آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
توفيق رباحي
عن الكاتب :
كاتب صحافي جزائري

بن سلمان كمّم أفواه الغربيين ليستفرد بالسعوديين


توفيق رباحي
 
الطريقة التي يدير بها وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، شؤون بلاده وثرواتها، جديرة بالمتابعة. الرجل وفّق في ابتداع أسلوب ستحتار كليات العلوم السياسية في العالم في تصنيفها، وربما في الحكم عليها. وتمكن كذلك من أن يجلب إلى بلاده أنظار القادة وصنّاع القرار والرأي عبر العالم. كل الأضواء مسلّطة على السعودية، من حلفائها والمعجبين بها، ومن خصومها على السواء.
سيحكم التاريخ إن كانت هذه القفزة، التي ستغيّر السعودية إلى الأبد، فضيلة تُحسب لابن سلمان، أم لعنة تلاحقه وتتداولها الأجيال.

لا أحد، في الغرب والشرق، يستطيع أن يجزم إن كان هذا الرجل ثائرا ومُصلحا يستحق الاحترام، أم مغامراً متهوراً يثير الخوف والشفقة في آن.

الرجل الذي جمع بين الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي ويقول «حملات التطهير»، هو ذاته الذي يمسك السياسة بقبضة من حديد تقطع الأنفاس. الرجل الذي سمح للنساء بقيادة السيارات والرقص في ملاعب الكرة، هو ذاته الذي يسجن رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين، وقبلهم رجال الدين، ويحظر على مَن يختلفون معه مجرد التفكير في التعبير عن آرائهم.

بالنظر إلى الظلام الذي تغرق فيه المملكة منذ عقود وما ترتب عنه من خراب على المنطقة والعالم («الجهاد» في أفغانستان وانتشار الفكر الوهابي المتطرف والإرهاب العالمي، وهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.. إلخ)، لا يطاق ويستحق الاحترام والتشجيع أي رجل يحاول تغييره. ليكن ابن سلمان أو غيره، الأمر يتعلق أكثر بانعتاق مجتمع، وإنقاذ بلد من نفسه ودرء خطره على المنطقة.

بيد أن في الأمر ما يثير الريبة في محاولات وليّ العهد تحريك المياه الراكدة: أغلب التقارير الرصينة والتحليلات الجادة في الغرب تتجه نحو تكريس الانطباع أن الرجل يفعل ما يفعل إرضاءً لحكومات غربية تخشى على أمنها وسلامة مجتمعاتها (من «الإرهاب الإسلامي») أكثر مما يعنيها واقع أو مستقبل المجتمع السعودي. وعلى رأس هذا الغرب المهووس بأمنه، الرئيس دونالد ترامب وعائلته وصهره جاريد كوشنِر.

وتذهب ذات التقارير إلى أن ابن سلمان يريد أن «يخلص أموره» قبل أن تنتهي ولاية ترامب الرئاسية أو يحدث عارض ما في الطريق يحول دونه ودون إتمام رئاسته (إقالة مثلا، بسبب التحقيقات في الملفات المفتوحة من حوله). هذا ما يفسر السرعة والاندفاع في القرارات التي يتخذها الرجل في الشهور التي أعقبت تمكينه من ولاية العهد.

لم يكن ابن سلمان ليخوض كل تلك المغامرات، العسكرية والسياسية والاجتماعية والإدارية، داخليا وخارجيا لو لم ينل ضوءا أخضر من «ذلك الغرب». لا حاجة ليكون ذلك الضوء صريحا ورسميا. يكفي أن يكون تواطؤاً بشكل ما، لتصل الرسالة. ولا يحتاج ابن سلمان إلى ذكاء خارق كي يلعب على تناقضات هذا الغرب والمنافسة الداخلية بين مكوناته، وأكثر من ذلك الاستفادة من الانقسام الذي تسببت فيه سياسات ترامب. المحصلة هي أنه لا توجد هناك كتلة متجانسة تفرض عليه التفكير في قراراته قبل اتخاذها. والأهم من كل شيء أن هذه المغامرات نالت تزكية ترامب وعائلته. الباقي تفاصيل لن توقف سير عجلة التاريخ.

في المقابل، كان يجب أن يكون لهذا الصمت والتواطؤ ثمن. ظفر ترامب والعائلة بالحصة الكبرى، ونال الآخرون فتات الصفقات، لكنهم اكتفوا وصمتوا على كل شيء، حتى على التخلص ممن كان يوصف برجلهم في السعودية، الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق وفريقه الأمني. وصمتوا على سجن (وإهانة) مَن كانوا يعتبرونه أيقونة الاقتصاد السعودي وسفيره، الأمير الوليد بن طلال. وصمتوا على محرقة اليمن، وعلى حصار قطر، وعلى الإفراط في معاداة إيران، وعلى محاولة تعكير الاستقرار الهش في لبنان. صمتوا على تحويل المملكة من ديكتاتورية جماعية توزع الاستبداد على مراكزها المختلفة، إلى ديكتاتورية فردية تتمركز بين يدي ثلاثيني لا يُعرف له إنجاز واحد.

دفن الجميع رؤوسهم في الرمل وخلا الجو لابن سلمان يعبث ببلد/قنبلة وحيداً بصلاحياته المطلقة والفوضى المخيفة من حوله.

في الغرب الذي لا يتوقف عن إسداء النصح والدروس، لا أحد يستطيع أن ينطق بكلمة. إنهم جميعا مكمَّمون إنْ بالصفقات التجارية والعسكرية المجزية، أو بخوفهم من أن تعود السعودية إلى الوراء ـ الظلام. إنهم يفضلون الصمت حتى وهم غير متيقنين من أن الوجهة التي يقود إليها ابن سلمان مملكته ليست بالضرورة مرادفا للضوء. عند الغربيين، يكفي أنه يحاول. ولتكن هذه الوجهة ما تكن، المهم أن تبتعد عن عنوان التشدد الديني الذي يفرّخ إرهابا وقتلا بعدما ينضج قطافه. ويؤمنون بأن لذلك ثمنا يستحق أن يُدفع.. من هامش الحريات السياسية والثقافية (المنعدمة أصلا). ومن هوان اليمنيين (المعدَمين أصلا). ومما تبقى من استقرار منطقة (خربانة أصلا) ولا تحتمل المزيد.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2018/01/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد