هكذا يكون الموت البطيء
حسن قمبر
أحصت المؤسسات نحو 21 أسلوب تعذيب في السجون البحرينية
يُوحى إليه بأن تعذيبه مستمر إلى ما لا نهاية حتى يفقد الأمل في الخلاص. يفاجَأ بوسائل تعذيب لا يعرفها حتى يصاب بما يسمى «قلق التوقع»؛ توقع ما هو أكثر إيلاماً وبشاعة في كل لحظة يتلذذ فيها الجلاد برائحة الدماء المنبعثة من جسد ضحيته. ليس المشهد من الروايات أو دراسات علماء النفس أو «تنظيرات» خبراء التعذيب، بل هو ما يمارسه، واقعاً، عناصر جهاز الأمن الوطني في البحرين داخل السجون بحق أكثر من أربعة آلاف معتقل، بينهم نساء وأطفال.
وفق آخر نداء وجهته جمعية «الوفاق» المعارضة حول المعتقلين، فإن الأخيرين يُحرمون من الرعاية اللازمة، وخصوصاً منهم أصحاب الأمراض المستعصية والمزمنة. كما أنهم يعيشون في بيئة غير آدمية تخالف القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الموزعين على نحو 22 مركزاً للتعذيب، أبرزها سجنا «جو المركزي» و«الحوض الجاف».
ووفقاً لدراسة موسعة أعدها «منتدى البحرين لحقوق الإنسان» و«منظمة سلام للديموقراطية وحقوق الإنسان»، فإنّه لا يتوافر للسجناء إلا طبيب واحد للنوبة الواحدة، وهذا ما يحمل الطبيب، نتيجة للضغط، على التراخي والاكتفاء بوصف المسكنات بدلاً من إجراء الفحوص الطبية. وفيما يسوّف في تحويل بعض المعتقلين إلى المستشفيات والعيادات الخارجية، يمنع آخرين من التحويل، بفعل عدم التزام إدارة السجن بالمواعيد الممنوحة لهم.
آخر ضحايا التعذيب طفل استؤصِل جزء من أعضائه التناسلية
أكثر من ذلك، ينام السجناء وسط الحشرات والبعوض والصراصير التي تنتشر بكثافة داخل أروقة معتقلاتهم، علماً بأن الأخيرة تحوي نزلاء أكبر بكثير من طاقتها الاستيعابية. ويشكو المعتقلون، أيضاً، من انتهاك خصوصيتهم المتمثلة في حضور رجال الأمن لقاءاتهم بأهليهم أو بمحاميهم. كما يشكون من مماطلة إدارات السجون في توفير فرص مواصلة تعلمهم.
ويتعرض السجناء خلف ما توصَف بأنها «مؤسسات إصلاحية» لـ 21 أسلوباً من أساليب التعذيب وسوء المعاملة، من بينها الصعق الكهربائي والتهديد بالاعتداء الجنسي على المعتقل أو ذويه والشتم والسباب الطائفي.
وكان آخر ضحية لتلك المعاملة الطفل مهدي أحمد مفتاح (16 عاماً)، الذي أُجريت له عملية استئصال جزء من أعضائه التناسلية، بعد تعرضه للتعذيب الشديد على أيدي معتقِليه، الذين داهموا منزله صبيحة 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في بلدة الدراز غرب العاصمة المنامة، واقتادوه إلى السجن.
رئيس «منتدى البحرين لحقوق الإنسان»، باقر درويش، يؤكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «السجون البحرينية تحولت إلى بيئة خصبة للتعذيب»، لافتاً إلى أن «نسبة حملات الاعتقال التعسفي ضد المواطنين بلغت 80% من مختلف المحافظات والطبقات الاجتماعية والفئات العمرية، إلا أن غالبية المعتقلين ينتمون إلى فئة الشباب».
ويرى درويش أن «انتهاك الحق في التعلم للمعتقلين السياسيين أو للطلاب المنتمين إلى الغالبية السياسية يستهدف هويتهم الثقافية، وسيترك آثاراً بالغة الخطورة على مستقبلهم التعلمي»، مضيفاً أن «الاستمرار في انتهاك أبسط القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، كالحق في العلاج والغذاء المناسب، وتعريضهم للتعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة الإنسانية، سيحول مئات السجناء إلى مشروع ضحية في المستقبل، ولن نستغرب سقوط ضحايا جدد، كما حدث للشهيد محـمد سهوان، ما دامت السلطة جعلت الحرمان من العلاج إحدى وسائل التعذيب، وخصوصاً لمن يعانون من أمراض مستعصية ومزمنة».
ويستنتج درويش أن «درجة الخطر ترقى إلى اللون الأحمر تجاه أوضاع هؤلاء السجناء، بعد تفشي سياسة الإفلات من العقاب تجاه من تورط باعتقال أو تعذيب أكثر من 900 طفل بحريني حتى هذه اللحظة. وعليه، فإننا نضم صوتنا إلى النداء العاجل الذي أطلقته المنظمات الحقوقية من أجل زيارة الصليب الأحمر الدولي لتفقد أوضاع السجون والمعتقلين، والسماح للمقررين الخاصين في الأمم المتحدة بزيارة البحرين بشكل فوري، وفي مقدمهم المقرر الأممي الخاص بالتعذيب، وعلى السلطات البحرينية الاعتراف بوجود سجناء لديها، أدينوا لمجرد ممارستهم حرية التعبير أو التجمع السلمي، والإفراج الفوري عنهم».
من جهته، يلفت المستشار القانوني لجمعية «الوفاق» المعارضة، إبراهيم سرحان، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «قانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل ولائحته التنفيذية غير متوائمة مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعتمدة بقرار من الأمم المتحدة»، موضحاً أن «هذا القانون لا يراعي الحقوق الأساسية للسجناء من حيث حق التعلم ومواصلة الدراسة، وكذلك حق العلاج اللازم وصرف الأدوية بشكل منتظم ومناسب، وغيرها من الحقوق التي من المفترض تطبيقها على جميع السجناء عبر رجال إنفاذ القانون، ويفترض أن يخضعوا للتدريب والتأهيل اللازم في كيفية معاملة السجناء وفق هذه القواعد الأممية والمتبعة عالمياً في الدول الديموقراطية».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/10/29