ليبيا... النموذج الصارخ للتدمير الذاتي
قاسم حسين
عادت ليبيا أمس إلى الواجهة في نشرات الأخبار، مع خبر تفجير شاحنة مفخّخة استهدفت معسكر تدريب «الجحفل» في مدينة زليتن، فأوقع 50 قتيلاً و127 جريحاً، حيث كان يجتمع فيه المئات.
مستشفيا زليتن ومصراتة المجاورة أطلقا نداءات عاجلة للتبرع بالدم لإنقاذ أرواح جرحى التفجير، حيث ظلّت ليبيا تعاني من النزاعات الدموية لأكثر من أربع سنوات. وهي صراعات بين أطراف متنازعة على السلطة، ذات أصول قبلية وسياسية متنافرة. فالصراع المطلوب لتدمير المنطقة لا يشترط دائماً أن تكون الأطراف من مذاهب أو طوائف مختلفة، بحيث يُفسّر على أنه خلافات سنية شيعية، أو إسلامية أو مسيحية أو كردية، وإنّما يكفي أن يكون اختلافاً قبلياً أو مناطقياً، لتأجيج صراعات دائمة تضمن استمرار ما أسماه المفكّر والوزير اللبناني جورج قرم «عملية التدمير الذاتي».
قبل شهر واحد، جرت آخر محاولةٍ أمميةٍ لرأب الصدع، بجمع الليبيين على مشروع توافق وطني، ولكن قبل أن يُعلن التوصل إلى حكومة وحدة وطنية، كانت هناك حكومة أمرٍ واقعٍ أخرى تعلن رفضها للاتفاق.
اليوم، هناك مؤشرات خطيرة من تمكن عناصر «داعش» من إيجاد موطئ قدمٍ للتنظيم في هذا البلد الشاسع المساحة، مستغلاً حالة الفراغ الكبير. ولا تقتصر الخطورة على تواجد التنظيم في ليبيا وحدها، وإنّما سيشكل ذلك تهديداً للدولتين المجاورتين، مصر في الشرق، وتونس في الغرب، حيث ترتبط بهما ليبيا عبر حدود تمتد لمئات الكيلومترات. وكلا الدولتين ظلتا تعانيان من الأعمال الإرهابية في الأعوام الماضية، وخصوصاً مصر التي دخلت في حرب يومية مع عناصر التنظيمات التكفيرية في شبه جزيرة سيناء، حيث أعلن «داعش» مؤخراً عن قيام إمارة له في سيناء.
في ليبيا، هناك حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس الغرب والأخرى في الشرق، وتدعم كلاً منهما قوى خارجية وميليشياتٌ وقواتٌ محلية، وتتقاسمان الثروة والبترول والنفوذ. وربّما تبرز «داعش» الآن كقوةٍ ثالثةٍ تهدّد الطرفين. وفي هذه الحالة سيكون الشمال الأفريقي كلّه مهدّداً بمشروع الخراب الكبير الذي تبشّر به هذه الحركات التكفيرية المتطرفة. وهو ما يؤكد بأن ما يجري في المنطقة من مخاضٍ عسير، ليس صراعاً بين مذاهب وطوائف، أو أقليات وأكثريات، وإنّما هو صراع على المصالح والنفوذ، يتم إلباسه غطاءً دينياً أو طائفياً عن سابق عمدٍ وإصرار. ويأتي كل ذلك في مرحلة ما بعد إخفاق ثورات الربيع العربي التي قادها الشباب، وإغراقها بالدم والدموع.
في الشطر الأول من العالم العربي، تم توريط هذا الحراك بالصراعات الطائفية والمذهبية، أما في الشطر الثاني، حيث النسيج الديني والمذهبي الواحد تقريباً، فكان لابد من إيجاد بدائل لاستدامة النزاع الداخلي، لأطول فترة ممكنة، من أجل ضمان عملية الاحتراق والتدمير الذاتي. ويساعدها على ذلك وجود بيئة خصبة ذات إرث تاريخي وعصبوي قابل للاشتعال، بمجرد إلقاء عود الثقاب.
ليبيا ليست وحدها، فهناك العراق وسورية واليمن وسواها، تقدّم نماذج أخرى لعمليات الاحتراق والتدمير الذاتي.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/08