الجنسية لأبناء السعودية.. قوة ومزايا
فاتن محمد حسين
بعد سجالات دامت سنوات، وافق مجلس الشورى قبل أيام في قرار له على ملاءمة دراسة مقترحين للتعديلات على نظام الجنسية العربية السعودية الصادرة بالإرادة الملكية رقم (8/ 20/ 5604) وتاريخ 22/ 2/ 1374، المقدمين من عدد من أعضاء المجلس السابقين والحاليين استنادا للمادة (23) من نظام المجلس.
حقيقة لقد عانت المرأة السعودية عقودا من الزمن وشاب رأسها وأبناؤها يصنفون «أجانب» عن وطنها! في حين أن الرجل السعودي يلتحق أبناؤه به ويجنسون فور ولادتهم وفي هذا الكثير من التمييز! وبالرغم من أن مكرمة الدولة قد أعطت لأبناء المرأة السعودية حق التعليم إلا أنه بعد تخرجهم في الجامعات يعاملون معاملة «العمالة الوافدة» فلا يستطيعون إكمال دراساتهم العليا، ولا العمل لاعتبارهم «أجانب» مما ضاعف من مشكلات توظيفهم وبقائهم عالة على والدتهم، بالرغم من حصولهم على بكالوريوس في تخصصات مميزة. فتتحمل الأم السعودية أعباء مالية لوجود أبنائها معها في المملكة، باعتبارهم أجانب وعمالة وافدة، وكذلك في حالة سفرهم وتجديد إقاماتهم.
وبتلك الإجراءات السابقة حتما سيخسرهم الوطن الذي عاشوا فيه سنوات، استنشقوا هواءه وشربوا ماءه وأصبحوا جزءا من نسيجه الوطني، وكل انتمائهم وحبهم له، بل وربما أنهم لا يعرفون عن بلد والدهم شيئا، وحتى إن زاروه لا يطيقون العيش فيه؛ لأن أهلهم ومعارفهم وأقاربهم من أهل والدتهم هم مجتمعهم وحياتهم التي ألفوها.
فإذا علمنا أن هناك أكثر من «750 ألف سيدة سعودية» متزوجة من أجنبي - والأعداد في تزايد - ومع أن هناك نسبة نجاح عالية للزيجات بين النساء السعوديات والرجال الأجانب بمقدار 90% - حسب تحقيق نشرته صحيفة عرب نيوز- وذلك لتوفر شروط الاستقرار وعدم انتهاء زواجهن بالطلاق والتعدد؛ لأن المرأة تريد أن تثبت أن قرار زواجها بالأجنبي كان صائبا، ومع ذلك هناك بعض الحالات لمعاناة الأم السعودية «بكفالة أبنائها» سواء من ابتزاز الوالد الأجنبي لها ومساومتها على أبنائها، والأضرار المعنوية والمادية والاجتماعية لها. والحقيقة، يشكر أعضاء مجلس الشورى الـ63 الذين أيدوا الدراسة لإدراكهم للمكتسبات التي يحققها المجتمع بالاستفادة من تلك الطاقات والكوادر البشرية المؤهلة المخلصة والتي أصبحت جزءا من النسيج الاجتماعي. وقد تضمن النص المقترح للدراسة تعديل «المادة 7» من نظام التجنيس «بأن يكون سعوديا كل من ولد داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها لأب سعودي أو لأم سعودية أو ولد داخل المملكة لأبوين مجهولين ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها ما لم يثبت العكس». وفي هذا الكثير من العدالة الاجتماعية، والتكافل، وتحقيق الولاء والانتماء، والقضاء على الكثير من السلبيات التي تضر بالمجتمع وأمنه.
وأما أولئك الذين صوتوا ضد القرار من المجلس، المسكونون بالخوف من الآخر والذين كانت مبرراتهم غريبة وأخرى مضحكة مثل: إصابة البلد بالتصحر والجفاف..! فنقول إن معظم دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية تعطي الجنسية للفرد مباشرة بمجرد ولادته في تلك الدولة.
وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية والتي عدد سكانها أكثر من 300 مليون نسمة - وهي كثافة سكانية عالية - فإن التجنيس فيها بمجرد الولادة. بل إن هذا التنوع السكاني قد أعطاها الكثير من المزايا ومنها: القوة الاقتصادية، والتعايش والتسامح، وظهور إبداعات فنية وأدبية وعلمية وتكنولوجيا نادرة، ومزايا أخرى قل أن تجدها في دولة تمنع التجنيس! بل يصبح للفرد المولود فيها حق العمل والتوظيف، وحق الخدمة العسكرية، وحق الترشيح لمناصب قيادية اجتماعية، وصحية، وتعليمية، وإعلامية.. بل إمكانية الاستثمار في أنشطة تجارية وصناعية وعقارية، ولا تفرض عليه الضريبة المضافة التي تفرض على «المستثمر الأجنبي»، بل يتمتع بحصانة عدم الترحيل القسري، وله كافة حقوق المواطن وعليه واجبات.
بقي أن نقول إن تعديل هذه المادة يعطي حق المواطنة كاملة لأبناء المرأة السعودية، وبذلك يكون لهم الحق أيضا سواء في التسجيل بالضمان الاجتماعي، أو في حساب المواطن والاستفادة من مزاياه ولا يحرمون منه في حالة وفاة والدتهم، هذا بالإضافة إلى حقهم في الابتعاث والعمل. كل ذلك سيسهم في حماية النسيج الاجتماعي من التفكك والضعف، بل وتعزيز اللحمة الوطنية التي عملت الدولة على تعزيزها من خلال الحوار الوطني.. فلا عرقية، ولا قبلية، ولا مذهبية، ولا طائفية ولكنها وحدة وطنية.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/02/18