استراتيجية أمريكية لمواجهة إيران تبدأ من لبنان
د. عامر السبايلة
في الأيام الأخيرة، اتجهت بوصلة التصعيد في المنطقة باتجاه لبنان، خصوصا مع استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري و حيثياتها الغريبة.
هذه الاستقالة التي أراد لها البعض أن تكون بمثابة إعلان بدء مرحلة التصعيد في لبنان و بالتحديد استهداف حزب الله. بالرغم من أن حزب الله هو الهدف المباشر لهذا التصعيد إلا أن ما يجري فعلياً هو جزء من خطة أمريكية تستهدف إيران و تتمحور في فكرة عزل إيران و إثقالها بالضغوط الأمر الذي دفع واشنطن لتجريك حلفاءها ضمن هذه الرؤية التصعيدية.
الضغوط التي يتعرض لها حزب الله تعتبر ضغوطاً متوقعة في المفهوم الاستراتيجي لدى الحزب، حيث يدرك الحزب منذ البداية المعادلة القائلة بأنه كلما اقتربت الأزمة السورية من النهاية كلما زادت احتمالية تعرض الحزب لضغوط تصل حد المواجهة. على كل الأحوال، هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض الحزب لتصعيد من هذا النوع، ففي العام ٢٠٠٥ كان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بمثابة صاعق التفجير الذي أدى إلى خروج القوات السورية من لبنان و أدى فعلياً إلى حرب تموز ٢٠٠٦.
بالعودة إلى حيثيات تلك المرحلة يتضح أن فاعلية أدوات مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة و حزب الله بالتحديد كانت أقوى بكثير مما هي عليه اليوم. فقبل أكثر من ١٤ عاماً كان النفوذ الإيراني في المنطقة أضعف – بلاشك- مما هو عليه اليوم، يضاف إلى ذلك وجود إدارة أمريكية أكثر قوة و تناغماً و قادرة على تشكيل تحالفات تخوض حروباً بعيداً عن أي مظلة دولية، مع ذلك باء المشروع بالفشل، لا بل أن معظم هذه الخطط ادت على الصعيد العملي إلى ظهور نتائج معاكسة تماماً لكافة المخططات النظرية.
التصعيد الأخير هو نتاج لخطة أمريكية تقودها المخابرات الأمريكية و هو ما ألمح له الرئيس الأمريكي ترامب في خطابه الأخير ضمن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تتميز هذه الخطة بتبني نفس التوجهات و الأدبيات التي ظهرت آبان حكم إدارة جورج بوش الأبن، لكن الفروق التي تظهر اليوم بعد أكثر من ١٤ عاما على تلك الحقبة متعددة أهمها، أن إيران أصبحت أكثر قوة و نفوذ و تأثيراً في المنطقة.
كذلك فالأزمة السورية قادت لظهور موسكو كلاعب رئيسي و أساسي في المنطقة لا يمكن إسقاطه أو عدم الاكتراث لسياساته.. أما حزب الله، فهو ليس في موقع الضعيف كما تسوق بعض الروايات السطحية التي تفترض أن الأزمة السورية أضعفت الحزب لدرجة يجب أن تدفع أعداءه لاستغلال هذه الوضع بسرعة. نعم حزب الله يعاني من مشاكل متعددة على كافة الصعد، الاقتصادية و الاجتماعية و حتى اللوجستية، لكن يجب أن ندرك أيضاً أن الأزمة السورية كانت بمثابة تحول جذري للحزب الذي انتقل من كونه حزب لبناني محلي إلى لاعب إقليمي يملك استراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية اللبنانية، و هو الأمر الذي يدفع البعض لتبني الرؤية الساعية إلى ضرورة التحرك و توجيه ضربة للحزب تعيده إلى إطار الدائرة المسيطر عليها أمنياَ و عسكرياً.
لقد اوقعت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة عقوبات متعددة على الحزب، و هذه السياسة لم تقتصر على العقوبات المالية بل تجاوزتها لمحاولات الحد من حرية الحركة لدى الحزب في أماكن متعددة بما فيها أمريكا الجنوبية. لكن ووفقاً لكثير من التقارير الأمنية، فأن الحزب طور آلية التعاطي مع هذه الضغوط ليثبت فعلياً أنه خصم عنيد من المستحيل اجتثاثه بسهولة. فعلى سبيل المثال، الحرب الاستخبارية المستمرة بين إسرائيل و حزب الله أثبتت أيضاً أن القلق الإسرائيلي الرئيسي يتمحور حول تطور القدرة التقنية أو اللوجستية و التكنولوجية لدى الحزب الذي تعرض بلاشك على مدار السنوات الأخيرة الماضية إلى ضربات قوية لكنها لا تصل لحد الإضعاف الذي يهيأ للحرب.
أما فيما يتعلق في حرب المواجهة فأن الحزب يدرك أن المواجهة قادمة لا محالة، خصوصاً ضمن المعادلة الطردية مع الأزمة السورية، لهذا فأن التعبئة المعنوية للحزب مبنية على فكرة التهيئة للمعركة المنتظرة الحاسمة التي تشبه فكرة “الارماجدون”.
من السهل على الولايات المتحدة أن تطلق استراتيجية مضادة لإيران، و تعمل مع حلفائها على عزل إيران لكن لابد من التذكير هنا أن أي استراتيجية من هذا النوع لابد أن تكون استراتيجية طويلة الأمد و خارطة طريق واضحة المعالم و هو الأمر الذي لا يبدو حاضراً في الرؤية الأمريكية، مما يعني أننا قد لا نتفاجأ ان جاءت نتائج التحرك الأمريكي معاكسة للطروحات و الأهداف، عداك أن تجربة التعاطي مع الإدارات الأمريكية في السنوات الأخيرة لا تزال شاهدة كنتائج واضحة في العراق و لبنان و سوريا. لهذا قد يكون من المهم أن يعيد حلفاء الولايات المتحدة تقييم فكرة الصراع المباشر المدعوم أمريكياً، فالتداعيات السلبية لن تواجهها الولايات المتحدة بقدر ما تواجهها دول المنطقة، و لنتذكر أنه من السهل أن تفتح أزمات جديدة لكن من الصعب جداً أن تغلق بعدها.
رأي اليوم.
أضيف بتاريخ :2017/11/11