آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فارس العاني
عن الكاتب :
سفير سابق

الولايات المتحدة الأمريكية وسياسية التصعيد العسكري في المنطقة


فارس العاني

منذ ما يقرب من سبع سنوات والعديد من دول منطقتنا العربية تشهد صراعات وحروب داخلية غير مسبوقة في العصر الحديث بسبب أبعادها الدموية والتدميرية والتي طالت البشر والحجر وكل مقومات الحياة الضرورية مما سمح للقوى الكبرى أن تتدخل وتتواجد عسكرياً واستخبارياً تحت ذريعة محاربة تنظيم  داعش (الذي ظهر فجأةً)  بحجة الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة ضد توسع وقوة هذا التنظيم !

 وفق هذه الصورة الضبابية .. هناك من يعتقد أن ما تواجهه سوريا وما يمر به العراق من أزمات واقتتال داخلي قد تم التخطيط لها في دوائر استخبارية عالمية من أجل خلق حالة عدم استقرار بهدف إعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة لما يخدم مصالح تلك القوى الخارجية الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية  بعدما تبين لها ولحلفائها أن الأمور أصبحت تهدد مصالحهم الإستراتيجية في هذه المنطقة الحيوية من العالم نتيجة تنامي القوتين الصينية والروسية على المستوى الدولي وتصاعد كل من النفوذين الإيراني والتركي في الإقليم وعلاقتهما المتميزة مؤخراً مع كل من روسيا والصين.

 لا أحد يتجاهل أن أمريكا وحلفائها وخصوصاً إسرائيل قد راهنوا على سقوط النظام السوري  عندما عملوا على تغذية الحراك الشعبي الداخلي الذي شهدته دمشق وبعض المدن السورية الأخرى في بداية عام ٢٠١١وكيف تطورت الأوضاع  في هذا البلد بسبب الدعم والتمويل الخارجي للتنظيمات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية والتي بدأت بالظهور مع حلول عام ٢٠١٢  ومنذ ذلك التاريخ وسوريا  تواجه أكبر عدوان تداخلت فيه الأوراق على المستويين الإقليمي والدولي وبالرغم من ذلك استطاع الجيش العربي السوري وحلفائه إعادة زمام الْأُمُور  نتيجة الهزائم المستمرة التي منيت بها التنظيمات المسلحة التي تقاتل الدولة السورية  وما تمخض عنها من إعادة  السيطرة على المدن التي وقعت بأيدي تلك التنظيمات مما خيبّ الآمال الأمريكية  على وجه الخصوص ، لذلك كل المؤشرات والمعطيات تشير بأن الإدارة الأمريكية الحالية أخذت تطلق بعض التصريحات التي تقول أنها لن تسحب قواتها من سوريا إلا بعد القضاء على داعش والتوصل إلى حل سياسي لا مكان للرئيس الأسد فيه ! ونفس الشيء بدأت الإدارة الأمريكية بإطلاق تصريحات مفادها أن قواتها  المتواجدة في العراق لن تقوم بسحبها تحت ذريعة أن داعش لا زال يمثل خطراً على العراق رغم الهزيمة التي مني بها التنظيم  .

إذاً الصورة بدأت تتوضح تدريجياً بأن نوايا وخطط الولايات المتحدة الأمريكية ليست سليمة حيال العراق وسوريا وهذا يعيدنا إلى التصريحات الأمريكية مع بداية ظهور داعش عندما أطلق العديد من المسؤولين الأمريكان بأن المعركة مع هذا التنظيم قد تستمر لثلاثين عاماً لاعتقادها أن العراقيين والسوريين غير قادرين على هزيمته  بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف بكلا البلدين مما يبرر لها إنشاء قواعد عسكرية ونشر قواتها عليها .

خلاصة القول : أن أمريكا والبعض من حلفائها لديهم مخطط لم ينجحوا حتى كتابة هذه السطور من تنفيذه  ، وما علينا سوى انتظار الخطوات  القادمة التي ستقدم عليها إدارة ترامب وهي بكل تأكيد غير مشجعة وربما تجر المنطقة إلى أسوء مما هي عليه الآن من أجل تحقيق المخطط المرسوم لما يخدم مصالحها الإستراتيجية أولاً ومصالح حلفائها ثانياً بغض النظر عما ستواجهه بعض من بلدان المنطقة من حالة عدم الاستقرار ، والهجوم الأخير الذي شنته قوات التحالف الدولي على قوات موالية للدولة السورية كانت على وشك الاشتباك مع قوات من داعش في دير الزُّور والذي راح ضحيته مئة مقاتل من القوات الشعبية السورية  باعتراف أمريكا  نفسها تحت مبرر أنهم اقتربوا من التنظيمات المسلحة التي تدعمها والتي تسيطر على منشئات نفطية وهي (قوات سوريا الديمقراطية) مع العلم أن القوات الأمريكية المتواجدة  في سوريا تقف ولا زالت متفرجة حيال الهجوم الذي أطلق عليه تسمية ( غصن الزيتون ) الذي يقوم به الجيش التركي وطيرانه على مدينة عفرين السورية والتي تسيطر عليها القوات الكردية( قسد) حليفتها  ، إذاً  ظهور تنظيم داعش ومن على شاكلته من التنظيمات المسلحة الأخرى لم يكن صدفة بل تمت تهيئة الطبخة في الأقبية السرية  كمبرر للتواجد العسكري الأمريكي في سوريا وعودة التواجد العسكري مرة أخرى إلى العراق بعدما قرر الرئيس السابق أوباما سحبهم ،  والمستقبل سيكشف لنا المخطط ومن يقف ورائه مثلما تكشفت المخططات السابقة ولكن بعد حين ، إذا غير مستبعد أن يقدم الرئيس الأمريكي ترامب على اتخاذ قرارات لا تتمناها المنطقة  مثلما أقدم مؤخراً باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل والتي لم يجرؤ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذ مثل هذا القرار معتمداً على طاقم من المحافظين الصقور في أدارته وفي الكونغرس لذلك فالتصعيد العسكري الأمريكي الأخير  قد يفسره البعض أنه بمثابة رسائل موجهة لكل من روسيا وتركيا وإيران، وما علينا سوى انتظار الوقت الذي  ستتوضح  فيه الصورة المضببة !!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/02/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد