إلى أين تتجه المملكة العربية السعودية بعد “ثورة” الأمير بن سلمان؟
د. حسين سالم مرجين
كثيرًا ما يهرع البحاث العرب عندما ينتهي بهم أفق التفكير إلى طريق مسدود إلى النظريات الغربية؛ للتفتيش عن تشخيص وفهم وتفسير لما يحدث في بعض الأحداث والأزمات التي تطرا على المجتمعات العربية، وهذا الهروب ربما يأتي من مسألة تقييد الحريات الفكرية للبُحاث، أي أن غياب الحرية والديمقراطية في المجتمع العربي لا يزال يُشكل عائقًا أمام البُحاث العرب للبحث والغوص في الظواهر الاجتماعية والسياسية.
وفي الحقيقة ما دفعني لهذه المقدمة هو التمهيد لتشخيص وفهم وتفسير ما يحدث في المملكة العربية السعودية من تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية بعيدا عن النظريات والتفاسير الغربية، حيث إن البعض منها انطلاقاً من كون ما يحدث عبارة عن ثورة تقوم بها القيادة السياسية الجديدة، تهدف إلى ترسيخ وتوطين مشروع تلك القيادة، والمتمثل في رؤية 2030، في حين أن البعض الآخر يراها مجرد تهيئة الأجواء للإمساك بزمام المبادرة، والحكم للقيادة الجديدة، ومن ثم توطينها في مفاصل الدولة.
والبعض الآخر يراها مجرد إصلاحات اقتصادية واجتماعية، كما أن البعض يرى أن هذه الثورة، أو التهيئة، أو الإصلاح، لن يحدث مع وجود عدد كبير من الرموز السياسية والدينية والاقتصادية، والتي لا تزال تمتلك مقاليد القوة والمقدرة على الفعل، وبالتالي سوف نحاول في هذه المقالة الولوج إلى حقيقة ما يحدث في السعودية من خلال كشف المضمر، واستنطاق المسكوت، وحتى لا يكون تحليلنا مجرد تخمينات مبنية على رأي أو اجتهاد شخصي، وتفتقد إلى تصورات حقيقية لها علاقة بالواقع المجتمعي السعودي، فإننا سوف نلجأ إلى التاريخ، فلئن كان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، فهو عند ابن خلدون” في باطنه نظر وتحقيق”، فهو أقرب إلى عائمات جليد، طرفها ظاهر فوق الماء، وكتلتها الرئيسة تحت سطحه، ومن يريد استكشافها وفهمها عليه بالغوص والبحث، لذا يتوجب على الباحث أن يهتم بالتاريخ كي يفسر به الحاضر، ويتنبأ بالمستقبل، ومن ثم فإننا نود سرد عدد من المحددات التاريخية للمملكة العربية السعودية، لتشخيص، وفهم وتفسير ما يحدث.
والمحددات هي: هناك تحالف تاريخي قديم بين آل سعود مع عدد كبير من القبائل العربية، حيث تمخض هذا التحالف إلى تأسيس الدولة السعودية، فالعصبية القبلية هي التي قادت إلى تأسيس الدولة السعودية وبحدودها الجغرافية المتعارف عليها اليوم.
هناك تحالف تاريخي قديم أيضًا بين آل سعود مع الحركة الوهابية، وهي حركة محمد بن عبد الوهاب، وهو الذي تنسب إليه الوهابية، حيث تمخض هذا التحالف إلى تبني آل سعود للمشروع الأيديولوجي الوهابي، حيث احتفظت الحركة الوهابية بالسلطة الدينية والروحية، في حين احتفظ آل سعود بالشؤون الدنيوية، ومع مرور الزمن أصبح هناك عقد غير مكتوب ما بين الطرفين، يتضمن استمرار المحافظة على هذا التقاسم للأجيال القادمة من ذريتهما.
حافظ استمرار التحالف الوهابي – السعودي على استمرار ولاء تحالف القبائل العربية لمشروع الدولة السعودية، وبالتالي استمرار الحكم السعودي واستمرار الفكر الوهابي في آن واحد ، وساهم هذا التحالف مع مرور الزمن في بناء ثقافة الولاء للحاكم السعودي من جهة، وإلى تبني الفكر الوهابي من جهة أخرى، مما جعل المجتمع مهيأً للتعايش مع تحالف الحاكم والفكر.
قامت الحركة الوهابية بتهديد كل من يخالف أفكارها وتصوراتها، مصنفة من يخالفها بالكفر وبأعداء الله، ومن ثم أصبحت أيديولوجية وتصورات الحركة الوهابية هي السائدة في المجتمع السعودي.
استطاعت الحركة الوهابية مخاطبة العقيدة الدينية عند القبائل العربية، وخلق تصور عام لدى أفراد المجتمع، يقود إلى ضرورة التسليم والانقياد للحكم السعودي، فهو فقط الذي يُعطى، وهو أيضًا الذي يسلب، وهو الذي يأمر، وهو الذي يُطاع، حيث أصبح هناك استلاب الوعي المجتمعي، لدرجة إصباغ القدسية الإلهية أو شبه الإلهية على النظام الحاكم وعلى الفكر الوهابي معاً.
لذلك في ظل هذه الظروف فقد الحكم السعودي مرونته الفكرية وقدرته على التعاطي مع بعض التحديات والمشاكل المحلية والإقليمية والدولية، فمعالجات بعض تلك التحديات والمشاكل أصبح مرهوناً بما ينتجه الفكر الوهابي من أفكار وتصورات، فنتج عن ذلك أن أضحي الحكم السعودي غير قادر على مواكبة بعض التغييرات التي تحدث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، كما بدأ يطفو على سطح المجتمع عدد من المحرمات التي يُصعب تناولها، مثل: موضوع قيادة المرأة للسيارة.
خلال فترة الحراك المجتمعي العربي أواخر 2010م، وبدايات 2011، تنبهت القيادة السياسية السعودية آنذاك إلى المخاطر التي ربما تحدق بها جراء استمرار سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية التي ربما ستقود فيما بعد إلى انطلاق موجات من الحراك المجتمعي في السعودية، والتي ستقود لا محالة إلى إثارة التمرد والعصيان، وتأجيج مشاعر الحقد والسخط على البناء الاجتماعي السياسي الموجود، وبالتالي قامت تلك القيادات بضخ المليارات من الدولارات من أجل تحسين الظروف المعيشية لقاطني بعض العشوائيات، وتحسين الظروف الاقتصادية وزيادة المرتبات، وفتح مواطن شغل للعاطلين عن العمل، إضافة إلى تحسين الخدمات العامة بشكل عام، وتطويرها بشكل يؤمن تقديم أفضل الخدمات المجتمعية، في حين أن الفكر الوهابي افتقد إلى وجود رؤية تجديدية واضحة للتعاطي مع موجات الحراك العربي.
وعلى حين غفلة برزت قيادات سياسية جديدة في المملكة السعودية العام 2015م، والمتمثلة في بروز ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان، حيث استطاع خلْق واقع جديد على المستوى السياسي والاجتماعي، ومن ثم محاولة السعي لإرساء دعائم شرعية جديدة ، كما سعت هذه القيادة إلى محاولة تبديل وتغيير الصورة النمطية للمجتمع السعودي، الذي يصنف ضمن المجتمعات التقليدية المحافظة على مكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية، كما أن عمليات التغيير في المملكة السعودية قادت إلى طرح عدد من التساؤلات.
أهمها: هل يشكل هذا التغيير البداية لنهاية النظام السياسي ؟هل يشكل التغيير البداية لنهاية التعاقد مع الفكر الوهابي ؟هل يعني ذلك وصول النظام السياسي إلى مرحلة الهَرِم؟
من سينتصر في معركة التغيير، الحرس الجديد أم الحرس القديم ؟إلى متى ستظل القبائل – أفراد المجتمع السعودي – ثابتة في مكانها لا تتحرك ؟ وإذا تحركت، فإلى أي اتجاه تسير؟
وعمومًا فإن ما يعنينا الإشارة إليه في هذا الخصوص هو: أنه بالرغم من تبني النظام السياسي في السعودية مسيرة التغيير خاصة ما بعد 2015م، إلا أننا نود سرد الملاحظات على هذا التغيير، أهمها :أن تدرك القيادة السياسية في المملكة السعودية عمق الأزمة، وهذا الإدراك سوف يتأتى من خلال فتح أبواب المشاركة المجتمعية لأفراد المجتمع، وفتح أبواب التفكير، كما أن مسيرة التغيير لن تنجح إذا استمرت المسيرة، أو الحركة الفوقية فقط .إن استمرار استعانة النظام السياسي ببعض الخبراء الأجانب في عمليات التغيير ستكون أقرب إلى محاولة لإعادة طلاء واجهة النظام السياسي بتغييرات مرسومة بأيدي أجنبية، ليس لديها هدف سوى إشباع حاجاتهم المادية، بالتالي أليس أهل مكة أدرى بشعابها !إنّ مشروع التغيير الذي يتم طرحه إن لم يكن محاولة جدية وواعية لطرح أفكار جديدة، أو تفكيك القديم وإعادة بنائه من أجل إفساح المجال أمام أفكار وتصوّرات تجديدية، إنما سيكون عبارة عن مجرّد أفكار وتصورات سابقة، يتم إدخال بعض التنقيحات و الاستبدالات عليها، حيث ستكون التغييرات مجرّد تلوين وتغيير سطحي للبناء القديم دون تفكيكه وتجديده، فنجاح التغييرات الاقتصادية والاجتماعية سيكون مرتبط بوجود سلسلة من التغييرات السياسية.
وهذا يقودنا إلى ضرورة القيام بإجراء تغييرات وتجديدات أيضًا على الفكر الوهابي كونه يشكل أيديولوجية النظام السعودي، بحيث يتعاطى بشكل جدي مع معطيات الواقع المجتمعي المعاش، من خلال نزع بعض السمات المقداسة عن بعض أفكاره، كونها في دائرة التفكير، وليس في دائرة الاعتقاد، وإلا سيصبح النظام السياسي في السعودية أشبه (بمحرك)، تدفع بعض أجهزتها إلى الأمام، بينما تدفع به الأخرى إلى الخلف، ومن ثم ستساهم في تعرض محركها للتلف، وبالتالي تؤدي إلى سقوط النظام.
رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2017/11/10