التنازلات العربية بالجملة والموقف الصهيوني يسير بثبات بخطط مرحلية نحو إسرائيل الكبرى..
د. عبد الحي زلوم
كان مصدر القلق الوحيد بالنسبة للقادة الإسرائيليين هو: مصدر التهديد الداخلي أو ” قنبلة الأرحام” التي يمثلها الفلسطينيون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة الجديدة.
وفي ذلك يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف:” قال إيشكول لأعضاء اللجنة السياسية في حزبه خلال اجتماع لمناقشة مستقبل الأراضي المحتلة حديثاً أرغب بالاحتفاظ بغزة بشدة، إلا أنها وردة محاطة بكثير من الأشواك… الفلسطينيون.. ليس هناك من خيار سوى منح الفلسطينيين “وضعاً خاصاً”. في غضون ذلك كانت هناك لجنة مكلفة بالبحث عن أماكن لتوطين اللاجئين. وبالنسبة للضفة الغربية قال إيشكول بأن الحدود ستكون نهر الأردن، وبأن إسرائيل لن تتنازل عن أي شيء بدون السلام. توصل الوزراء لقرارين: الاحتفاظ بكامل الضفة الغربية حتى نهر الأردن كما سبق وأن طالب ميناحيم بيغن، والسيطرة على المناطق المنزوعة السلاح على طول الحدود السورية. كرر إيشكول القول بأنه يرغب بالاستيلاء على بانياس أيضا، و خرج إيغال آلون بفكرة أفضل حول ما ينبغي فعله بالجولان. ففي مذكرة سرية رفعها إلى رئيس الحكومة شرح آلون تصوره الخاص بتشجيع الطائفة الدرزية التي تشكل أغلبية في المنطقة الجنوبية المحتلة من سوريا على الثورة والمطالبة بالاستقلال عن دمشق . واقترح آلون بأن الدروز الإسرائيليين ممن يخدمون في الجيش قادرون على لعب دور أساسي في هذا المشروع. كان آلون يرى في دولة درزية في الشمال منطقة عازلة بين إسرائيل وكل من سوريا والأردن وستساعد إسرائيل في الحفاظ على الجولان إلى الأبد.
أما رعنان وييتز، الذي ترأس والده مشاريع الاستيطان لسنوات، فيرى في المشكلة الديمغرافية مصدر خطر داهم على إسرائيل.. ويقول في هذا الشأن بأن العرب في المنطقة المخصصة لليهود في قرار التقسيم كانوا بحدود 200 ألف نسمة قبل حرب 1948 ليصلوا الآن إلى أقل من مليون بقليل.. عن هذه المشكلة كتب وييتز يقول:” هذه المشكلة تنغص علي حياتي وتخنق الفرحة وتقتل أي رغبة في الاحتفال لدي”.
كما أسلفنا سابقاً فقد كان الجيش الإسرائيلي يخطط لغزو المناطق التي تم الاستيلاء عليها في حرب1967، وبأن هذا التخطيط يعود لسنوات إلى الوراء وتحديداً لعام 1963، ووصل وقتها مرحلة تحديد اسم الحاكم العسكري للضفة الغربية التي سيتم احتلالها طبقاً للخطط وهو الجنرال حاييم هيرتزغ. بل إن الجيش كان قد أعد سلفاً كتيبات إرشادية تم توزيعها على الحكام العسكريين المرشحين لإدارة المناطق المحتلة مستقبلاً، تتضمن الهياكل التنظيمية للحكومة العسكرية وإرشادات لكيفية إدارة السكان المدنيين تحت الاحتلال.. وعليه فإن الحكومة العسكرية بدأت العمل حتى قبل انتهاء القتال. وفي ذلك يقول توم سيغيف في كتابه عن حرب يونيو 1967:
” حددت الكتيبات الإرشادية للحكام العسكريين مهامهم الأولية التي تتعلق أكثر ما يكون بـ: الأمن، وجمع السلاح وإزالة الألغام، واعتقال العناصر المعادية بموجب قوائم جاهزة أعدها الجيش، ودفن الموتى. كان يترتب على الحاكم العسكري الشروع في تشغيل وحدات الاستخبارات تتولى عملية جمع المعلومات عن المنطقة، بما في ذلك التضاريس الجغرافية والطرق والشوارع، والساحات والحدائق ومراكز البريد والمصانع والمدارس، وأماكن العبادة والمتاحف والمكتبات والمطابع والمقابر، بل وأوكار الدعارة إن وجدت. كان المطلوب من الحاكم التصرف على أساس الافتراض بأن المناطق المحتلة ستظل في قبضة إسرائيل إلى أجل غير مسمى. كان على الحاكم العسكري تحديد أسماء وهويات وجهاء كل منطقة، والتحرك السريع والجاد لتجنيد العملاء المحتملين المستعدين للتعاون مع سلطات الاحتلال”.
من جانبه اعترف حاييم هيرتزغ بأنه استعد للمهمة التي تنتظره كحاكم عسكري قادم للضفة الغربية قبل سنوات من احتلالها، بما في ذلك الحرص على قراءة الصحف الأردنية يومياً ومتابعة تطورات الأحداث في المنطقة .
من جانبه كان موشيه دايان يفضل منح الضفة الغربية الحكم الذاتي مع بقاء الأمن والسياسة الخارجية بيد إسرائيل. وفي هذا يقول وزير الدفاع السابق:” إذا اتضح بأن خيار الحكم الذاتي غير موات، وبأنه يترتب علي الاختيار بين عودة الضفة إلى الأردن- باستثناء القدس- أو أن يصبح سكانها العرب مواطنين إسرائيليين، فسأختار عودتهم للأردن.”
ومن الخيارات التي ناقشتها القيادة الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية بعد احتلالها إمكانية إخضاعها لحكم إسرائيلي أردني مشترك وذلك لنقل أعباء المواطنة في الضفة الغربية إلى الأردن مع احتفاظ الكيان الصهيوني بالأرض وشؤون السياسة والدفاع. أما في حالة منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في الضفة فقد استعد دايان لهذا الخيار بخطة تقوم على نشر مواقع عسكرية ومستوطنات يهودية على قمم الجبال في قلب المناطق المزدحمة بالسكان العرب.
كان ميناحيم بيغن من أشد المعارضين لخيار إعادة الضفة الغربية للسيادة الأردنية، لأنها وبكل بساطة أرض إسرائيل. كان أقصى ما يمكنه الذهاب إليه في هذا المجال التنازل عن الضفة الشرقية ليبقى الملك حسين على شرق الأردن بعد توقيع معاهدة سلام معه. غير أن بيغن كان على استعداد لإعادة سيناء إلى مصر بموجب معاهدة سلام كامل. وفي الوقت نفسه حرص بيغن على التأكيد بأنه ليس هناك حاجة للاستعجال في هذا الأمر، وبأن تترك هذه القضية لتحل مع الزمن .وحسب بيغن يتم تخيير الفلسطينيين بعدها إما القبول بالجنسية الإسرائيلية أو الرحيل عن البلاد.
وهذا د.إسرائيل إلداد يأخذ على بيغن “اعتداله”. فهذا الصهيوني المتصلب يؤمن بإسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات الذي أتخذه شعاراً للحزب السياسي الذي أسسه تحت اسم: حزب أرض إسرائيل. في عام 1970 أرسل إلداد إلى الحاخام مائير كاهانا رئيس رابطة الدفاع اليهودي يطلب منه القدوم إلى إسرائيل لتحقيق حلمهما المشترك.
جاء التقرير الذي أعدته لجنة خبراء شكلتها الحكومة بعد الحرب متضمناً عدداً من التوصيات الخاصة بمستقبل الأراضي المحتلة. ومما جاء في التقرير القول: “ستكون الدولة الفلسطينية المقترحة “تحت وصاية جيش الدفاع″ وبدون جيش، ولكن يسمح لها بالاحتفاظ بقوة شرطة. وسيكون هناك تمثيل عسكري إسرائيلي لدى حكومة فلسطين ووجود دائم للجيش الإسرائيلي في وادي الأردن، وسيتكفل جيش الدفاع بتوفير الحماية للدولة الفلسطينية من التهديدات الخارجية. وفي حين أن الحدود بين فلسطين وإسرائيل ستقام على أساس خطوط تقسيم 1948 إلا أن إسرائيل ستقوم بضم بعض المناطق بما فيها ممر اللطرون. وحفاظاً على ” ماء الوجه ” بالنسبة للفلسطينيين، فإن إسرائيل “ستتخلى” عن بعض قراها العربية. وستحظى الدولة الفلسطينية بمدخل إلى البحر من خلال مرفأ إسرائيلي وممر حر يربط الضفة الغربية بغزة. وفي حين أن القدس الشرقية ستبقى ضمن إسرائيل فإنه سيسمح للفلسطينيين بإدارة “بلدية فرعية” في البلدة القديمة، وسيكون هناك وضع خاص للأماكن المقدسة. وسيكون باستطاعة الدولة الفلسطينية إقامة عاصمتها في أقرب نقطة ممكنة من القدس لتصبح جزءاً من القدس الكبرى. وفيما يتعلق بمشكلة اللاجئين فإن إسرائيل ستعمل على حلها من خلال الأموال الدولية التي ستشجع اللاجئين في الضفة وغزة على الهجرة منها والاستقرار في دول أخرى. وكخطوة أولى باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية ، فإن التقرير الذي شارك فيه ديفيد كيمحي من وزارة الخارجية، اقترح جمع عدد من الشخصيات الفلسطينية في مؤتمر تشارك فيه طواقم من الجانبين. ومع أن التقرير يعود لتاريخ 14 يونيو 1967 أي بعد أربعة أيام فقط من وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يكن الأول من نوعه: فقد بدأ موشيه دايان وأبا إيبأن في تلقي مقترحات مماثلة لإقامة دولة فلسطينية بتاريخ 9 يونيو”. بعد حرب يونيو مباشرة أمر رئيس الوزراء ليفي إيشكول بتشكيل لجنة من أربعة خبراء تعمل بالتنسيق مع الاستخبارات وتتلقى تعليماتها من لجنة رؤساء الأجهزة. كانت مهمة لجنة الأربعة مخاطبة الزعماء الفلسطينيين بـ:” كل أدب واحترام ولكن بحزم ووضوح”، بهدف التأثير عليهم مع التأكيد لهم بأن اللجنة ستكون قناة الاتصال الحصرية بين الفلسطينيين وإسرائيل.
اقترح آلون إعادة توطين لاجئي غزة في العريش- شمال سيناء الأمر الذي لقي الموافقة من بيغن.
من الغريب بل والمفارقات أن رؤساء البلديات والشرطة بل والمخابرات في الأراضي المحتلة بقوا أنفسهم ما قبل وبعد الاحتلال بل وأن قوائم المطلوبين السياسيين في تلك الحالتين كانت واحدة . ويمكن ملاحظة أن مباحثات مجلس الوزراء ولجان الدراسة الأمنية والسياسية كانت تفترض عدم الاكتراث بأي ضغوط دولية معتمدين على دعم الامبراطورية الصيهوأمريكية بلا حدود.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية:” أعد روبرتو باتشي، أستاذ الإحصاء وشؤون السكان، تقريراً سرياً أطلق فيه صرخة تحذير من الخطر السكاني، الذي يمثله تصاعد معدلات الإنجاب في الوسط العربي في فلسطين، والذي كان الأعلى على مستوى العالم. وحتى تحقيق اليهود أغلبية بسيطة ما بين2-3% خلال خمس سنوات فإنه ينبغي استقدام ما لا يقل عن مليون مهاجر أي بمعدل 200 ألف سنوياً.. ومع ذلك فإن الأغلبية اليهودية هذه لن تصمد إلا لفترة بسيطة بسبب معدلات الإنجاب المرتفعة للعرب. ولتحقيق الهدف الصهيوني اقترح باتشي: تهجير “جزء كبير” من عرب إسرائيل إلى البلاد العربية”.
وجدت فكرة التهجير طريقها للتنفيذ أكثر ما يكون في حرب 1948 لتكون النتيجة تهجيراً جماعياً قسرياً طال مئات الألوف من الفلسطينيين أصبحوا الآن ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة، بعضهم لا يزال يحتفظ بمفاتيح منازلهم وصكوك ملكية “قواشين” أراضيهم ومزارعهم في فلسطين ويرفضون الاستسلام لليأس. ومنهم من يقول: إذا كان اليهود تمسكوا بحق العودة لأرض لا يملكونها فهم أحق بهذا التمسك بالعودة لأرض يملكونها وطردوا منها حتى لو ترتب عليهم الانتظار عدة عقود أخرى.
من الملاحظ أن كافة الطروحات التي تقدمها أمريكا أو الكيان الصهيوني هذه الأيام هي ضمن قرارات قد تمّ اتخاذها قبل حرب 1967 وتم إعادة تأكيدها بعد الحرب بأسابيع . وبالرغم من كل هذا الوضوح وبالرغم من أن وزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني قد قالوا أن المشكلة الكبرى ستكون في انبعاث المقاومة في الداخل حيث لا تنفع معها أي تفوق عسكري ولو كان نووياً .
بدأت المقاومة الفلسطينية من شباب مخلصين وتم اختطافها من قيادات لم يعرف لها أصل ولا فصل نصبها رؤساء أنظمة سايكس بيكو في الرباط كممثلين وحيدين على الشعب الفلسطيني فبدؤا بمهرجانات من التنازلات أولاً بالتنازل عن 78% من فلسطين . وعندما قامت ثورة حقيقية اسموها الانتفاضة الأولى دامت أكثر من 5 سنوات عجزت الأجهزة الأمنية الصهيونية كافة من إخمادها جاء دايناصورات أوسلو في الظلام لاختطاف تلك الثورة وكان أول ما قام به هؤلاء الديناصورات الأشاوس هو تكوين فرقة الأمن الوقائي المكونة من 15 ألف جندي تمّ تنسيقها في تل أبيب بين أبطال أوسلو والمخابرات المركزية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حسب ما جاء في كتاب “حروب الأشباح” للكاتب الأمريكي ستيف كول.وما زال العرب يتهافتون على استرضاء دولة الأعداء بلا حياء وما زال دايناصورات أوسلو يقومون بعملهم في الحراسة والكناسة بإمتياز . وبداية التحرير تبدأ من التحرر من هؤلاء .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/05