بعد تقديم الحريري استقالته: كيف انقلبت الصورة من أزمة لبنانية داخلية مفترضة إلى أزمة سعودية؟
عبدالوهاب الشرفي
بات مؤكدا الآن أن سعد الحريري في حكم الموقوف في السعودية، وقرار إيقافه قرار محوري ليس بالسهل التنازل عنه حتى مع كل الكلام والمواقف والمطالبات الدولية لتمكينه من العودة إلى بلاده ، ولو كان بالإمكان تقديم تنازل والسماح للرجل بالعودة إلى بلاده لقدم هذا التنازل للرئيس الفرنسي الذي قام بزيارة السعودية شخصيا لهذا الغرض وكان يعتزم العودة بالحريري على طائرته إلى بلده لكنه عاد خائبا ولدرجة محاولة صرف الأنظار عنها بتسريبات إخبارية أنه قدم لمسائل أخرى كانت إحدى هذه التسريبات أنه جاء لطلب تمويل لقوات له في أفريقيا !!، لكن الحقيقة أن فرنسا برئيسها شخصيا فشلت في إقناع بن سلمان بالسماح للرجل بالعودة لبلاده.
مرة أخرى يتصرف بن سلمان انطلاقا من “دوشة” مصممة له خصيصا سماها ترامب الرئيس الأمريكي “إستراتيجية” بادرت السعودية والبحرين والأمارات لمباركتها واعتمدوها كتوجه أمريكي في المنطقة، ورغم كثير تجارب السعودية مع الولايات المتحدة ومع ترامب بصورة أوضح لم يتعلم بن سلمان، فقد خيبت الولايات المتحدة السعودية في الملف الإيراني وفي الملف السوري وفي مواقف في الملف اليمني وفي الملف العراقي وخيبها ترامب في الملف القطري وها هو يخيبها في الملف اللبناني وفي “إسترتيجية” ترامب هذه لم يتم أكثر من الحديث عن حزب الله بحدة بالغة في فعاليات إحياء ذكرى تفجير بيروت في القوات الأمريكية.
نعم لترامب إستراتيجية للتعامل تجاه إيران و”أذرعها” في المنطقة لكن هذه الإستراتيجية هي استخدام السعودية للإقدام على خطوات سياسية وأمنية وعسكرية تكسّر في القانون الدولي وفي المواثيق الدولية وفي الأعراف العالمية ولا تستطيع الولايات المتحدة نفسها أن تقدم عليها بالصورة الفجة التي تدفع إليها المملكة لتفعلها وبعد فعلها يحدد الأمريكي موقفه في ضوء التزاماته القانونية لا في ضوء الهيمنة السافرة المنطلقة من فرد العضلات فقط وفقط.
انقلبت الأزمة التي كانت تريد السعودية بتخطيط وتنسيق أمريكي أو ترامبي تحديدا من أزمة بين اللبنانيين إلى أزمة بين السعودية ولبنان والسعودية والعديد من الدول من بينها فرنسا، فلم تعد المسألة عند الجميع ما هو الذي سيتبع “استقالة” الحريري في لبنان وإنما ما الذي ستفعله السعودية لتجاوز أزمة احتجاز رئيس حكومة.
الأمريكي الذي لازال يستخدم بن سلمان من تحت الطاولة وبصورة غير رسمية هو ذاته عمل على أن يبيض صفحته رسميا ويصرح بأن على الجميع داخليا وخارجيا احترام المؤسسات اللبنانية وحذر الجميع من استخدام لبنان ساحة للصراع.
كان أول من “جازف” بالحديث عن أن الحريري محتجز هو أمين عام حزب الله والمجازفة هي في أن السعودية لو كانت “تفهم سياسة” لسمحت للحريري بالعودة للبنان ووجهت ضربة قوية لمصداقية نصرالله أمين عام الحزب المستهدف من كل هذا المجازفات السعودية بدلا من تعزيز مصداقيته كما حدث ، والآن باتت الأمور مؤكدة فقد المح لها بصورة مباشرة الرئيس الفرنسي بعد فشل زيارته للسعودية ، وباتت رسمية أيضا فقد تبنتها الأطر الرسمية اللبنانية بشكل صريح ومباشر وبصورة مطالبات للسعودية.
بالنسبة للبنان الرسمي ولبنان الفاعل الجميع حدد موقفه بأن الاستقالة جاءت في ظروف غير طبيعية أو قانونية وبالتالي لا محل لها في معادلة السياسة والإدارة الداخلية فسعد الحريري هو رئيس الوزراء حتى يعود إلى لبنان وحينها يتحدد هل يرغب في الاستقالة أم لا يرغب ، وهذا الأمر يترتب عليه أنه ما من أزمة في لبنان فالتركيبة السياسية باقية كماهي الرئاسة والحكومة والنواب والمكونات السياسية اللبنانية لا جديدا لديها ، فلا أزمة ولا تعطيل وكلما قد يحتاجه لبنان هو تكليف أحد نواب رئيس الحكومة بتسيير مهام رئيس الحكومة لحين “استعادة” لبنان لرئيس حكومتها وقد لايحتاج الأمر حتى التكليف فبالإمكان أن تسير الأمور عبر تشكيلة الوزارة اللبنانية الحالية بنواب الرئيس ووزراء حكومته.
ما سيستجد بالنسبة للبنان هو أزمة مع السعودية التي ستضل لبنان تطالبها بالسماح للحريري بالعودة لبلاده ، وكل حديث قبل ذلك لا محل له والمسألة هنا مسألة سيادة مباشرة واحترام الدستور والقانون والنظام والمؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني ككل ، فالسعودية الآن دولة ” خطافة الرجالة ” على حد توصيف أخوتنا المصريين ولا يجب أن تسكت لبنان على خطف رئيس ” حكومتها ” .
أمين عام حزب الله قال في خطاب ثان له أنه يتحدث عن معلومات وليس عن تحليل بأن السعودية طلبت من الكيان الصهيوني شن حرب على لبنان ، وسياسيا – إذا صدقت هذه المعلومات – فذلك يعني عجز السعودية عن أن تضيف شيئ بعد احتجاز الحريري فقد بداءت برنامجها بخطاء فادح تعامل معه اللبنانيون جميعا باقتدار وحنكة سياسية حولت المملكة إلى عاجزة ولا سبيل لها إلا توهم أن غيرها يمكن أن يغامر مغامراتها، وبالطبع لغيرها حسابات مختلفة لهكذا مغامرة ، لا شك أن مساندة السعودية أو إرضائها أو التشارك العلني معها في تكسير القوانين أو المغامرة المطلقة دون حدود ليست ضمن معايير اتخاذ هكذا قرار لغير السعودية .
تأخرت الولايات المتحدة في إعلان موقف تجاه مسألة الحريري وطرحت موقفها بلغة تخلي مسئوليتها لا أكثر وتترك بن سلمان في غيه يعمه في ذات الوقت ، كذلك فرنسا لم تحدد موقف إلا متأخرة ولكن بلغة أكثر مباشرة من لغة الولايات المتحدة ربما تأثير إعادة رئيسها خائبا هو وراء المباشرة الفرنسية الأكثر ، وفقدت السعودية ” المقود ” وباتت في موقف ضعف تدافع فيه عن خطوتها أو بالأصح تحاول إنكارها وتغيير الصورة أكثر من التوجه للإقدام على الخطوة المخططة التالية أو- في ضل الظروف القائمة – فقدت القدرة على الإقدام بخطوة قادمة أصلا ، وهنا يقوم سؤال ما الذي قلب الأمور بهذا الشكل ونقل الأزمة المفترضة من الداخل اللبناني إلى أزمة سعودية بدرجة أولى؟ .
لا شك أن أهم موقف في إطار إعتمالات استقالة الحريري هو موقف داخلي ربما البعض لم يعره اهتمام أو على الأقل نظر إليه كموقف عادي لا محورية له بين كل هذه الاعتمالات، وهذا الموقف هو موقف تيار المستقبل الذي لولا خروجه محسوبا بوطنية وحرص على لبنان لتغيرت كل هذه الاعتمالات ولدارت عجلة الأزمة داخل لبنان كما هو مخطط لها .
ما فعله تيار المستقبل الذي يمثل الحريري شخصيته المحورية باعتبار عودة الحريري إلى لبنان مسألة ضرورية بالنسبة لاستقالته هو الذي ضيّع الفرصة على السعودية وفرض على الولايات المتحدة أن تنجوا بنفسها – في العلن على الأقل – وأن يأتي الموقف الفرنسي بمستوى رئيس الدولة ، فالبرنامج المخطط للبنان كان مبني على موقف تيار المستقبل الذي كان المخططون يتوقعون أن يمثل لهم ” حامل ” لكل المواقف والخطوات القادمة ولكنه خابهم وجاء كاسرا لظهورهم .
تظل المعادلة السياسية اللبنانية الداخلية هي أكثر المعادلات السياسية الداخلية حساسية في كل الدول العربية ، وهذا الأمر رغم تكلفته السياسية السلبية الكبيرة إلا أنه أفاد لبنان في هذه المرحلة وأنقذها من أزمة كانت ستذهب بلبنان بعيدا ، فالمخطط بنا حساباته على المفارقات الداخلية الحادة وتوقع أن حدث كهذا – استقالة الحريري – سيدفع بتيار المستقبل للتازيم ومن ثم دوران البرنامج المخطط لكنه لم يتنبه – المخطط – لأن المسألة متعلقة بلبنان كدولة دستورا وحكومة ونوابا ومؤسسات ومجتمع التي تفرض على الجميع أن يحدد موقفه من الحفاظ عليها قبل أن يحدد موقفه بما يتناسب مع رؤاه واتجاهاته السياسية من القضايا الوطنية .
يمكن القول أن تيار المستقبل كان بإمكانه أن يذهب في الاتجاه الذي أراده المخطط لو كان الحريري قدم استقالته من على الأرض اللبنانية لأن القضية هنا هي قضية الرؤية والاتجاه السياسي للمكون السياسي لكن تقديم الاستقالة في ظروف غير طبيعية وماسة بلبنان دولة وسيادة ومؤسسات هو الذي قلب القضية إلى قضية لبنان وليس الحريري وليس المستقبل . وهنا فقد المخطط ” حامله ” الأساسي وانقلبت الموازين.
سيستمر الوضع يراوح في مكانه أزمة للسعودية وليس للبنان طالما بقي موقف تيار المستقبل يراوح هو أيضا مكانه ، والمسألة بالنسبة للمستقبل امتحان وطنية نجح فيه ويجب أن يستمر هذا النجاح لأن التحول لفشل سيبدأ معه تدوير العجلة والدفع بلبنان لمنزلق خطير . ويضل موقف المستقبل درس لكل المكونات الوطنية في مختلف الدول العربية بأن مواقفها هي التي يعتمد عليها ( بداية ) ثم يلقى بها جانبا ويتم استكمال تدوير عجلات الأزمات دون أي حساب لها أو لمواقفها أو لمصالحها أو لصالح أوطانها ، وللمستقبل تحية أنه لم يسمح بان يكون موقفه هو ضربة البداية ولو سمح لكانت بالنسبة له هي ضربة البداية والنهاية أيضا وسيستلم ملف لبنان آخرون، وتضل مسألة عودة الحريري لبده مرهونة باستمرار موقف المستقبل كما هو فموقفه هو الذي يضيّق على السعودية بدرجة أولى .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/15