أطفال “خلافة داعش” بحاجة إلى إنقاذ
د. كاظم ناصر
الأطفال ” عيال الله ” كما نقول في عالمنا العربي لأنهم الأقرب إليه سبحانه، ويمثّلون البراءة والطهر الإنساني، ويصنعون المستقبل الذي نعدّهم له. ولهذا فإن القوانين الربّانيّة والوضعيّة والأخلاق الإنسانيّة تطالبنا برعايتهم وحمايتهم وتوفير البيئة الجيّدة لتعليمهم وتثقيفهم ليكونوا مواطنين صالحين قادرين على العيش بوئام وسعادة وخدمة أسرهم وأوطانهم.
أكثر من 12 مليون طفل عربي شرّدوا من ديارهم بسبب حروبنا العربية – العربية، وحرموا من طفولتهم، ويعانون من الفقر والضياع، ومن ضمنهم مئات الآلاف من الذين عاشوا في المناطق التي سيطرت عليها ” داعش ” في العراق وسوريا. ” داعش ” لم تدمّر فقط القرى والمدن التي احتلتها، ولكنها دمّرت جيلا كاملا من أطفال البلدين الذين ألزمتهم على الخدمة كجنود مقاتلين، أو أجبرتهم على الالتحاق بمدارسها التي لا تفرّق بين طالب ومقاتل، أو تأثروا بممارساتها البربريّة وبخطابها السياسي الدموي.
لا توجد معلومات واضحة عن عدد الأطفال الذين جنّدتهم الحركة في المناطق التي كانت تسيطر عليها، لكن البعض يقول بأن عددهم لا يقل عن 4000 طفل مجنّد، وإن هناك معلومات تفيد بأن عشرات الآلاف منهم تلقّوا تدريبات على استعمال السلاح، وتعرّضوا لعمليات غسل دماغ في معسكراتها في سوريا والعراق. الأذكياء منهم الذين أطلقت عليهم الحركة اسم “أشبال الخلافة ” كانوا يجنّدون كجهاديين، وآخرون تم اختطافهم وعذّبوا لإقناعهم بالتدريب كجنود في التنظيم وعلّموا كيف يقاتلون بالسلاح والسكاكين، وكيف يقطعون الرؤوس، وبعضهم أجبر على تنفيذ أحكام إعدام بأيديهم حتى في أعضاء من أسرهم كأمهاتهم وآبائهم وأقاربهم .
إضافة إلى ما سبق، فقد عمد التعليم في دولة “خلافة داعش ” إلى تنظيم دورات تحت مسمى “دورات شرعية” لغسل عقول التلاميذ، وإلى فرض مناهج تعليميّة ركّزت على التطرّف وعلى تلقينهم تفسيرا بالغ التشدّد للتعاليم الدينية، وفرضت عليهم مشاهدة عمليات القتل والتعذيب والمشاركة فيها، وربّتهم على كره الآخر والحقد عليه لتهيئتهم نفسيّا لارتكاب الجرائم خدمة لأهدافها.
داعش فقدت المناطق التي سيطرت عليها في العراق وسوريا بعد تدمير معظم المدن والقرى التي كانت تحت سيطرتها، وألحقت ضررا بالغا بنسيجها الاجتماعي ورجالها ونسائها وخاصة أطفالها. إن عددا كبيرا من الأطفال الذين عاشوا تحت حكم داعش تركوا التعليم، ودمّرت منازلهم ويعيشون هم وأسرهم في فقر مدقع، ويعانون من مشاكل نفسية وعقلية. لقد فقدوا ثقتهم بأنفسهم وبالناس في محيطهم الإجتماعي، وربما بالإنسانية بصورة عامّة، وإنّهم معرّضون للانحراف والانزلاق في عالم الجريمة في مجتمعاتهم، وبعضهم قنابل موقوتة تستطيع المنظمات الإرهابية استدراجهم وتجنيدهم للقيام بأعمال إجرامية في مجتمعاتهم ودول أخرى.
إن معظم هؤلاء الأطفال بحاجة ماسّة إلى مساعدات عاجلة تؤمّن لهم الطعام والسكن والأمن، وإلى اهتمام وعناية خاصّة من متخصصين في الصحة العقلية والنفسية والإرشاد التربوي القادرين على التعامل المباشر مع الجراح النفسية التي يعانون منها ليعيدوهم إلى البيئة المدرسيّة التعليميّة الملائمة، ويمكّنوهم من الاندماج في مجتمعاتهم ويساهموا بذلك في تجنيب أمتنا المزيد من التمزق وسفك الدماء !
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/23