تكريس المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين والمَكيافيلية
أ.د. علي الهيل
لم نسمع إلا من الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) أن كوريا الشمالية ترعى الإرهاب. كوريا الشمالية -إتفقنا أو اختلفنا معها- هي العقبة الكأداء أمام إرهاب الدولة الذي تمثله الدولة العظمى و أمام إرهاب الدول الذي ترعاها الدولة العظمى و على رأس هذه الدول أم إرهاب الدولة “إسرائيل.”
الدول الديكتاتورية في العالم التي تقول دائماً “آمين” كلما قالت الدولة العظمى “و لا الضالين” رغم كل أفعال إرهاب الدولة الذي تمثلها هي دول ديمقراطية و راعية مذهلة لحقوق الإنسان قد طالما أنها تسبح بحمد الدولة العظمى. هذا هو المعيار إذن. هذه الدول تغزو و تشن الحروب و تقتل الأبرياء المدنيين العزّل و الأطفال و النساء و الشيوخ بدم بارد و تهد البيوت على رؤوس ساكنيها و تحول الدول الفقيرة أصلاً إلى أكثر فقراً و بؤساً و تنزل شعوبها ملايين المرات إلى تحت خط الفقر هي دول لا تعتبرها الدولة العظمى دولاً إرهابية و راعية للإرهاب. طبيعي طالما أنها تعطي الدولة العظمى ما تشاء من غير الرجوع إلى الشعوب الذي تساق كالبهائم؛ تأكل و تشرب و تنام فقط.
إذن؛ الديمقراطية و حقوق الإنسان هي قيم إنتقائية و مطاطة و فضفاضة تحددها الدولة العظمى حسب الدولة التي تسير في ركابها. أما الدول الديمقراطية و الداعمة لحقوق الإنسان بإجماع الكون كله ما عدا الدولة العظمى فهي ليست ديمقراطية و لا تكترث بحقوق الإنسان فقط لأنها لا تساير الدولة العظمى.
أمريكا كبيرة و شاسعة و متنوعة و فيها أكثر من ٣٠٠ مليون إنسان. فيها أناس شرفاء و كرام و عظماء و هم بالملايين بَيْدَ أن الرئيس (دونالد ترامب) يسيء إليهم و لا يجدر بزعيمة العالم الحر و لا بأولئك العظماء الأمريكيين أن يقودها هكذا رؤساء.
حار الرئيس الأمريكي (ترامب) ماذا يفعل مع كوريا الشمالية. لذلك أدرجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب. هو لا يستطيع محاربتها لأنه مهزوم سياسيا و اقتصاديا من قِبل الصين التي انتصرت على الدولة العظمى في بحر الصين الجنوبي من غير أن تطلق رصاصة واحدة و هيمنت على أسواق أمريكا و أوروبا و تستثمر في إفريقيا و آسيا و أمريكا الجنوبية بالمليارات من غير الحاجة لترسل الجيوش و تشن الحروب.
أمريكا التي حصلت على زهاء ال٧٠٠ مليار دولار نتيجة إشعالها أزمة الخليج العربي خسرت قرابة ٥٠٠ مليار لترميم ما خلفته حرائق كاليفورنيا و عواصف و فيضانات ولايتي فلوريدا و تكساس و غيرهما. أمريكا التي فرضت مجلس التنسيق السعودي العراقي الذي أصعب من حل أزمة الخليج لا تريد خل أزمة الخليج لأن كلا الأمرين في مصلحتها. كلما طالت الأزمة كلما زاد سباق التسلّح. هذه هي العلاقة الطردية بين المتغيريْن.
العالم العربي يبدو أنه لم يفطن لذلك بعد أو يفطن بَيْدَ أنه مجبر كمن يبلع فأراً. لأن كثيراً من حكامه يخافون من تهديد أمريكا لهم. أما كوريا الشمالية فقد وعت الدرس جيداً و لأنها وعت الدرس جيداً لا تجرؤ الدولة العظمى على غزوها لأن صواريخها الهيدروجينية و الباليستية ستحرق جزيرة جوام و اليابان و كوريا الجنوبية و ربما ولاية كاليفورنيا. أمريكا لا تحترم إلا القوي لأنها قامت أساساً على أساس القوة و البطش. كوريا الشمالية تجيد اللعب مع أمريكا على قاعدة لا يفل الحديد إلا الحديد.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/11/23