حديث حول أجراس فبراير.. لمن تدق الأجراس في ليبيا؟
إبراهيم محمد الهنقاري
كنت قد أليت على نفسي إلا أخوض مرة أخرى في الشأن الليبي بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقولون وبعد أن جاوز الظالمون المدى. وبعد أن بلغ الفساد حده الأقصى وبعد أن فشل الليبيون والليبيات وما يسمى بالمجتمع الدولي المنافق الذي لايعرف إلا مصالحه الخاصة في اتخاذ القرارات الصحيحة لإنقاذ الشعب الليبي مما يدبر له في السر و العلن. وبعد أن قيلت كل الكلمات التي تندد بكل ذلك وتستنكره وتدعو إلى تغيير هذا المنكر الليبي باليد وباللسان دون أن يستجيب أحد من اللاعبين بمصير وبمستقبل الليبيين والليبيات. وبعد أن بلغت الجرائم حد تفجير المساجد على رؤوس المصلين ومنع مواطنين ليبيين من العودة إلى ديارهم. وبعد العجز الفاضح لكل الحكومات المزعومة والمليشيات المدعومة والمؤسسات المعدومة عن وقف نزيف الدم الليبي وإنقاذ الوطن من السقوط في هاوية الانقسام والإفلاس.
ولكن ورغم كل ذلك واحتراما لثوار فبراير الحقيقيين وليس المزيفين ، الثوار الحقيقيون الذين ضحوا بأرواحهم وماملكت أيديهم في سبيل الله والوطن قبل وبعد ١٧ فبراير ٢٠١١ كان لابد أن يأتي هذا الحديث للذكرى فقط فأن الذكرى تنفع المؤمنين بليبيا الدولة الواحدة الموحدة الناهضة الحرة الأمينة على نفسها وعلى دستورها وعلى استقلالها وعلى سيادتها. دولة حلم فبراير. دولة الدستور والقانون والحكم الرشيد.
لاشك أن انتفاضة أو ثورة ١٧ فبراير ٢٠١١ كانت حلما ليبيا ووطنيا كبيرا ظل يراود الليبيين والليبيات لما يزيد عن أربعة عقود عرف الليبيون والليبيات خلالها عذابات القهر والظلم والجهل والجهالة وتعطيل وتسفيه العقول وقتل الضمائر وإعدام الأخلاق الكريمة التي عرفها الليبيون والليبيات خلال سنوات الحكم الرشيد حكم الدستور والقانون أيّام الزمن الجميل.
ثم جاءت انتفاضة أو ثورة ١٧ فبراير عام ٢٠١١ فظن الطيبون من الليبيين والليبيات أن ذلك هو الْيَوْمَ الموعود .! وظن هؤلاء أيضا أن قرارات مجلس الأمن الدولي كانت تهدف حقا إلى حماية المدنيين الليبيين كما قيل من بطش الآلة العسكرية الرهيبة لدكتاتور ليبيا السابق ولكن قلة قليلة من العارفين ببواطن الأمور الدولية فطنت مبكرا إلى المؤامرة التي كانت تدبر ضد ليبيا وشعبها في أروقة الأمم المتحدة وخارجها حتى أنها وصفت تلك الانتفاضة أو الثورة بأنها ثورة الناتو.!!
فما هو حصاد تلك “الثورة” في ذكراها السابعة. !؟
هذا الحصاد يذكرني بقصة حمار أبي أيوب في الأدبيات العربية القديمة في قول أحدهم :
لقد ذهب الحمار بأم عمرو …فلا رجعت ولا رجع الحمار!!
وإذا كانت فبراير هي “أم عمرو” فمن هو “الحمار” الذي ذهب بها. !؟ وإذا كانت فبراير هي “الحمار” فكم هي الآثام التي ارتكبتها “أم عمرو ” حتى يشمت بها الشامتون ويتمنون ويفرحون بضياعها.
لم يبق لنا من فبراير سوى الذكريات الأليمة. لم يبق لنا من فبراير سوى قائمة شهدائها الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من اجل عزة الوطن وكرامته. مناضلين ومناضلات مدنيين وعسكريين شرفاء لم يعرفوا سوى واجب الدفاع عن الوطن. لم يعرفوا لا ” كرامة” ولا بنيان مرصوص “. لم يعرفوا لا “الفجر ” ولا ” البقرة “. ولم يعرفوا شيئا لا عن الصخيرات ولا عن المجلس الرئاسي ولا عن مجلس الدولة ولا عن اللجنة العليا للانتخابات ولا عن مجلس خيال المآتة أو مايسمى بمجلس النواب . ثوار فبراير الشهداء عند الله لم يشهدوا كل تلك المهازل ولم يشاركوا فيها فقد اختارهم الله إلى جواره وطهرهم من كل ذلك الدنس والإفك المبين تطهيرا. رحمهم الله جميعا.
في الذكرى السابعة لفبراير ذهبت الثورة وبقي الناتو.
في الذكرى السابعة لفبراير ذهبت الثورة وبقيت الذكريات الأليمة لحرائق بنغازي والمطار وخزانات النفط والمساجد والطائرات المدمرة والمحترقة.
في الذكرى السابعة ذهبت الثورة وبقيت معاناة طرابلس وبنغازي والزاوية وتاورغاء والجنوب .
في الذكرى السابعة للثورة ذهبت الثورة وبقيت معاناة الوطن والمواطنين.
في الذكرى السابعة للثورة ذهبت الثورة دون أن تترك وراءها انجازا واحدا يذكر الليبيين والليبيات بها.
في الذكرى السابعة للثورة ذهبت الثورة وبقيت مقابر ضحاياها من الليبيين والليبيات تمتد وتنتشر عبر التراب الوطني كله.
في الذكرى السابعة لفبراير ذهبت الثورة وتشرد الليبيون والليبيات في الوطن وفِي المهجر .
وفي الذكرى السابعة للثورة يتذكر بعض الليبيين والليبيات انه كان في ليبيا رجال دولة كان منهم رجل صالح هو باني استقلالها الملك الراحل محمد أدريس المهدي السنوسي. وولي عهده المحبوب. وكان منهم محمود المنتصر وعبدالحميد العبار وحسين مازق و احمد سيف النصر و عبدالحميد البكوش و محي الدين فكيني ومحمد عثمان الصيد وعبدالمجيد كعبار و عبدالقادر البدرية وسالم لطفي القاضي و مفتاح عريقيب وغيرهم من رجالات ليبيا الكبار . فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الوطن واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.
صرنا بعد فبراير وَيَا للأسف ضحايا “للبقرة ”و “للثور ” وحتى ” للمعزة “. !! واختفى الرجال الكبار وامتلأت ساحة الوطن بكل أفاق أثيم مناع للخير معتد زنيم إلا ما رحم ربي.
ذلك هو الحصاد المر لفبراير. ولله في خلقه شؤون.
فمن الذي سيحتفل بفبراير. هل هو الشعب الليبي المنكوب بفبراير. أم هم الأفاقون الذين سرقوا جمل فبراير وما حمل.
إذا كان لابد أن نفعل شيئا في ذكرى فبراير فان الذي ينبغي فعله هو :-
١- أن تخرج الجماهير الليبية المظلومة والتي عانت الأمرين ممن سرقوا فبراير في مظاهرات حاشدة في كل مدن الوطن تطالب بتخليص البلاد من الذين سرقوا الثورة وحولوها إلى وسيلة للنهب والسرقة والقتل والثراء غير المشروع.
٢- أن تقوم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بواجبها في حماية المدنيين الليبيين والليبيات وان يعلن الدكتور سلامة الحقيقة المرة لمجلس الأمن وهي أن ليبيا لم تعد دولة بل قطعة أرض تتقاسمها المليشيات والعصابات الخارجة عن القانون . وانه لا توجد في ليبيا الْيَوْمَ لا قيادات سياسية ولا أحزاب حقيقية ولا مؤسسات شرعية. وأن كل اللاعبين الحاليين في الساحة الليبية هم تحت سيطرة تلك المليشيات والعصابات المسلحة يأتمرون بأمرها وأنهم لا يملكون لا لأنفسهم ولا لليبيا شيئا.
٣- أن يتم الكشف عن حقيقة ما جرى في الصخيرات على يد الممثل الإسباني السابق للامين العام وبيان الظروف التي تم على أساسها إعداد تلك الاتفاقية والتوقيع عليها .
٤- أن تعلن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الحقيقية للشعب الليبي وللعالم وهي أن الوفاق معدوم بين الليبيين وأنه لا توجد في الواقع حكومة وفاق وطني ولا مجلس رئاسي ولا مجلس دولة ولا مجلس نواب ولا حكومة ولا حكومات. كلها اسماء مملكة في غير موضعها.
٥- أن تلغى كل الترتيبات التي يجري الحديث عنها حول الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية التي لن تغير شيئا من المأساة الحالية التي يعاني منها الليبيون والليبيات بل يمكن أن تدفع بالبلاد إلى المزيد من الماسي والآلام. إذ كيف يمكن أن تجرى انتخابات في غياب الدولة وغياب الشفافية وغياب الأمن . أن هكذا انتخابات شاذة لن تلد إلا فاجرا كفارا ولن تكون سوى طبخة للمزيد من الفساد.
٦- أن تتخذ الأمم المتحدة ومجلس الأمن ما يلزم من إجراءات حاسمة طبقا للفصل السابع من الميثاق لنزع كل السلاح غير الشرعي من أيدي المليشيات والعصابات المسلحة أيا كانت أسماؤها .
٧- أن تتخذ الأمم المتحدة ومن تبقى من العقلاء في ليبيا ممن لم يتورطوا لا في ماساة سبتمبر ولا في مأساة فبراير الخطوة الوحيدة والصحيحة وهي تفعيل دستور الاستقلال والعودة بليبيا إلى ما كانت عليه قبل اليوم الأول من سبتمبر عام ١٩٦٩ والبناء على ذلك طبقا للدستور الليبي الذي لا يزال نافذا حتى الْيَوْمَ رغم كل الأحداث المؤلمة التي مر بها الوطن. وطبقا للقوانين الملكية التي كانت نافذة في ذلك الْيَوْمَ.
وكل ما عدا ذلك لن يحقق لليبيا لا الأمن ولا الاستقرار ولا التنمية ولا حكم القانون .
في ذكرى ١٧ فبراير نقول أن الشعب الليبي الصابر لا يزال ينتظر الْيَوْمَ الموعود الذي سيأتي.
و في ذكرى ١٧ فبراير نقول أيضا أن الذين سرقوا فبراير سيعلمون أي منقلب ينقلبون.
ولله الأمر من قبل ومن بعد ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فانتظروا أنا منتظرون.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/02/15