الاستقدام بين البيروقراطية و “الشريطية”
طراد بن سعيد العمري
يناقش “أستوديو الإخبارية” في السادسة من مساء غداً الأحد ١٧ / ١ / ٢٠١٦م موضوع “الاستقدام”، ويجتهد فريق إعداد البرنامج في جمع أكبر قدر من المعلومات حول الاستقدام ومشاكله من زوايا متعددة، والحلول المناسبة، مما يدل على رغبة أكيده لتنوير الرأي العام، والالتصاق بهموم المواطن. فالاستقدام لازال يشكل الشغل الشاغل للمجتمع والحكومة والوسطاء على حد سواء. المجتمع بشقيه الأهلي والتجاري غير راضٍ عن الاستقدام، والحكومة ممثلة في وزارة الداخلية والخارجية والعمل يعبرون عن عدم رضاءهم عن ممارسات العمالة والكفلاء والوسطاء، كما أن الوسطاء غير راضون عن الحكومات في بلدان المصدر أو المورد. لذا يمكن لنا أن نجادل بأن الأمر يستحق الطرح بشكل مفصل وبقدر كبير من الأمانة والإنصاف لكل الأطراف.
الاستقدام، هو توظيف العمالة الوافدة، وينقسم إلى قسمين رئيسيين: (١) العمالة التجارية وهي التي تعمل لدى المنشئات في القطاع الخاص؛ (٢) العمالة المنزلية وهي التي تعمل لدى الأهالي في منازلهم أو ممتلكاتهم الخاصة. بدأ الاستقدام بشكل رسمي ومكثف مع خطة التنمية الثانية (١٩٧٥ – ١٩٨٠) التي شهدت بداية البنية التحتية في الكهرباء والطرق والصحة والصناعة والمطارات والمدارس والجامعات وغيرها، مما يتطلب عمالة مكثفة للقيام بتلك المشروعات الأساسية. كان التصور العام للدولة والحكومة أن الاستقدام حالة مؤقتة ستزول تدريجياً مع استكمال المشاريع الأساسية، وبعد ذلك ستتمكن قطاعات التنمية البشرية من النضوج لتولي المواطنين دفة العمل والتخلص من العمالة الوافدة تدريجياً. لكن هذا التصور لم ينجح، وبقي الاستقدام بعيداً عن الحلول الجذرية الدائمة لأنه بقي في خانة المؤقت. وهذه المسألة يجب أن يبحث حلولها برنامج “أستوديو الإخبارية”.
تنامى الاستقدام بشكل كبير حتى باتت صناعة وتجارة لها قوة المداخيل المالية على صعيد الحكومة والمؤسسات والأفراد. فالحكومة تتقاضى (٢٠٠٠) ريال عن كل تأشيرة، كما تتقاضى مبلغ (١٥٠) ريال سنوياً عن كل عامل وافد، بالإضافة إلى بعض الرسوم في الإقامة، ورخصة العمل، وتعديل المهنة وغيرها. المثير، أن الحكومة زادت تلك المداخيل المالية في رخصة العمل بـ (٢٤) ضعف، حيث زاد مبلغ تجديد رخصة العمل من (١٠٠) ريال في العام، إلى مبلغ (٢٥٠٠) ريال عن كل عامل تحت ذريعة “السعودة”. ولذا باتت مداخيل العمالة الوافدة ميزانية أساسية لقطاعات تنمية الموارد البشرية. أما بعض المنشئات والأفراد فقد تلاعبوا بالتأشيرات بيعاً وشراء حتى وصلت أسعارها في السوق السوداء إلى أرقام فلكية. المحصلة، أن هذه المداخيل المالية للحكومة والمنشئات والأفراد جعلت من الصعب إصلاح الاستقدام أو إعادة هيكلته أو دفعه نحو المنطق، بسبب المصالح. هذه الإشكالية يجب أن يعالجها “أستوديو الإخبارية”.
ارتبط الاستقدام قديماً بوزارة الداخلية، وبعيد استقلال وزارة العمل عن وزارة الشئون الاجتماعية في العام ٢٠٠٤م، تم نقل الاستقدام تحت مظلة وزارة العمل الوليدة، وبالرغم من أن السعودة كانت الأساس في فصل وزارة العمل واستقلالها، إلا أن الاستقدام بات يحتل (٨٠٪) تقريباً من جهود وزارة العمل. ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم والوزارة تتعامل مع الاستقدام بوجهين: (١) الملف المؤقت، ولذا دأبت قرارات الوزارة مؤقتة وردود أفعال؛ (٢) الملف المؤثر، ولذا لم يستطع المسئولين في الوزارة التفريط في هذا الملف المهم. بالرغم من تداخل وزارات أخرى في الملف مثل وزارة الداخلية ووزارة الخارجية. المحصلة، أن ملف الاستقدام أصبح من الملفات السيادية للوزارة بالرغم من صداعه المستمر. وهذا ما يتوجب على برنامج “أستوديو الإخبارية” من تسليط الضوء عليه بشفافية.
تتضمن عملية الاستقدام وجود وسطاء داخل السعودية (البلد المستورد) وخارجها (البلدان المصدرة)، فنشأت مكاتب استقدام هزيلة بكل معنى الكلمة، إذ كانت تقوم تلك الخدمة على أفراد قلما يملكون أي مؤهلات علمية في الموارد البشرية، ومن دون أي معايير أو مواصفات لعملية توظيف العمالة الوافدة. مما جعل من هذه الصناعة المؤقتة/الدائمة والمتنامية من أن تشكل وزن كبير أدخل الكثير من الوسطاء في الخارج الذين أطلقنا عليهم “شريطية الاستقدام”. يجمع الفرد/المكتب/الشركة/ الشريطي، أكبر عدد من التأشيرات مع مبلغ مقدم من المواطن/ المنشأة، ويتجه للبلدان المصدرة للعمالة بكل “الهياط”المحلي المعروف ومن يرافقه من الأصحاب وهناك يعيش محفول مكفول من الوسطاء في الخارج، ونادراً ما يدفع ذلك الفرد/المكتب/الشركة/الشريطي، أي مبلغ مالي ماعدا التذاكر التي يصل التخفيض فيها إلى (٧٥٪) إذا ما تم السفر في غير أوقات الموسم (الذروة). كل التكاليف ينوء بحملها ذلك العامل الوافد الآتي من تحت أعشاش الفقر، و “اللي ما معوش مايلزموش” كما يقول المثل المصري. هذا الثراء الفاحش، جذب إليه الكثير من المنتفعين حتى على مستوى الحكومات في البلدان المصدرة بحجج مختلفة. وهذا ما يجب على برنامج “أستوديو الإخبارية” أن يشرَحه ويشرّحه.
أخيراً، من المهم أن تتناول قناة تلفزيونية رسمية مثل “الإخبارية” مثل هذا الموضوع ذو الإشكالات المتعددة والذي استمر مؤرقاً للمجتمع والحكومة والوسطاء، وأخذ مساحة لا بأس بها من الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، فقد أضر “الاستقدام” بالوطن والمواطن والوافد على حد سواء. ختاماً، نحن على ثقة تامة بأن برنامج “أستوديو الإخبارية” عاقد العزم على تفكيك مشكلة الاستقدام، وإعادة تركيب الحلول بما يحقق المنفعة للجميع. حفظ الله الوطن.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2016/01/17