اتفاق أوسلو أخطر من وعدي ترامب وبلفور
عبد الستار قاسم
المقارنة بين ما قامت به منظمة التحرير بعد اعترافها بالكيان الصهيوني من جهة وبين السياسات البريطانية والأمريكية من جهة أخرى ضرورية. ومن الضروري إجراء دراسات مقارنة عساها تفيد في تطوير وعي الفلسطينيين والعرب بمجريات وتطورات القضية الفلسطينية، وهذا المقال يشكل محاولة سريعة لإجراء المقارنة عسانا نتوقف عن الظنون لصالح البحث عن الحقيقة العلمية.
خرج جمهور عريض من الشعب الفلسطيني عام 1988 للاحتفال في الشوارع ابتهاجا بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني الذي كان منعقدا في الجزائر، والتي تضمنت بشكل أساسي الاعتراف بالكيان الصهيوني والذي تم تغليفه حينئذ بإعلان الدولة التي لم تقم. واحتفل هذا الجمهور ثانية عام 1991 مع انعقاد مؤتمر مدريد على اعتبار أننا أجبرنا الصهاينة في النهاية على التحدث معنا. ولم يتأخر هذا الجمهور عن الاحتفال بعد اتفاق أوسلو عام 1993. فهل ينظر المحتفلون الآن خلفهم ليروا نتائج ما صفقوا له؟ وهل ينظرون بوجوه الذين ساقوهم للاحتفال بدوافع فئوية وليست وطنية؟
اتفاق أوسلو أخطر بكثير من وعدي ترامب وبلفور، لكن المؤسف أن غياب الوعي السياسي والوطني يجعل الناس بصورة عامة أداة بأيدي الغير، فيظنون أنهم يعرفون ما يجري ليكتشفوا بعد حين أنهم لم يكونوا سوى بلهاء تتقاذفهم الأهواء
قرار ترامب خطير ويؤسس لمزيد من القرارات الأمريكية ضد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. أفاد ترامب سابقا أنه مع يهودية دولة الكيان، وسيأتي اليوم الذي يطالبنا فيه بالاعتراف بيهودية الدولة، وسيأتي يوم يدفع فيه باتجاه تهويد الضفة الغربية، أي تأييد البناء الاستيطاني المكثف، وتحويل التجمعات السكانية الفلسطينية إلى مجرد أفلاك تستمد مصدر رزقها من العمل في المستوطنات الصهيونية. وسيأتي يوم تعلن فيه أمريكا أن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ساقط قانونيا وفعليا وذلك لأن الفلسطينيين يعترفون بالكيان الصهيوني ولا حق لهم بالمطالبة بتغيير النسيج السكاني القائم لدى الكيان المعترف به دولة ذات سيادة. وفعليا ساقط لأن اللاجئين قد استقروا في دول عربية وانتهى
لكن ترامب لم يقدم فلسطين للصهاينة وإنما قرر الاعتراف بالقدس عاصمة لهم. وفق اتفاق أوسلو، منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت للصهاينة بأن 78% من فلسطين لهم. فأيهما أكثر خطورة ؟ قرار منظمة التحرير أم قرار ترامب؟ طبعا علينا مواجهة قرار ترامب ويجب أن نبقى مستنفرين دفاعا عن حقوقنا ومن أجل تحرير وطننا، لكن علينا أن ننظر إلى ما تفعل أيدينا. ترامب لم يقل إن القدس خارج المفاوضات العبثية لكنه يمهد لذلك، وهو لم يتوعد إذا حارب الفلسطينيون قراره، ولم يطلب من الفلسطينيين الدفاع عن الأمن الصهيوني. قرار ترامب لا يحرمنا من أفق المقاومة وحشد الطاقات من أجل التخلص من الاحتلال وإعادة اللاجئين إلى وطنهم.
أما بلفور فأعطانا في وعده حقوقا مدنية ودينية، لكن اتفاق أوسلو لم يعطنا أي حق. كثير من الناس يظنون أن اتفاق أوسلو ينص على إقامة دولة فلسطينية وعلى حق اللاجئين في العودة. هذا ظن غير صحيح ولا أساس له، وعلى من لم يقرأ اتفاق أوسلو بخاصة من القيادات التي وقعته أن يبحث عن نسخة ويطلع عليها. اتفاق أوسلو أقام سلطة فلسطينية والتي هي مطلب صهيوني منذ عام 1968. حاول الكيان الصهيوني إقامة سلطة عربية أو فلسطينية منذ عام 1968 بهدف التخلص من صورته ككيان محتل والتخلص من إدارة شؤون السكان في الضفة والقطاع. وتم تقديم الطلب بداية إلى الملك حسين، وحذرت المنظمة الملك في حينه من قبول العرض على اعتبار أن القبول يعني خيانة القضية. امتنع الملك عن الموافقة، وبقيت الأمور معلقة حتى ظهر السادات الذي أيد إقامة حكم ذاتي فلسطيني ووصفناه عندها بالخيانة. وانتهى الأمر إلى أن قبلنا بالحكم الذاتي وإقامة سلطة فلسطينية.
بلفور الذي لا يملك أعطى من لا يستحق، أما في اتفاق أوسلو، أعطى من يملك من لا يستحق وهذا أخطر بكثير. نحن لم نعترف بوعد بلفور ولا بالكيان الذي أقامه، وبقي الباب أمامنا مفتوحا لمجادلة المجتمع الدولي والقوانين والمواثيق الدولية، وبقي حقنا في المقاومة واسترجاع حقوقنا قائما، لكن اتفاق أوسلو وظف عددا كبيرا منا للدفاع عن أمن الكيان الصهيوني، ووضع الفلسطيني ضد الفلسطيني، ووجه الفلسطيني بندقيته إلى صدر أخيه الفلسطيني بمواثيق وعهود مع العدو.
عطاء من يملك من لا يستحق خطير لأنه يسقط حق الشعب الفلسطيني بالمطالبة بوطنه وبعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم في الأرض المحتلة/48. أمام العالم، كان بإمكاننا شن الحرب الإعلامية والأخلاقية على بلفور وعلى بريطانيا وكل الدول الاستعمارية التي وقفت ضدنا، لكننا حشرنا أنفسنا في زاوية المذلة والخنوع بعد اتفاق أوسلو.
هل فعلا يريد من وقع أوسلو حقوقا فلسطينية؟ ليس بعد الاعتراف بالكيان الصهيوني ذنب وطني.
باختصار، وعود الاستعماريين لا تسجل ضدنا، بل هي تحفزنا إلى التلاحم والعمل الجماعي من أجل مواجهة الأعداء، أما وعودنا نحن هي التي تقصم ظهورنا. لقد قام بعضنا بعمل إجرامي مرعب ضد قضيتنا، وعلينا جميعا أن نتحد من أجل التخلص من اتفاق أوسلو وآثاره القاسية التي ترتبت على تطبيقه. نحن لا نريد أن نكون حراسا على الصهاينة، ولا نريد توجيه البندقية إلى صدورنا. والأولى أن نتخلص من اعتداءاتنا على قضيتنا لنتفرغ للتخلص من اعتداءات الآخرين علينا.
ولا يزايدن فصيل فلسطيني على آخر في هذا الصدد، فكل الفصائل متورطة في أوسلو بشكل أو بآخر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/12/27