مفهوم التجسس لدى السعودية... ما يسمى بالخلية الإيرانية مثالاً
عادل السعيد
يُعرف التجسس أنه عملية يقوم بها فرد أو مجموعة للحصول على معلومات ليست متوفرة في الفضاء العام لصالح جهة معينة أو دولة أخرى، غير أن المملكة العربية السعودية على ما يبدو تمتلك مفهوماً مغايراً للتجسس عما هو معروف ، وبإمكانها من خلاله قطع رؤوس الكثيرين أو رميهم في غياهب السجون، خصوصاً في ظل عدم وجود نظام عدالة حقيقي، واستحواذ السلطة على وسائل الإعلام المحلية.
ما يتبادر للأذهان حينما يتحدث أحد ما عن جواسيس يعملون لصالح دولة أخرى، هم الأشخاص الذين يسعون للوصول لمعلومات ذات طابع سري، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو غير ذلك، بيد أن الكثير من التهم التي وجهت للمتهمين بالتجسس لصالح دولة إيران لا تندرج ضمن ذلك، ولا تتعدى – إذا صحت- كونها نقاشات في الشأن العام مع أشخاص إيرانيين كانوا يقيمون في السعودية بطريقة رسمية، أو اتهامات أخرى لا ربط بينها وبين يافطة التجسس المرفوعة في الصحف الرسمية.
لاحظت من خلال تحليل "صك الحكم" أن يافطة "التجسس" التي سعى الإعلام المضلل بكل إمكاناته لفرضها في عقول القراء وعامة الناس منذ بداية اعتقال المتهمين ، على اعتبارها وصف لنتيجة العمليات أو الأنشطة التي قاموا بها، يختفي خلفها اتهامات مفتعلة لا علاقة لها باليافطة المرفوعة، ولكن غياب الرأي الآخر جراء الترهيب والقمع، والوعيد والتهديد الذي مورس مع الشخصيات المحلية التي استنكرت اتهاماتهم الزائفة، وقبول أهالي الضحايا بالسكوت اعتقادا منهم أن ذلك سيصب في مصلحة ابنائهم، ساعد في بقاء وجهة النظر الحكومية تصول في الميدان بلا مبارز، وكأنها تمتلك قوة ذاتية تجعل وجهات النظر الأخرى تُحْجِمُ عن مواجهتها.
على سبيل المثال، أدانت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض إحدى عشر شخصاً من أصل 32 على خلفية دخولهم في نقاشات تخص أوضاع الشيعة في السعودية، وستة منهم من بين المحكومين بالإعدام، وأدانت أيضاً ستة بتخزين مواد تتعلق بحرية التعبير والاعتقاد على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، اثنين منهم كانت المواد تتعلق بالشيخ الشهيد نمر باقر النمر، والبقية مواد تتعلق بالمعتقلين والمظاهرات وحرية الاعتقاد.
إضافة إلى ذلك، أدين المحكوم بالإعدام الشيخ محمد عطية بجريمة "نشر التشيع"، فيما أدين الشيخ بدر آل طالب بجريمة سعيه ومحاولته إنشاء مركز خاص بالطائفة الشيعية بمدينة مكة المكرمة لغرض نشر ومد المذهب الشيعي بمكة المكرمة من خلال بحثه عن موقع لإقامة المركز وعثوره على أرض مناسبة في العزيزية، وكتابته لرسالة موجهة لمرجعه الديني السيد علي السيستاني تتضمن طلب منه الدعم المالي لشراء الأرض.
أما المحكوم عباس الحسن بتمويل نشاطات الشيخ عطية بـ "ألف دولار" من أجل "نشر التشيع" بأمر مباشر من إيران. كما أدين كذلك الشيخ علي آل كبيش بإرتكاب "جريمتين" يندى لهما الجبين، وهما، عدم إبلاغه السلطة حول مشاهدته عددا من المطلوبين في إيران في أماكن عامة، وجمع تبرعات لعوائل معتقلين!
لا يخفى على أحد من العقلاء أن هذه التهم المذكورة أعلاه لا يوجد رابط بينها وبين التجسس، فضلاً على أنها من الأساس ليست جرائم، لكن السعودية تصر على أن هذه التهم السخيفة هي تجسس ومؤامرة على الدولة، وقد تقوم في أية لحظة بقطع رؤوس خمسة عشر من هؤلاء المظلومين بذريعة ارتكابهم هذه الجرائم "العظيمة" التي هي في الأساس انتزعت منهم تحت التعذيب أو الإكراه، وتهديد بعضهم بجلب زوجاتهم وأولادهم إلى السجن إذا امتنعوا عن المصادقة على الإقرارات التي كتبها المحققين بأنفسهم.
لا شك ولا ريب أن استئناف الصحف الرسمية قبل أيام قليلة حملاتها الرخيصة ضد هؤلاء المظلومين، ليست من أجل اللهو أو "الفضاوة" الصحفية، وإنما من أجل إكمال حلقات الجريمة تمهيداً لإسدال الستار عن هذه المسرحية عقب جز رؤوسهم ذات صباح!
من هنا نستطيع القول، أن ساعة الصفر قد دقت بالنسبة إلى الحكومة، فعلى جميع أصحاب الضمير الدفاع عن هؤلاء المظلومين عبر نشر مظلوميتهم وتبيين زيف افتراءات السلطة بالكلمة الشجاعة والصادقة.
وفي الأخير، ليعلم الجميع، إذا ارتكبت السلطة هذه الجريمة ومرت مرور الكرام، فلن تجد بأسا في تكرار هذه المسرحية مع ضحايا جدد في المستقبل، وليس معتقلو سبتمبر علينا ببعيد على الرغم من الحظوة التي يمتلكها بعضهم.
أضيف بتاريخ :2018/01/21