الفلسطينيون لن يكونوا هنود حمر القرن الـ21
علي الصالح
فلْنُعد أنفسنا لما هو مقبل، الذي قد يكون أعظم، فضم المستوطنات وقانون القدس الموحدة، ومشروع قانون الإعدام، والاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ووقف المساعدات المالية للفلسطينيين، ما هي إلا جزء من مخطط إسرائيلي أمريكي أوسع.
الآن وبعدما ظنوا أنهم أكملوا الدائرة، وأطبقوا الخناق على القدس بهذه القوانين والقرارات، وحصل نتنياهو على مراده لتعزيز وضعه الداخلي، الذي يهز أركانه مسلسل فضائح الفساد المالي، وسوء استخدام السلطة المتورط بها وزوجته سارة، سيحاول إلهاء الجمهور الإسرائيلي بتوجيه مزيد من اللكمات المتسارعة للفلسطينيين لخلق البلبلة في الموقف الفلسطيني، الذي يبدو حتى الآن متماسكا وواضح الرؤية. ويتوقع أن تكون اللكمة الجديدة السعي لوقف استخدام مصطلح الاحتلال لوسم الجيش الإسرائيلي، وكذلك مصطلح المحتلة لوصف الأراضي الفلسطينية عام 1967.
وبدأ نتنياهو وحكومته بالفعل في تحريك المياه الراكدة في هذه القضية، عبر السفير الأمريكي في تل ابيب ديفيد فريدمان، الصهيوني الأكثر تطرفا ليس من نتنياهو فحسب بل نفتالي بنيت وايليت شاكيد.
وقد تقدم فريدمان الذي وصف الاحتلال بالمزعوم، ويمتلك شقة في حي الطالبية في القدس، فعلا بمثل هذا الطلب إلى وزارة الخارجية.. والحق يقال إن الخارجية الأمريكية رفضت الطلب. وفي رواية أخرى فإن الخارجية بعدما رفضت الطلب بداية عادت وردت بأنها ستدرس الموضوع في الوقت المناسب، بعد ضغوط من جهة عليا. وعادت الناطقة باسم الخارجية عند الاستفسار منها حول الموضوع، يوم الثلاثاء الماضي، وقالت إن شيئا لم يتغير «بعد!» في هذه القضية.
والشيء بالشيء يذكر فإن صحيفة سعودية شبه رسمية سبقت فريدمان، ومن قبله نتنياهو بسنوات في هذا الفضاء، وأوقفت بـ»فرمان» استخدام مصطلح الاحتلال في وصف جيش الاحتلال والمحتلة في وصف الضفة وقطاع غزة ولها «الفخر» في ذلك وبإمكنها أن تدعي الفوز بالميدالية الذهبية في هذا المجال.
وفي السياق نفسه، احتجت إسرائيل لدى اتحاد كرة السلة في الولايات المتحدة لاستخدامه مصطلح «فلسطين- أراضي محتلة» وفقا لأدبيات الأمم المتحدة، ما اعتبرته دولة الاحتلال موقفا استفزازيا وغير دقيق. وكتبت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف في رسالة للاتحاد أن «هذا المصطلح يشرع تقسيم دولة إسرائيل، ويشكل تدخلا سافرا ويتناقض مع الموقف الرسمي للإدارة وإعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل». وبالفعل فقد أزالت الرابطة اسم فلسطين والأراضي المحتلة واعتذرت. وقد يأتي اليوم، ولن يكون بعيدا، الذي ستطالب فيه دولة الاحتلال بوقف استخدام كلمة فلسطين والفلسطينيين واستبدالها بأسماء أخرى.
هذا كله ليس أكثر من خطوات تعكس محاولات إسرائيلية استغلال الظروف التي خلقها وجود ترامب في البيت الأبيض، وشلة الصهاينة التي تحيط به ممثلة بصهره جاريد كوشنر ومسؤول ملف ما يسمى بعملية السلام جيسون غرينبلات وطبعا السفير فريدمان، وثلاثتهم من اليهود المتزمتين، يضاف اليهم ستيفن منوخين وزير المالية وستيفن ميلر مستشار كبير للسياسات، وكارل أيكان مستشار خاص في قضايا الإصلاح التنظيمي، وغاري كوهين رئيس مجلس الاقتصاد الوطني في البيت الأبيض، وبوريس ابيشتاين المساعد الخاص للرئيس ومدير الاتصالات، وديفيد شولكين وزير شؤون المحاربين القدامى، وريد كورديش مساعد الرئيس للمبادرات داخل الحكومات والتكنولوجيا وافرهام بيركوفيتش مساعد خاص للرئيس.
كل هذا النفوذ والدعم المالي والسياسي والعسكري، لا يخفف من روع دولة الاحتلال التي ترى المعركة معركة وجود مع الفلسطينيين. وصمود أكثر من6 ملايين فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية هو مصدر القلق ولن يزول طالما بقي الشعب الفلسطيني وسيبقى.
وبقدر كون الوجود الفلسطيني مصدر قلق لدولة الاحتلال، فهو مصدر القوة للفلسطينيين. ومن مصادر القوة أيضا استعداد هذا الشعب شيبا وشبابا ونساء وأطفالا للتضحية والعمل معا لإسقاط كل المؤامرات، كما فعلوا في الماضي. وثالث قوة هي عدالة قضية الفلسطينيين. ورابعا الدعم الدولي منقطع النظير للموقف الفلسطيني، الذي إن لم يستثمر على نحو صحيح فإنه سيضيع هباء منثورا.
جميع الإجراءات التي اتخذتها حكومة وكنيست الاحتلال باطلة، وهم يدركون بطلانها جيدا، وتعكس خوفا وضعفا، كما هو القرار الأمريكي بوقف المساعدات المالية للفلسطينيين، دليل ضعف وعجز لا قوة أمام موقف فلسطيني صلب، فالفلسطينيون لا يخضعون للابتزاز، والقدس ومقدساتها ليست للبيع، فلتذهب إلى الجحيم هي ودولاراتها وفتاتها. أما اللاجئون الفلسطينيون فمسؤوليتهم هي مسؤولية سياسية دولية يقع كاهلها على الأمم المتحدة المسؤولة عن خلق هذه المشكلة، بقرار تقسيم فلسطين المجحف والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.
وثبات الموقف الفلسطيني ومقاومة كل الضغوط والإغراءات المالية، والتمسك بالثوابت، المقصود طبعا الموقف الرسمي، هو الضامن للصمود والمقاومة بجميع أشكالها. فالموقف الرسمي الرافض للعودة إلى أي مفاوضات والرافض لبقاء واشنطن وسيطا في اي تسوية سياسية، بعد أن دقت آخر مسمار في نعش مصداقيتها، هو الذي جعل الإدارة الأمريكية تتخبط بإصدار التهديدات يمينا ويسارا، إلى حد إطلاق سفيرها في تل أبيب ديفيد فريدمان، كلمات نابية في وصف الرفض الفلسطيني أنه «قبيح واستفزازي ومعاد للسامية» نستطيع أن نتفهم انه قبيح واستفزازي من وجهة نظرهم لأنه يشكل تحديا لأقوى دولة في العالم، فكيف يمكن أن يكون معاديا للسامية؟
يجب أن ندرك أو لنقل يجب أن نعمل على إعادة اكتشاف نقاط قوتنا وهي عديدة، كما سلف ذكره وأكثر مما نتوقع. وهنا اختلف مع الكثير من المتشائمين، الذين توصلوا إلى قناعات بأن كل شيء معد ومرتب لشطب فلسطين والفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وقد يكون هذا ما تصبو إسرائيل وحليفتها إليه، لكنهم لا يدركون أنه لا يمكن شطب (الشعب الفلسطيني) الرقم الصعب من حساباتهم. هذا الشعب الذي كان دوما وهذا ليس مبالغة ولا محاولة لرفع المعنويات، بل حقيقة وواقعا، يمسك بمفتاح الحل. لا يمكن تجاوزه مهما حاولوا الالتفاف عليه، فهو أساس المشكلة في الشرق الأوسط، التي ستبقى قائمة طالما لم يحصل على حقوقه، ولن تكون هناك قوة في العالم قادرة على تجاوزه حتى إن تآمر معها «الأشقاء».
ولتأخذ القيادة الفلسطينية من هبة الأقصى في يوليو الماضي عبرة. فبتلاحمها وبقية الفصائل وتضافرها مع الشعب في هبته وإصراره، حققوا انتصارا معنويا كبيرا وأرغموا سلطات الاحتلال على إزالة الكاميرات والحواجز من محيط المسجد الأقصى وبواباته، وما كان ذلك ليتحقق لولا ذلك التضافر والإصرار والتصميم.
الشعب على أهبة الاستعداد، كما عودنا عند كل أزمة من أزمات القضية والثورة، وعلى القيادة أن تأخذ زمام المبادرة باتخاذ القرارات الصعبة، وإعادة النظر في السياسات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، ليس أقلها اتفاق أوسلو وكل تبعاته، ونؤكد كلام أبو مازن أن لا سلطة بلا سلطة ولا احتلال بدون تكلفة. إن القيادة بصمودها وتضافرها مع شعبها تشكل الدرع الواقي للقضية.
نعم إنهم يدركون جيدا أنهم عاجزون عن تجاوز هذا الشعب الذي لا يمكن أن يستكين أو يستسلم أو يقبل ظلما طالما بين أبنائه وبناته عهد التميمي، هذه الشابة الفتية التي عجز جنود الاحتلال بعددهم وعتادهم، وعلى مدى سنوات تفوق نصف عمرها في زرع الخوف داخلها أو إرهابها، وبقيت تقاوم هي وجميع أفراد أسرتها وبلدتها.
إن شعبا فيه عهد والملايين مثلها من قبل ومن بعد، لا يمكن أن يهزم ولن يسمح بالتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بدونه، وسيحقق الانتصار طال الزمان أو قصر. ولنا في قرن من النضال والصمود عبرة يا أولي الألباب. مئة سنة منذ وعد بلفور البريطاني المشؤوم والشعب يقاوم بكل الوسائل.. مئة سنة وهو يحبط مؤامرات من الأشقاء وغيرهم وكل محاولات لشطب قضيته.. مئة سنة وهو يزداد عددا وتصميما رغم المجازر والمذابح التي ارتكبتها قوات الاحتلال، ولا تزال مئة سنة فشلت فيها كل المؤامرات وحان أن يفهموا أن هذا الشعب لا يمكن أن يكون «هنود حمر» القرن الواحد والعشرين.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/01/06