ملف اللاجئين يختصر القضية.. والأنروا تَحمل بُعده السياسي..
فؤاد البطاينة
يبدو أن ملف اللاجئين الفلسطينيين على قائمة الاستهداف المبكر ، لكنه ملف مارد مرتبط بكل مكونات القضية ويختصرها. إنه يشكل العنوان السياسي النابض للقضية الفلسطينية وللاحتلال. ولكونه ينطوي على حق العودة، فإنه سيكون بالنسبة لإسرائيل مرتبطا بيهودية الدولة ، وبالتالي بتصورها لطبيعة الدولة الفلسطينية أو للمكان الذي ستصدر له مكونات القضية. وهذا ليس موضوعنا هنا، لكن يجدر القول بأن طرح أمكنة غير ممكنه ولا عمليه مثل سيناء في سياق ما يرشح عن الصفقة ،ما هو إلا طرح مضلل وخادع وكاذب جاء لتكريس ثقافة دولية وعربية تتجاوز فكرة قيام الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني.
من هنا سنكون بعد القدس أمام طرح أمريكي لحزمة واحده مترابطة بمسميات الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية وصولا لملف اللاجئين حكما. ومن تجربتنا بما جرى مع القدس فسترفض السلطة الفلسطينية العرض المطروح ومعها العرب أو بعضهم بصرف النظر عن مصداقية الرفض، وتكون النتيجة إعلان يهودية الدولة بتأييد أمريكي، والبناء عليه، وأول لبنة هي إصدار تشريع بيهودية الدولة وربما يكون ذلك استنادا إلى قرار التقسيم الذي يقسم فلسطين بين العرب واليهود، واعتبار إسرائيل وصك الانتداب لحدود فلسطين من البحر إلى الصحراء العراقية.
وهنا ينتهي تعامل أمريكا والكيان الصهيوني مع ملف حق العودة ومع البعد السياسي لمسألة اللاجئين وتصبح بالنسبة لهم مجرد مسألة إنسانية تحتاج إلى توطين وتأهيل وتعويض ونفقات تُلقى مسوؤليتها على عاتق الدول العربية. والتوطين لن يستثني دولة عربية حتى لبنان. فلن يكون من المستحسن إسرائيليا تجميع اللاجئين في دولة واحده.
ثم تبدأ معالجة وتفكيك القنبلة السكانية العربية داخل الخط الأخضر بأساليب مقننة وغير مقننه، وتبدأ عملية نزع مشروعية الوجود الفلسطيني هناك والتهجير المبرمج للاستعمار الاحلالي الصهيوني القائم في فلسطين
لقد كان إنشاء الأنروا كوكالة من وكالات الأمم المتحدة لها خصوصيتها بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 \ 49 قد مثل البعد السياسي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين الملازم للقضية الفلسطينية ، والذي يُعبر عنه بُبعدها الإنساني المتحرك. ومن هنا كانت هذه الوكالة الدولية مستهدفة منذ عقود لبعدها السياسي في الأساس. وهذا أمر ليس بالسهل، فهي UN.BODY. وتجدد ولايتها إلى أن تسوى القضية الفلسطينية تسوية عادله تسفر عن عودة اللاجئين. ومع أن الضغوطات المالية على الأنروا لم تتوقف يوما، إلا أن إغلاقها يحتاج إلى قرار سياسي دولي في الأمم المتحدة وهذا من شبه المستحيل في الجمعية العامة.
ومن هنا كانت محاربة تمويل الأنروا سياسة تهدف إلى وقف عملها وإغلاقها بالحصار المالي والإفلاس. ورغم عزم الولايات المتحدة أو تهديدها بقطع إسهاماتها المالية للأنروا مؤخرا يأتي في سياق ابتزاز سياسي ،ولعل الكثيرون يتابعون محاولات إسرائيل لنقل مسوؤلية اللاجئين الفلسطينيين من (الانروا) إلى المفوضية العليا للاجئين لإغلاق الوكالة، وليصبح اللاجئون الفلسطينيون عندها لاجئين عاديين بلا خصوصية ولا قضية ولا حقوق سياسية أو وطنية مرتبطة باحتلال أسهم به المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة . ولا أستبعد استخدام الصهيونية الإسرائيلية لملف النازحين الذين يقدر عددهم بربع المليون في الأردن ، ليحلوا بحكم مرحلة فرض الحلول محل اللاجئين الحقيقيين . بعد أن أغلق ملفهم إثر فشل مسار لجنة النازحين دون متابعته ودون السماح لهم بالعودة ،
إن بقاء هذه الوكالة ( الأنروا ) قائمة بمشروعيتها الأممية ما دامت القضية الفلسطينية قائمه أمر بالغ الأهمية والحيوية. وحيث أن الوسيلة المتاحة والممكنة لإنهاء عمل هذه الوكالة هو حجب التمويل عنها ، فإن المسئولية تصبح عربية قومية بالأساس. وعلى الدول العربية ذات المال أن لا تجعل من مساهمة أمريكا وغيرها عامل تهديد للوكالة، فتهديد عملها وتصفيتها هو تهديد للقضية الفلسطينية نفسها وتهديد بالدرجة الأولى إلى حق العودة.
ومن ناحية أخرى بالغة الأهمية أن غياب الانروا أو العجز المالي الكبير في موازنتها سيؤثر بالدرجة الأولى تأثيرا مباشرا على القطاع التعليمي والتأهيلي والغذائي لحولي خمسة ملايين ونصف المليون لا جئ فلسطيني مسجل في مناطق العمليات الخمس. وبحسبة سياسية نستطيع القول أن المستهدف الرئيسي بقرار ترمب بوقف أو تخفيض المساهمة الأمريكية بالوكالة هو غزه المحاصرة التي يعيش فيها مليون لاجئ يعتمدون بمعيشتهم على معونات الأنروا وبرامج طوارئ دائمة. ومن التواطؤ والعار على الدول العربية التي تملك أن لا تستطيع بمجموعها سد عجز الوكالة الذي لا يصل لمائة مليون دولار ،حفاظا على إنسانية ومعيشة وتنمية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم السياسية.
إن استهداف أمريكا التمويلي المباشر للأنروا التي تدعم وتحافظ بوجودها على البعدين السياسي والإنساني لملايين اللاجئين الفلسطينيين يضع أول ما يضع منظمة الأمم المتحدة أمام مسئولياتها بصفتها التي تسببت وأقامت دولة الاحتلال بقرار منها وتهجير الشعب الفلسطيني، وبصفتها قد أنشأت الأنروا على خلفية القضية الفلسطينية لحين تسويتها وإعادة اللاجئين لوطنهم.
ومن هنا فإن السلطة الفلسطينية بمساعدة المجموعة العربية في الأمم المتحدة مطالبة بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرار تُدرِج من خلاله الأمانة العامة للمنظمة في موازنتها السنوية أسهاما محددا لموازنة الأنروا يساوي عجزها، إنقاذا وتجنيبا وحماية لها من الابتزاز المالي والسياسي الهادف لتصفيتها وتصفية القضية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/02/05