عار عليك يا “تركي الحمد” أن تهين شعب فلسطين
د. كاظم ناصر
قال الكاتب والروائي السعودي تركي الحمد في سلسلة تغريدات عبر حسابه على موقع ” تويتر ” إن ” فلسطين لم تعد قضيّة العرب بعد أن باعها أصحابها ” وأضاف قائلا ” لديّ قضيّة بلدي في التنمية والحريّة والانعتاق من الماضي ..أما فلسطين .. فللبيت رب يحميه حين يتخلّى عن ذلك أهل الدار.” وتابع ” ونحن نعاني باسم فلسطين، الانقلابات قامت باسم فلسطين، التنمية تعطلت باسم فلسطين، الحريات قمعت باسم فلسطين وفي النهاية حتى لو عادت فلسطين فلن تكون أكثر من دولة عربية تقليديّة.. كفانا غشا ” وزاد ” في جنوب أفريقيا ناضل الصغير قبل الكبير .. فهل فعل الفلسطيني ذلك؟ لن أدعم قضية أهلها أول من تخلى عنها “
ومع احترامي للسيد تركي الحمد أريد أن أذكّره بشيء يعرفه هو وأجداده والعالم كله وهو أن أهل فلسطين أوفياء لبلدهم ووطنهم العربي، ومتمّسكون بأرضهم، وإنهم يبنون ، ويعمّرون، ويصنّعون، ويزرعون، ويتحّدون الاحتلال على مدار الساعة، ولن يتخلوا عن فلسطين، وسيظلّون أوفياء لها وصامدون على أرضها حتى تحريرها.
وأقول للسيد الحمد إن المثقف الملتزم يبحث عن الحقيقة، وينطق بها، ويلتزم بها، ويعمل من أجل الخير العام، وإن التعميم الذي لا يستند إلى حقائق هو خطأ منطقي لا يمكن قبوله، وإن تهجّمه على شعب فلسطين وإهانته، ليس إلا شهادة شرف يعتز بها الفلسطينيون مقتدين بقول الشاعر أبو الطيّب المتنبي، وإذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأني كامل. ولأسهّل الأمر على تركي الحمد ليفهم ما أعني فإنني أودّ أن أذكره بما يلي :
أولا: الشعب الفلسطيني شعب عريق لا يبيع ولا يباع، ولا يخون ولا يقبل أن يخان، وإنه رغم النكبة أبدع في العلم والثقافة، وأن فلسطين قبل احتلالها كانت جوهرة الوطن العربي، ومن أكثر أقطاره تطورا في التعليم والزراعة والثقافة والبنية التحتية، وكان أهل الحجاز والخليج يهاجرون إليها بحثا عن لقمة العيش، وكان الفلسطينيون يعاملونهم كأخوة وأبناء وطن ويشعروهم بأنهم بين أهلهم وذويهم، فهل تعامل معظم الدول العربية الفلسطينيين بالمثل الآن ؟
ثانيا: التاريخ يشهد أن الشعب الفلسطيني لم ولن يبيع قضيّته وروى تراث وطنه بدمائه الزكية، وقدم تضحيات هائلة خلال المائة سنة الماضية. لقد قام بثورة القدس عام 1920 ، وثورة يافا 1921 ، وثورة البراق 1929 ، والثورة الكبرى التي استمرّت ثلاثة أعوام 1936- 1939 ، والمقاومة التي لم تتوقّف ما بين أعوام 1940 – 1947 ، وشارك ببسالة في حرب 1948، والثورة المستمرة منذ عام 1965 ، والانتفاضة الأولى 1987 ، والانتفاضة الثانية 2000 ، وقدم ما لا يقل عن 100000 شهيد ، ومئات الآلاف من الجرحى، وما يزيد عن مليون أسير فهل الشعب الذي قام بكل هذه التضحيات ” باع قضيّته ؟ ” الذين باعوا القضية وتاجروا بها سرا وعلنا، وتآمروا عليها مع الصهاينة وبريطانيا وأمريكا ودول الغرب الأخرى منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الآن هم الحكام العرب الذين لا يجرؤ الحمد على انتقادهم !
ثالثا : العالم العربي ” لا يعاني باسم فلسطين “؛ إنّه يعاني من استبداد وظلم وجهل حكّامه وشعوبه، والتنمية فيه لم ” تتعطّل باسم فلسطين”؛ الحكام العرب هم الذين نهبوا ثرواته وأضاعوها بغباء، وان ” الحريات لم تقمع باسم فلسطين” ؛ الحريات قمعت لأن الحكام العرب متسلّطين ورثوا الحكم أو وصلوا إليه بالقوة ولا همّ لهم الا البقاء في السلطة، ولأن الشعوب العربية مستسلمة ذليلة لم تتمرّد عليهم، ولم تتحرّك للحصول على حريّتها وحقوقها لأن المثقفين من أمثالك باعوا أنفسهم للشيطان ” ولولي الأمر ” بثمن بخس ! وفشلوا في طرح أفكار حداثة تساهم في إيقاظ الشعوب من سباتها وتحفزها لتغيير واقعها.
إن قولك ” كفانا غشا ” ليس إلا افتراء على الحقيقة. أبناء فلسطين لم يغشّوا أحدا منكم. أنتم الذين خدعتم وغشيتم أنفسكم. الفلسطينيون يدافعون عن الأمة العربية ومقدّساتها، ويضحّون ويستشهدون دفاعا عن وطنهم ولحماية دولكم المتهالكة من التوسّع والاحتلال الإسرائيلي ، فهل هذا هو ما تسمّيه ” غشا ؟ .”
وردا على قولك ” في جنوب أفريقيا ناضل الصغير قبل الكبير، فهل فعل الفلسطيني ذلك ؟ ” .. نعم .. لقد فعل الفلسطيني أكثر من ذلك ، أما أنتم فإنّكم لم تفعلوا شيئا حتى للخلاص من مستبديكم وناهبي أوطانكم. في فلسطين ناضل واستشهد واستبسل الصغير والكبير فداء للوطن العربي ! ألم تسمع بمحمد الدرة وآلاء الأخرس وآلاف الأطفال والرضع الذين قتلهم الصهاينة بدم بارد وهم وأهاليهم يصرخون وإسلاماه، واعرباه ولا من مجيب ؟
هل يمكنك أن تنكر تضحيات مئات آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين استبسلوا في الدفاع عن وطنهم وعنكم ؟ أنت تنافق لإرضاء ولي نعمتك للحصول على مكرمة ” تحسين أحوال ” أو منصب يرضي طموحك المريض، والشعب الفلسطيني لا يهتم بك وبأمثالك من تجّار الثقافة.
رابعا : الفلسطينيون ساهموا مساهمة فعّالة في تطوير التعليم والصحة والإدارة والتجارة في الكويت والسعودية وقطر ودولة الإمارات، وعمان والبحرين، وكانوا في مقدّمة من عمل في قطاع النفط السعودي منذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي كمهندسين وفنييّن وعمال مهرة وكبار إداريين، حيث طالب أول وزير نفط سعودي وهو عبدالله الطريقي بتجنيسهم لأن السعودية كانت بحاجة ماسة لخدماتهم، ولكنهم رفضوا التجنيس حفاظا على هويّتهم الفلسطينية، ومن الممكن أن والدك الذي كان يعمل مع الفلسطينيين في شركة أرامكو أخبرك عنهم وعن دورهم الهام في إدارة الشركة التي كانت عصب الاقتصاد السعودي :
خامسا: في بداية الخمسينيات والستينات والسبعينات من القرن الماضي تعاقدت السعودية مع آلاف المدرسين الفلسطينيين الذين علموك أنت وأبناء جيلك في مدرسة حي ” العدامة ” في الدمام وفي جميع مناطق المملكة، وبناء على هذا يمكنك أن تذهب إلى أي مكان في السعودية وتسال عن ولاء وتفاني المعلمين الفلسطينيين ، وستعلم أن أبناء جيلك وآباءهم يذكرون خدماتهم الجليلة للتعليم وأنهم ما زالوا لهم من الشاكرين.
سادسا : أذكرك بالفلسطينيين خضر حرز الله ، وفاروق الحسيني، وجواد السقا، الذين كانوا من الشخصيات التي ساهمت في تنظيم وزارات الدولة السعودية، وكان عددا آخر منهم من مستشاري ملوك وأمراء المملكة من بينهم رشدي ملحس وجمال الحسيني وفوزي أبو خضرا، وفي عام 1957 استعانت المملكة بالمحامي الفلسطيني الأستاذ أحمد الشقيري وعيّنته سفيرا دائما لها لدى هيئة الأمم المتحدة برتبة وزير واستمر في هذا المنصب حتى عام 1963 .
وأخيرا لا نريدكم أن تدعموا قضيّتنا إذا كنتم تعتبرون ذلك منّة علينا وليس واجبا عليكم لأنّنا لا نريد منّة من أحد. الحكام العرب تاجروا بقضيتنا وتآمروا علينا، والآن يتحالفون علنا مع إسرائيل وأمريكا لتصفية قضيّتنا. دول الخليج دفعت هذا العام فقط ما يقارب 600 مليار دولار ثمن أسلحة وبدل حماية لأمريكا، وأن مئات مليارات الدولارات التي سرقت سائبة في بنوك الغرب لا يستفيد منها العرب شيئا وسيكون مصيرها الضياع، بينما المواطنون في دول النفط والدول العربية الأخرى يعانون من الفقر والجوع والحرمان .
نحن كفلسطينيين نجلّ ونحترم الشعوب العربية، ونثق بوفائها وأصالتها ولا نشكّ بأنّها ستستيقظ وتتحرّك، وتتخلّص من الطغاة وتحصل على حريتها وكرامتها، وإنها عندئذ ستكون قادرة على مساعدتنا في تحرير فلسطين ” بدون ما تحمّلنا أنت وأمثالك يا تركي الحمد جميلة.”
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/12/05