آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

خطوة فخطوة: من السيطرة إلى الاحتلال.. مفاوضات كيسنجر مع السادات ومخطط مبكر لضرب العراق إذا احتل الكويت


د. عبد الحي زلوم

عندما قرّرت شبكة تلفزيون الجزيرة عمل حلقتين وثائقيتين مدة كل منهما ساعة حول كتابي “حروب البترول  الصليبية –  أميركا بعيون عربيةً”، قمت و مخرج الحلقات بوضع قائمة بالشخصيات التي تم الاستشهاد بأقوالهم  في كتابي. ومن بين هؤلاء كان جيمس إيكنز، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى العربية السعودية أوائل سبعينيات القرن الماضي .

قابلت الجزيرة إيكنز لغرض المسلسل الوثائقي ، وفيما يلي النص الحرفي لما  قاله وكما بثته قناة الجزيرة: “عندما طلع علينا كيسنجر بخطته لاحتلال حقول نفط الشرق الأوسط ، سُئلتُ عمّا كان قد نُشر في مقالة بمجلّة “هاربر” كُتبت من قبل كاتب مجهول دعا نفسه “الجندي المجهول” ولم يعرف أحد حقيقة هويته إلا بعد ردح من الزمن.

وكان كاتب المقالة اقترح على الولايات المتحدة احتلال حقول النفط العربية من الكويت وحتى دبي، مع إحضار موظفين من تكساس وأوكلاهوما لتشغيل هذه الحقول وترحيل جميع مواطني هذه البلدان إلى نجد (في العربية السعودية) ، بحيث تخلو المنطقة بكاملها من مواطنيها العرب، ونقوم نحن بإنتاج النفط لمدة الخمسين أو السبعين سنة القادمة إلى أن تجف حقول النفط…وقد سألتني وسائل الإعلام الأميركية عن هذه الخطة ، وكنت حينها سفير أميركا لدى العربية السعودية،  فأبلغت وسائل الإعلام الأميركية بأن من يفكر بحل أزمة الطاقة الأميركية بهذه الطريقة إما أن يكون مجنوناً أو مجرماً أو عميلاً للاتحاد السوفيتي، ويبدو أن هذه الكلمات لم تسّر ذاك الذي كتب مقالة “هاربر”، حيث لم أكن أعرف بعد من قد يكون، وأخيراً عرفت: لقد كان رئيسي كيسنجر، حيث لم ألبث بعدها أن طُردتُ”. كان هذا في الحلقة الثانية، تمّ بثّ الحلقة الأولى في منتصف الليل ثمّ الساعة السابعة مساء اليوم التالي، كان المفروض بث الحلقة الثانية بنفس الطريقة، تم بثها اولاً في منتصف الليل ولم يتم بثها في وقت الذروة الساعة السابعة مساءًا مع أنها كانت ضمن برنامج ذلك اليوم.

انشغلت الدوائر العليا في واشنطن طوال عام 1973 بمناقشة الخطط الحربية الخاصة بالاحتلال الفعلي لحقول النفط في الشرق الأوسط، إلاّ أن انطباعًا غلب في النهاية مؤداه بأن الوقت لا يزال مبكرًا للإقدام على هذه الخطوة، غير أن الخطط أعدت بالفعل في الأعوام التالية،  حيث تم تشكيل ما عرف بالقيادة الوسطى التي ستتولى المهمة ولكن على مراحل أو طبقًا لسياسة كيسنجر المعروفة بـ “الخطوة خطوة”. بدأت العملية بإقامة قواعد جوية ومدن عسكرية بتمويل من الدولارات النفطية للدول المنتجة. تلا ذلك تصعيد ملحوظ للوجود البحري الأمريكي في مياه الخليج.

وبعد أن بلغ إنتاج نفط الولايات المتحدة ذروته، والذي تزامن مع عدم قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية بريتون وودز، أصبح تأمين احتياطيات النفط للولايات المتحدة مطلب حياةً أو موت لاستمرارية مجمعها الصناعي العسكري وهيمنتها العالمية.

 كانت المشكلة عند اكتشاف نفط ألاسكا وبحر الشمال الضخمة – أنها غير مجدية بالأسعار الدارجة (حوالي 2 دولار للبرميل) حيث كانت كلفة الاسكا 5 دولارات للبرميل وكلفة بحر الشمال 7 دولارات للبرميل فتمّ رفع السعر نتيجة حرب أكتوبر 1973 أربعة أضعاف مما جعل احتياطات الاسكا وبحر الشمال مجدية اقتصادياً وبدأ العمل فوراً في تطوير حقول تلك الاحتياطات.

وفي هذه الأثناء ارتقى كيسنجر بمستوى صلته المصرية الخاصة، ففي زيارة لحافظ إسماعيل – مبعوث السادات- إلى الولايات المتحدة في شهر شباط، 1973  قام بوضع برنامج يمكنه من الاجتماع خفيةُ بكيسنجر بعد انتهاء واجباته الرسمية، فتالياً لاجتماعاته بنيكسون وممثلي الخارجية – كان إسماعيل – كما كتب كيسنجر في كتابه “سنوات الهياج” “… سوف ينسلّ بنفسه في 25 شباط إلى نيويورك ، ومن هناك يتوجه إلى موقع اجتماع سري في الضواحي .. بيت خاص استؤجر لهذا لغرض– حيث هو وأنا نتباحث ليومين في مراجعة كاملة وخاصة للعلاقات المصرية الأميركية”.

وأضاف كيسنجر: “لا أنا، ولا أي عضو من معاونيّ ، كان ضمن مناقشات إدارة الخارجية، بينما إدارة الخارجية حتى لم تعرف بلقائي السرّي مع إسماعيل”.

وقبل وصول إسماعيل إلى واشنطن كتب نيكسون إلى كيسنجر: “لقد حان الوقت للتخلّي عن الانصياع لموقف إسرائيل المتصلّب، فقد قادتهم تصرّفاتنا في الماضي إلى الاعتقاد بأننا سنقف إلى جانبهم بغض النظر عن مدى لا معقوليتهم.”

ومع ذلك فإن خطة كيسنجر كانت – والى حدًّ كبير – متمشيّةً مع قرار إسرائيل، والذي نصّ في حزيران 1967، على أنه يمكن بحث جبهتي مصر وسوريا والتفاوض حولهما، إما الضفة الغربية وغزّة فلا، والتي كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد أصرّ على ضمهّا إلى إسرائيل ، وحيث أن الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن قبل حرب 1967 ، فقد عمد كيسنجر إلى استبعاد الأردن من مفاوضات الخطوة خطوة ، وخطط للسادات وللعرب الآخرين من ” أصدقاء ” الولايات المتحدة المعروفين ، باستبعاد الأردن كلية عن مسألة مفاوضات الضفة الغربية الفلسطينية .. وكما تم تنفيذه فعلاً في الرباط في المغرب في وقت لاحق لتصبح الضفة الغربية بدلاً من محتلة إلى متنازع عليها.

وفي 6 آذار 1973 ، تم تزويد السعوديين بإيجاز عن اجتماع كيسنجر مع إسماعيل ، وذلك على أساس ” العلم بالشيء في حدود ما يلزم فقط”،   حيث أن العربية السعودية سوف يكون لها دور في حظر النفط وزيادة سعره مستقبلاً . كما أن كمال آدهم مدير المخابرات السعودية كان حلقة الوصل بين السادات والــCIA.

وفي ذلك الشهر زارت جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل الولايات المتحدة ، وعارضت وبشكل مطلق موقف نيكسون ، ورفضت أية ضغوط لتعديل موقف إسرائيل المتشدّد ، كما أبلغت نيكسون بأنه ليس لدى العرب خيار عسكري ، وأن الأمور لم تكن بأفضل مما هي عليه الآن بالنسبة لإسرائيل.

وفي 11 نيسان انعقد اجتماع آخر بين إسماعيل وكيسنجر .

وهكذا وبعد تحضيرات سرّية بين كسينجر (وأصدقائه العرب) وبعدما وضع تكتل المال وشركات النفط النظام المالي الجديد والذي يعتمد على النفط كغطاء للدولار وتم رفع الأسعار أربعة أضعاف . كان لا بد لهذا السيناريو لحرب تحريك فكانت حرب السادس من أكتوبر 1973. وهكذا بدأت سياسة الخطوة خطوة للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط وكذلك سياسية هيمنة الخطوة خطوة في الهيمنة على حقول النفط العربية إلى درجة احتلال بعض تلك الدول أو إنشاء قواعد  عسكرية كبرى تتمركز فيها القوات الأمريكية .  حتى أصبح  كل بلد بل وحقل نفطي في الخليج فوقه قاعدة عسكرية أمريكية .

وكانت ” الدبلوماسية المكوكيه ” أو اتصالات الوساطة التي تلت الحرب ، قد تم وضع تفاصيلها الدقيقة من قبل هنري كيسنجر والذي كان رئيساً للأمن القومي آنذاك . وكانت خارجية الولايات المتحدة تعتقد بأن على إسرائيل الانسحاب لحدودها عام 1967 ، إلا أن كيسنجر كان لديه خطة أخرى.  وقد جاء في كتابه “سنوات الهياج ” :

“كانت نقطة البداية لدي تقع عاطفياً لدى الجانب الآخر .. وعلى الرغم من عدم ممارستي شعائر عقيدتي الدينية ( اليهودية) ، فلم يكن بمقدوري نسيان أعضاء أسرتي الثلاثة عشر الذين ماتوا في معسكرات الاعتقال النازيّة،  ولم يكن في قدرتي احتمال هولوكوست آخر من قبل سياسات حسنة النية يمكن لزمامها الإفلات من السيطرة”.

كتب كسينجر في كتابه سنوات الاضطراب :”شارك نيكسون الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى في كاليفورنيا  شاركها تحاملاتها وضغائنها،  فقد اعتقد أن اليهود يشكلون مجموعة قوية متجانسة داخل المجتمع الأميركي وأن سيطرتهم على وسائط الإعلام تجعل منهم خصوماً خطرين ، وفوق كل شيء فانه يتوجب إرغام إسرائيل على تسوية سلمية وأنه لايجوز السماح لها بتعريض علاقات أميركا العربية للخطر”.

إلا أن كيسنجر ثابر على فعل الأشياء على طريقته هو. لأنه كان الرئيس الفعلي أثناء انشغال الرئيس نيكسون بفضيحة وترغيت ، فباشر مفاوضاتٍ مع السادات دون معرفة إدارتي الخارجية والدفاع .. ولا حتى البعثة الدبلوماسية الأميركية في القاهرة ، ولم تكن لدى كيسنجر الرغبة في الاعتماد على خبراء الشرق الأوسط لدى الخارجية ، والذين كان ينظر لهم بصفتهم ” مستعربين”،   وصمم على تحاشيهم جميعاً .

وعلى الجانب العسكري أنشأت الولايات المتحدة قيادة قوة الانتشار السريع في فلوريدا ، وهي القوة التي أنشئت ودربت وجمعت ليمكن نشرها بسرعة في الخليج ، ، وأصبحت هذه القيادة تعرف فيما بعد باسم القيادة المركزية (سنتكوم).

وكان أن أعدت الخطط العسكرية والمناورات الحربية للتدخل الأميركي . ومما يثير الدهشة  أن السيناريو الدقيق لحرب عاصفة الصحراء سنة 1991 كان قد أعدّ في 1978 على أساس الافتراض بحدوث هجوم عراقي على الكويت واحتمال رد أميركي عليه . وفي عدد 7 أيار 1979   لمجلة فورتشن ، تم نشر سيناريو لمناورة حربية تصف خططا و ردّاً عسكرياً أميركيا ممكناً في حالة غزو عراقي للكويت يرتكز على نزاعات حدودية أو غيرها ، وفي صفحة 158  وتحت عنوان ” إذا غزا العراق الكويت..” قالت المجلّة: ” القوات العراقية ، المجهزة بشكل رئيسي بأسلحة سوﭭيتية ، يمكن لها الإجهاز على أي البلدين بسرعة ؛ والمعونة إذا طلبت ، يمكن لها أن تتضمن ضربات جوية تكتيكية ضد الدروع العراقية وضد دعمها الجوي ، وربما أيضاً تهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية ، ولغرض دحر القوات الأرضية العراقية ، فإن ذلك سيتطلب مشاة بحرية من الأسطولين السادس والسابع ، ومشاة من الفرقتين الثانية والثمانون ومائة وواحد ؛ كذلك ارتأت الخطة ” جيشاً في السماء ” لنقل الجنود ، والإفادة من جسر إمداد القوة الجوية الأميركية الإستراتيجية – السبعين سي 5 إيه إس العملاقة ، و 234 ناقلة سي141 الأصغر حجماً ، زائداً 700 كيه سي135 صهريج لإعادة التزودّ بالوقود جوّاً.” وكان هذا  قد أعدّ في 1978 !!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/10/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد