي وفقد السعودية لأي فرصة معالجة باستخدامهم باتجاه الملفات ذات العلاقة ومن ملف العلاقة مع روسيا بعد فراغها من سوريا .
التنافس الإقليمي مع إيران خسرته السعودية في مختلف ملفاته المحتدمة طوال الأعوام السابقة ، وحاولت أن تجعل من استمرار الوقوف في وجه إيران ممسكا لها من خلال اتفاق قمة الرياض التي التزمت فيه بالعمل على إعادة صياغة المنطقة بهذا الاتجاه لعل وعسى تحتفظ بالدرع الأمريكي لها في ملفات المنطقة ولكن دون جدوى فقد أصبح المطلوب الآن هو الاستمرار في المواجهة تبعا للتخطيط الأمريكي و تحمل تكاليف أي دور أو موقف أمريكي في هذا الاتجاه فما بدأته السعودية من سجال مع إيران كتماهي مع السياسة الأمريكية انتهاء بسجال السعودية هي من تحمل مشعله في المنطقة كعداء ذاتي وليس كعداء خدمي للسياسات الأمريكية وهذا غير حالة فقدان الثقة بالولايات المتحدة كحليف يمكن الاستمرار معه في مواجهة إيران .
رأت السعودية في توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عهد الرئيس السابق أوباما ضربة أمريكية لها و تخل مباشر عنها من قبل الولايات المتحدة أمام إيران ، وما يقترب منه الرئيس الأمريكي الحالي من إلغاء لهذا الاتفاق أصبح الآن مصيبة آخرى قد تحل على رأس السعودية فإلغاء الاتفاق النووي يعني رفع حدة الصراع مع إيران في المنطقة ولمستويات عالية وهذا سيفرض على السعودية أعباء هائلة إضافية باعتبار إيصال العلاقة بينها وبين إيران إلى مرحلة العداء الذاتي التي ستفرض توسع المواجهات في مختلف الاتجاهات وهي قد أصبحت تنؤ بحملها الحالي الناتج عن هذا الملف فضلا عن أن تتصاعد سجالاته ومواجهاته ، وبالتالي انقلب ما سخطت منه يوما ما في عهد أوباما إلى رحمة في عهد ترامب وصار أملها أن لا يلغ أو أن تعمل على محاولة كبح جماح التداعيات المحتملة قبل الوقوع .
فتح الملف القطري على خلفية عرض خدمات أوسع تجاه مواجهة إيران الذي دشن باتفاق قمة ترامب في الرياض توقعت السعودية أنه سينتهي سريعا و لتقع في ذات خطاء الملف اليمني وتجد نفسها وقد تخلت عنها الولايات المتحدة في هذا الملف أيضا وليتحول إلى ورطة أخرى ، فحالة عدم الانسجام النائمة بينها وبين تركيا بدأت تسير في طريق التوتر كونها أهم عوائق التصرف في الملف القطري و هاهو ميزان القوة الاستراتيجي يختل في نفس الوقت لصالح تركيا ترتيبا على العلاقة التركية الروسية الجديدة وبيع روسيا منظومة s400 لتركيا ، كما أن تركيا امتلكت إرادة سياسية مكنتها من أن تحضر في النتيجة التي ترسم في سوريا بما يخفف من التبعات السلبية التي ستعود عليها نتيجة للدور الذي كانت تلعبه مع السعودية في سوريا وهو الحضور الذي لا تحظى به السعودية حتى الآن ، كما أن الأزمة القطرية كسرت أهم عناصر التحكم في الملف اليمني وهو التستر على جرائمها بحق المدنيين و على دور تحالفها في اليمن وأصبح الملف اليمني مادة توظف للنيل من السعودية وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة وصولا لتضمين خبراء دوليين ضمن مهمة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وأصبح الوضع الإنساني في اليمن شغل شاغل للمنظمات و الإدارات الدولية والأممية و كعادتها الولايات المتحدة تعد نفسها للهروب بمشروع قرار سيقدم للكونجرس بوقف دورها في اليمن وترك السعودية غارقة في وحلها .
ذات الشيئ فيما يتعلق بالهيمنة السعودية داخل دول الخليج و في المنطقة الذي كُسر لصالح الإمارات وتبعا لذلك اضطرت للتنازل عن قدر من طموحاتها في الملف اليمني لصالح طموحات الأخيرة ، بل وصل الأمر لفرض تغييرات داخلية حادة دشنتها علنا باحتفالها الغنائي الساهر بعيدها الوطني الأخير وهو مالم تفعله من قبل وهي تغيرات سيكون لها تأثيرها الغير ممكن تقديره توقعا على استقرار المملكة الداخلي ، بل أن هذه التغييرات كانت قد سبقت بتغييرات داخل الأسرة المالكة السعودية ذاتها ولتتركها عرضة للتصدع أكثر مما كانت في أي وقت رغم تماسكها الظاهر ، وأيضا يأتي تخلي الولايات المتحدة عنها في هذا الجانب كأهم العوامل بتعامل الولايات المتحدة مع الأمارات باعتبارها الدولة التي ستكون المُستخدم الأمريكي الجديد في المنطقة وعلى حساب المملكة .
اكتشفت السعودية أنها ليست أكثر من مُستخدم للولايات المتحدة في المنطقة متأخرة وأيقنت أن الولايات المتحدة ليست حليفا كما تصورته لعقود ، ووجدت أنها تُجرّف دورا و اقتصادا وأن القادم سيكون كارثي عليها واقتصاديا بدرجة جوهرية ، فما ابتزه ترامب منها يفوق الألف مليار و القادم لا يبشر بخير ، فمن قانون جاستا وما قد يترتب عليه من تجميد لأموال المملكة في الولايات المتحدة وقد لايكفي ، إلى استمرار الابتزاز بالتورط في الإرهاب الذي لم تنجح محاولتها التضحية بقطر للنجاة بنفسها و لكن ذلك لم يفلح ، إلى ما تتوخاه من تبعات للملف الإنساني اليمني الذي سيصبح احد ملفات الابتزاز لها وتطوراته متصاعدة ومزعجة ، إلى توقعات ماسيترتب على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني عليها ” كمتعهد ” للمواجهة مع إيران في المنطقة ، إلى مترتبات ورطتها في مقررات قمة ترامب في الرياض و التي باتت تدير دفتها الإمارات وقد تورطها مع دول أخرى بعد ورطة قطر .
توجه سلمان إلى بوتين والسعودية في حال يرثى له فقد انقلبت كل سياساتها إلى ورطات حقيقية انتهت كلها بتخلي الولايات المتحدة عنها و التعامل معها كخزنة يجب أن تدفع لتنفيذ السياسات المرسومة أمريكيا وأن تدفع أكثر باستثمار أساليب تنفيذ تلك السياسات لابتزازها ، وانتهى الحال بالمملكة وارطة في ملفات عالقة تهدد مستقبلها السياسي ليس في المنطقة وحسب وإنما تهدد مستقبلها كدولة مستقرة كتداعيات جيوسياسية داخلية لنتائج تلك الملفات ، ولذلك كان لابد لسلمان من الذهاب لبوتين لتلافي مايمكن تلافيه و محاولة إيقاف تجريف مملكته .
ستعرض السعودية المساهمة في إغلاق الملف السوري عل ذلك يثمر لدى روسيا و يمنع عنها ردة الفعل الروسية تجاه كل من كان له دور مضاد في الملف السوري تحت عنوان اتفاقات أمنية لمواجهة الإرهاب ، وستطلب المساعدة الروسية بتحسين شروط الخروج من الملف اليمني وستحاول تأمين موقف روسيا إذا تطلب الأمر الذهاب لمجلس الأمن للخروج بقرار أممي كما دخلته بقرار أممي ، و ستطلب ما تعيد به التوازن العسكري والسياسي مع منافستها تركيا بالحصول على ماحصلت عليه تركيا على الأقل من السلاح و من الدور في الملف السوري للتخفيف من التبعات الارتدادية ما أمكن ، وتلوح بالتزحزح للضفة الشرقية علها تثير بذلك قلق الولايات المتحدة فترفع عنها عصا “جاستا ” و الابتزاز بالإرهاب والابتعاد عنها باتجاه الإمارات، وستطلب التدخل الروسي لإقناع إيران بوقف أدوارها التي تلعبها في المنطقة .
بات التّجريف السياسي و الاقتصادي للسعودية عنوان العلاقة الأمريكية السعودية وكل مواقف الولايات المتحدة تقول أن قرار ” ذبح البقرة ” قد اتخذ وأن حساب الإرهاب الذي تتورط فيه الإدارات الغربية قبل السعودية سيصفى بإغلاقه في حساب المملكة ويدفن في دولتها و ما تبقى هو فقط أكمال ” حلبها ” حتى تفرغ من المصالح تماما ولذلك فمسألة وقف التّجريف هي مسألة بيد المملكة ذاتها قبل أن تكون بيد روسيا فهي مسألة متعلقة بالسياسات السعودية المتبعة في المنطقة وليس بردود الأفعال عليها وإذا كانت روسيا ستفيد في ردود الأفعال فلن تفيد في السياسات السعودية إلا إذا اقتنعت هذه الأخيرة باستبدال سياساتها بسياسات منطقية ستكون مختلفة عن سياساتها الحالية بشكل جذري وخصوصا تجاه الملف الإيراني فهو الملف الذي تنبثق عنه أغلب الملفات التي تعلق فيها المملكة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/09