عن المزايدة عن الصهاينة أنفسهم!
د. نبيل نايلي
“إنّ كثيرا من الناس يخطئون إذا اعتقدوا أن هناك سياسة خارجية أمريكية خاصة بالجمهوريين والمحافظين وسياسة خارجية أخرى خاصة بالديموقراطيين. السياسة الخارجية الأمريكية، في كلّ الأوقات وتحت كل القيادات، انعكاس دائم ومتواصل لمبادئ المحافظين الجدد، أي أنها في الأصل الثابت: سياسة خارجية يمينية متطرّفة”.
روبرت كاجان، Robert Kagan.
بعد قراره اعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغاصب، الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يتمادى في هرائه ولغوه وهذيانه معلنا مجدّدا وعلى هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي:
.أنّ “القدس لن تطرح على أيّ أجندة مفاوضات سلام مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين “،
.وأنّ الفلسطينيين “قلّلوا من احترامهم للولايات المتحدة”،
.وأنّها “تعتزم تعليق مساعداتها إلى أن يوافقوا على العودة إلى محادثات سلام برعاية واشنطن “،
.وأنّ “الفلسطينيين يهاجمون تصريحاته ويطالبونه بالتراجع عن قراره.”
ترامب وعد الصهاينة والعرب بالإقدام على خطوته الـ”تاريخية” و التي هي “في غاية الأهمية”، وهي “أن السفارة الأمريكية في القدس ستفتح أبوابها خلال عام، معلّلا ذلك بأن “مسألة القدس كانت تعرقل الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين” وأن الفضل يعود إلى قراره التاريخي الذي “فسح مجالا لأجندة المفاوضات”، وحمّل الطرف الفلسطيني المسؤولية –طبعا- “عن عدم المضي قدما في هذا الاتجاه”.
الرئيس الأمريكي المستاء جدّا من مقاطعة الفلسطينيين لنائبه “الرائع″ –حسب نعته- مارك بنس، استغل لقاءه الودّي والحميمي مع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتانياهو، الذي التقاه في دافوس حيث يشارك معه فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، وصرّح قائلا: “لقد قلّلوا من احترامنا قبل أسبوع بعدم السماح لنائبنا الرائع بمقابلتهم”. وذلك في ردّ منه ربما على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، التي جاء فيها “نحن نقول ما لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فأنها ستبقى خارج طاولة المفاوضات”.
بنس الرائع هذا -هو وليس غيره- من ألقى خطابا يوم الإثنين الماضي أمام برلمان الكيان و”تعهّد فيه بنقل سفارة بلاده إلى القدس قبل نهاية عام 2019″.
ورقة الابتزاز إياها، لم يفت ترامب أن يلوّح بها كما كان منتظرا –عربيا وفلسطينيا- وهو الأعرف أنها كعب أخيل المفاوض الفلسطيني وأن جزرة المساعدات المسمومة هي التي يمكن أن ينفذوا منها لإملاء شروطهم المجحفة -أو هكذا يُخيّل له ولهم-، فقال بصلافة وعنجهية “نحن نمنحهم مئات الملايين، وهذه الأموال لن تسلّم لهم إلاّ إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام”! ولْيُبلغ القاصي الداني، خصوصا أولئك الذين صمّوا آذاننا بالحديث عن هذه الأمريكا التي تمسك بــ90 في المئة من أوراق القضية!
رئيس وزراء الكيان الغاصب رحّب –طبعا- بالقرار الـ”تاريخي” خصوصا أنه وحسب قوله “يعترف بالتاريخ وبالواقع وبُني على أساس الحقيقة”!ّ!!
هل يكفي مجرّد ” التعبير عن الرفض” لهكذا “تصريحات” أو “التنديد بها؟ هل يكفي –رفعا للعتب الرسمي- رفض زيارة مسؤول أو مسؤولة أمريكية؟ متى سيعي هذا الأمريكي أن صهينته وتملّقه للكيان باهضة الثمن وستكلّف الخارجية الأمريكية غاليا؟
متى يعي المفاوض الفلسطيني –ودون مزايدة على أحد- أن إسقاط خيار المقاومة خطيئة وجب التوبة عنها؟
متى تعلن نهائيا التوبة عن طلب عون أو مساعدة أو وساطة هذه المتماهية حد الملكية أكثر من الملك نفسه؟
متى نقلع عن شرب علقم وسمّ هذه التي تسمى “مساعدات” المدخل الذي رُكّعت منه حركات المقاومة ودُجّنت وسمحت لأمثال ترامب بالابتزاز والمساومة؟
يوم يدرك المسؤول الأمريكي وغيره تبعات أقواله ونعيد لخيار المقاومة بريقه ومصداقيته ونصوم عن هكذا مساعدات، يومها نكون جديرين حقا ببرهة تفكير قبل اتخاذ مثل هذه القرارات وسماع غير هكذا تصريحات.. حصان طروادة العربي لن يعفي إمبراطورية “الشر المحض” من مصير محتوم كما ليس نصرا خيار المزايدة الآن على الصهاينة المنتشين!!
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/27