هل يصلح العطار ما أفسد «الهدر» ..!
عبدالله المزهر
كان مؤتمر برنامج «حساب المواطن» الأخير أشبه بالاستهلال في بداية الخطبة، كلام جميل لكنه غير مفيد ولا علاقة له بموضوع الخطبة نفسها. ثم ألحق ذلك الاستهلال باستهلال آخر في القناة السعودية الأولى، حيث استقبل مدير البرنامج عشرات الأسئلة المختلفة والمتنوعة عن حساب المواطن، لكن الإجابات لم تكن مختلفة ولا متنوعة، كانت جوابا واحدا لكل الأسئلة، وهو: في 21 ديسمبر سنوضح الأمور.
لن أسأل لماذا لم يتم تأجيل المؤتمر حتى ذلك التاريخ، أو لماذا لم تعلن كل الأشياء اليوم، لأن المؤتمر واللقاء كان فرصة للتعرف أكثر على مدير هذا البرنامج الذي سيكون في قادم الأيام من أكثر الشخصيات التي يعرفها السعوديون.
المواطن هو طرف ثابت في كل هذه البرامج والإصلاحات المهمة والضرورية، يعتقد أنه الطرف المتضرر، ويؤمن بأنه الطرف الذي يدفع فاتورة الإصلاحات وحيدا عاري الظهر والبطن. لم يكن له يد في هدر الأموال، لكنه الآن يقوم بدور العطار الذي يريد إصلاح ما أفسده الهدر.
لا أظن أن مواطنا لا يريد أن تتعدل الأوضاع، وأن يتم إصلاح ما أفسدته السنون، لكن هذا المواطن كائن بشري مثل جميع شعوب الأرض. يضايقه ـ قليلا ـ أن تفرض عليه الضرائب والرسوم، وأن تزيد عليه أسعار الخدمات. هذا يحدث في كل مكان في العالم، ولا علاقة لهذا بحب الوطن أو بالوطنية كما يحاول «البعض» أن يوهموا الناس بأن تململهم من الضرائب والرسوم خلل في وطنيتهم وحبهم لوطنهم.
ولم يحدث ولن يحدث في أي مكان على هذا الكوكب، وبشكل شبه مؤكد في الكواكب والمجرات الأخرى التي قد توجد فيها حياة، أن يكون الناس ـ أو حتى المخلوقات الفضائية ـ سعداء بزيادة الرسوم والضرائب.
والسواد الأعظم من البشر يصعب إقناعهم بفكرة أن عذابك اليوم هو السبيل الوحيد لراحتك غدا. ويستحيل ـ تقريبا ـ إقناع عاطل بشري بأن تسريح الموظفين هو من أجل علاج البطالة، لأن الحياة قصيرة والكل يريد أن يكون سعيدا اليوم، وهذه هي العقبة التي تواجه كل برامج الإصلاح الاقتصادي في كل الدنيا.
لكن هذا لا يمنع أن أعيد ما قلته سابقا بأن المرض كان مؤذيا جدا ولذلك فإن العلاج مؤلم. وما زال الأمل موجودا أن يكون هذا الألم موقتا، وأن يكون العلاج سريعا وفعالا.
فشل العلاج ـ لا سمح الله ـ ضرره لن يكون اقتصاديا فحسب، بل إنه سيؤثر بشكل عميق في إيمان الناس بالأشخاص الذين منحوهم ثقتهم. وهذا أمر يصعب جدا تداركه إن حدث.
وعلى أي حال..
التفاؤل هو الخيار الوحيد المتاح، والثقة بأن الغد سيكون أجمل هي السبيل الوحيد لعيش اليوم بسعادة. وبالطبع فإني لا أعني بالغد يوم 21 ديسمبر، ولكني أعني الغد الذي سيعيش فيه أبنائي ويبحثون فيه عن تعليم وعمل وسكن وصحة وحياة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/12/14