التعليم ومطارق الأركوض والعرعر: لننتظر الوزارة
قينان الغامدي
ظننت أن ما شاهدته في مقطع الفيديو مضاربة بين همجيين تربيا في شوارع خلفية!، لكني اكتشفت أنه معلم»يعتدي!» على طالب
قال لي صديقي الإعلامي والوجه التلفزيوني المتميز المعروف: كمال عبدالقادر: «لو كان هذا الطالب المضروب ابني، كان جعلت هذا المعلم الضارب المعتدي! ينسى لبن أمه!». وحكاية ينسى لبن أمه هذه، أن هناك مثلا شعبيا حجازيا، يرفض الظلم ويتوعد بالانتقام، وغالبا ما يصح ويحدث!.
هذا المثل الذي أطلقه كمال تلقائيا ذكّرني بمآسي العقاب البدني للطلاب والطالبات، والتي ما زلنا نشاهد ألوانا منها حتى اليوم، وكأن معلمينا ومعلماتنا وتعليمنا كله يرجع إلى الخلف، لاستلهام عقوبات لم تنجح في حينها سوى في تكريس ظلم المعلمين والمعلمات!. نعم، ظلم، بل وجهل المعلمين والمعلمات!.
فأثناء دراستي في المرحلة الابتدائية «1382- 1388»، ما زلت أتذكر زملاء أعزاء أكبر مني سنّا، غادروا مقاعد الدراسة بسبب عنف وجبروت وجهل بعض المعلمين!، لم يكن أولئك الزملاء أغبياء ولا مهملين، لكنهم كانوا رافضين أو غير قادرين -مثلي آنذاك!- على التلقين والحفظ، إذ كنت مسجلا فاخرا دون فهم لأي شيء!، لأن التلقين والحفظ كانا محور العملية التعليمية، وأظنه ما زال منهجا حتى الآن، ولأن زملائي أولئك لا يحفظون، كانوا يتعرضون لصنوف من الضرب «عصا وكفوف!» ما لا يطاق، وأتذكر أن مدرس الحديث في الصف الخامس الابتدائي، طلب أن نحفظ المقرر كاملا «عشرون حديثا بشروحها!»، ويوم «التسميع!» الآلي المحدد من قِبل المدرس الجهبذ!، فرّ من شباك الفصل خمسة طلاب، ولم يعودوا أبدا!، مع كثرة محاولة أهاليهم معهم، ومع رشوة مدير المدرسة ألا يضربهم أحد! لكنهم أصروا على هروبهم، فخسروا مستقبلهم التعليمي كله!.
كان في مدارسنا بالقرى «وأظنها أيضا في المدن!» عِصيّ يطلق عليها أسماء، وهذه الأسماء تتم كتابتها بخطوط جميلة ملونة، ومنها وفق ما أتذكر: «مصلحة، مهدية، جميلة، فارعة، نجاح، مشاغبة.....إلخ!«، وكان لكل عقوبة اسمها من عصي المدرس، هذا غير»مطارق الأركوض، والعرعر، والغرب، وغيرها!«مما كان يتبرع به بعض الأهالي والطلاب، وكأن المدرسة ثكنة للتعذيب لا للتعليم!.
كنت من الطلاب المتفوقين، وكنت صغير سن، ومع هذا لم أنجُ من الجلد العنيف جدا!، كما لم أنجُ من إهانة وتعذيب غيري، فقد كان لدينا معلمون يمعنون في الإهانة، ومن أبرزها أن طفلا مثلي -آنذاك!- يضرب الزملاء الكبار سنا غير الحفاظ كفوفا!، لكن الله انتقم مني سريعا في الخامسة ابتدائي، فقد كنت ضمن طابور الرياضة اليومي الذي يتدرب استعدادا للعرض الرياضي السنوي للمنطقة، وكان علي -مع غيري- أن نحضر تمارين بعد الدوام في العصر، وسط أجواء من الصقيع، وذات يوم نسيت أو ألهاني دفء بيتنا الشعبي عن الموعد، فتخلفت عن الحضور!، وفي اليوم التالي -وفي صباح شديد البرودة- تم ضربي في بطن قدمي عشرين جلدة بالخيزرانة، دفّأتني وعذبتني وأبكتني بقية اليوم كله!، واضطر خالي -رحمه الله- أن يحملني على كتفه ليوصلني إلى البيت، حيث كان المشي عسيرا جدا، مع تورم قدمي وما فيهما من ألم وحرارة!، وفي صباح اليوم التالي ظل خالي يطارد المدرس -وهو غير سعودي- الذي نفّذ حكم الضرب في قدمي، حتى ظن بعض أهل القرى المحيطة أنه سيقتله!
والذكريات تتداعى، وما أدى إلى تداعيها، أنني شاهدت مقطعي»فيديو«لاثنين من المعلمين السعوديين، وهما يرتكبان»جريمة!«بحق طالبين.
المشهد الأول»الفيديو«، كنت أظنه مضاربة بين همجيين تربيا في شوارع خلفية!، لكني اكتشفت أنه معلم»يعتدي! «على طالب، لا أدري في أي مرحلة تعليمية، لكني أخمن أنه في المرحلة المتوسطة!. أما المعلم المعتدي الآخر، فأظن أن ضحيته طالب في أواخر المرحلة الابتدائية!.
المعلمان المعتديان -مدار المشهدين- لا شك مجرمان، مهما كانت مبرراتهما!، ويجب التعرف عليهما ومعاقبتهما بأشد عقوبة ممكنة، لكن هذا لا يهمني هنا!، الذي يهمني مصير الطالبين!، هل عولجا نفسيا وتمت إعادتهما إلى مقاعد دراسية سوية، أم أهملا فلحقا بزملائي الذين هجروا التعليم منذ السطوة الجبارة للعصا «مصلحة! و «مطارق الأركوض»، و»العرعر»؟!
هل تستطيع وزارة التعليم أن تجيب؟! فلنحسن الظن، ثم ننتظر!، فلعل وعسى!.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/10/25