ما الذي تكسبه الرياض من التوتر بين طهران وواشنطن؟
صالح السيد باقر
بغض النظر عن أن إيران تريد عودة العلاقات مع الولايات المتحدة أو لا تريد، غير أنه هناك العديد من الدول تبذل ما بوسعها من أجل استمرار التوتر والقطيعة بين طهران وواشنطن، وتأتي إسرائيل والمملكة العربية السعودية في مقدمة هذه الدول.
لن أتناول في هذا المقال النتائج والتداعيات والأسباب التي تدعو إسرائيل إلى دفع العلاقات الإيرانية – الأميركية إلى مزيد من التوتر والتصعيد، وإنما سأسلط الضوء على الأسباب التي تدعو الرياض إلى توتر العلاقات الإيرانية – الأميركية.
البعض أرجع السبب إلى الخلافات السياسية والبعض أرجعه إلى خلافات طائفية ومذهبية، ولكن يبدو لي أن العامل الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية وراء التوتر والتصعيد بين طهران وواشنطن، بل أنه وراء الموقف السعودي من أزمات بعض الدول كليبيا والعراق.
وقبل أن أبرهن على أن العامل الاقتصادي أحد الدوافع الرئيسية للسعودية لإبقاء العلاقات الإيرانية – الأميركية متوترة، سأتناول تداعيات ونتائج التوتر والتصعيد بين إيران والولايات المتحدة.
في حال استمر التوتر والتصعيد بين إيران والولايات المتحدة ووصل إلى مراحل خطيرة كاحتمال نشوب الحرب، ونجحت واشنطن في ضم المجتمع الدولي وخاصة القوى العظمى في العالم إلى صفها، ونجحت أيضا في إصدار قرارات دولية بفرض العقوبات على إيران، فأن إيران ستتوقف عن تصدير نفطها وغازها وسائر سلعها للعالم، وحتى لو استطاعت تصدير نفطها أو سلعها فأنها لن تحصل على عائدات ما تصدره نتيجة العقوبات ومنع البنوك العالمية من تحويل المبالغ لإيران، (كما حدث في العقوبات الأخيرة)، وبالتالي فأن إيران ستخسر حصتها في السوق العالمية للنفط.
من جانب آخر فأن التوتر لو تزايد وظهرت بوادر نشوب الحرب فأن أسعار النفط ستقفز إلى أعلى مستوياتها، خاصة إذا نفذت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز.
أحد المستفيدين الرئيسيين من تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، هي السعودية، فالرياض لا ترجو ولا تعمل على بقاء التوتر بين طهران وواشنطن وحسب وإنما تتمنى أن يتطور التوتر إلى نشوب الحرب، لكي لن تقوم لإيران قائمة بعد ذلك، حسب اعتقاد الرياض.
ارتفاع أسعار النفط يحقق مكاسب وعائدات كبيرة للسعودية خاصة وأنها أكبر مصدر للنفط في العالم، كما أن السعودية ستزيد من مستوى إنتاج النفط وستسد الفراغ الذي تتركه إيران فيما لو منعت من تصدير النفط، ومع الأخذ بنظر الاعتبار بالأزمة المالية التي تمر بها السعودية نتيجة حربها على اليمن، التي ظهرت أبرز تجلياتها في رفع أسعار الطاقة في المملكة، وبيع حصة من شركة أرامكو؛ فأن الرياض بأمس الحاجة إلى ارتفاع أسعار النفط.
أحد الأسباب الرئيسية في موقف السعودية من ليبيا والعراق والذي أسهم في تأزم الأوضاع في ليبيا واستمرار الأزمة في العراق خاصة على عهد صدام، هو اقتصادي أيضا، وذلك لكي لايستطيع البلدان تصدير نفطهما للعالم، فتقوم السعودية بسد الفراغ الذي يحدثانه في سوق النفط.
لاشك أن هناك أسباب أخرى لتشجيع السعودية على إبقاء القطيعة والتوتر بين إيران والولايات، من بينها سعي السعودية لزعامة المنطقة والعالم الإسلامي دون منازع، ولكن رغم ذلك فأن الاقتصاد يبقى العامل الرئيسي في ذلك.
السؤال الذي يقفز إلى أذهان قرّاء المقال الكرام، هو، بما أن النظام الإيراني يتميز بالحكمة والعقلانية فلماذا لا يفوت الفرصة على السعودية، ويعيد علاقاته مع الإدارة الأميركية، خاصة إذا كانت إيران تتكبد الخسائر سواء مع تزايد التوتر أو مع نشوب الحرب؟
هناك سببان رئيسيان لاستمرار القطيعة بين إيران والولايات المتحدة، الأول أن كافة الحكومات الأميركية تربط مستوى علاقاتها مع سائر الدول بمستوى علاقات هذه الدول مع إسرائيل، فما بالكم إذا كانت إيران لا ترفض إقامة علاقات مع إسرائيل وحسب بل وتدعو وتعمل على زوالها.
كافة الحكومات الأميركية أعلنت أن أمن إسرائيل من أمنها ولن تسمح لأحد بتهديد إسرائيل، فكيف يمكنها أن تقيم علاقات مع دولة ترفض وجود إسرائيل وتعلن نهارا جهارا أنها تدعم كافة الفصائل الفلسطينية التي تقاوم إسرائيل؟
أما السبب الآخر فهو أن الحكومات الأميركية تمسح بالأرض سيادة الدول واستقلال قراراتها، خاصة إذا تعارضت مع قراراتها، والغريب أنها تضرب استقلال قرارات الدول عرض الحائط ليس لتعارضها أحيانا مع مصالحها إنما لمصالح دول أخرى كمصلحة إسرائيل على سبيل المثال.
الولايات المتحدة تصادر قرارات الدول بكل سهولة وبساطة، وفي الوهلة الأولى تطلب من تلك الدولة تغيير قراراتها، وإذا لم تستجب فأنها تمارس أنواع الضغوط عليها لتغير قراراتها.
لو تخلت الحكومات الأميركية عن هاتين الخصلتين لاستطاعت إيران إقامة العلاقات معها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/11