آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
نقولا ناصيف
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بصحيفة الاخبار اللبنانية

الحريري ــ الرياض: اشتكى الحلفاء فحضر موفد ملكي


 نقولا ناصيف

صورة نشرها الحريري أمس تُظهره مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والسفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان (عن صفحة الحريري على «تويتر»)

تتساوى زيارتا الموفد السعودي لبيروت، والرئيس سعد الحريري للرياض، في الفائدة التي تتوخيانها: حاجة السعودية إلى تصويب علاقتها مع لبنان لئلا يفلت من أصابعها، مقدار حاجة لبنان ــ والحريري خصوصاً ــ إلى استعادة ما شاع أنه امتياز في المملكة

بَانَ من زيارة الموفد السعودي نزار العلولا لبيروت ظهر 26 شباط أنها تريد إعادة فتح الأبواب، ومن زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للرياض ليل 27 شباط فحوى التفاهم والتفاوض.

وكي لا يتكرّر خطأ «الاستدعاء» في 3 تشرين الثاني 2017، أتى صواب «الدعوة العاجلة»، وإن بدا أنها لا تخلو قليلاً من الاستدعاء إذ سارع رئيس الحكومة إلى تلبيتها بعد 24 ساعة على تلقيها.

في الظاهر، كلا الطرفين يتصرّف على أنه نسي ما حدث في 18 يوماً ما بين التوقيف الغامض ــ إلى حد الاحتجاز ــ في الرياض والعودة الآمنة إلى بيروت في 22 تشرين الثاني. بيد أن بضعة معطيات مرتبطة بزيارة العلولا ومواعيده في بيروت، ومن ثم ذهاب الحريري إلى حيث كان يُدعى هناك «ابننا»، تتحدّث عن الآتي:

أوّلها، جولة الموفد السعودي استطلاعية بحتة، توخت الاستماع إلى آراء الأفرقاء المعنيين مباشرة بها، وبالرسائل والإيحاءات المنطوية عليها، كالحريري وقيادات 14 آذار الذين التقى بهم العلولا.

مع الرئيس ميشال عون كان الاجتماع بروتوكولياً محضاً، ومع الرئيس نبيه برّي ودّياً حمل حسن نيات دونما الخوض في الانتخابات النيابية ــ الاستحقاق الأهم والأقرب ــ كي لا يُساء تفسير مغزى الحضور. لذا حرص العلولا على أبراز التواصل الرسمي بين الدولتين وتوجيه الدعوة الرسمية إلى الحريري. لكن الشق الآخر من المواعيد مختلف تماماً، من دون أن يكون واحداً بالضرورة مع كل مَن اجتمع بهم.

ثانيها، مهّد للزيارة ــ وقد يكون أوجبها واستعجلها ــ تذمّرٌ ذهب من بيروت إلى المملكة من بعض الحلفاء اللصيقين بها، وشكوى من حال فوضى وتفكك تدبّ في هذا الفريق يضعفان قدراته على خوض انتخابات أيار، في مقابل تماسك الفريق الآخر وخصوصاً حزب الله. وصلت الشكوى أيضاً إلى السفارتين الأميركية والفرنسية في بيروت، اللتين تحللان الواقع الذي يقبل عليه أفرقاء 14 آذار متفرّقين، وبعضهم في مواجهة البعض الآخر، بإزاء استحقاق ليس عادياً هذه المرة، وهو ذو فحوى استراتيجي أكثر منه محلياً.

إشارة عدم رضا أميركية لتحالف الحريري مع عون وباسيل

ثالثها، تضخيم الصورة التي عليها حزب الله، والخشية من خروجه من الانتخابات ممسكاً مع حلفائه بالأكثرية المطلقة في البرلمان المنتخب (النصف + 1). خطورة هذه القوة أنها المرة الأولى يحوز فيها هذا النصاب بعد انتخابات 2005 و2009، وكان بين أيدي قوى 14 آذار قبل انهيارها غداة انتخابات 2009. كمنت الخشية أيضاً في أن نصاب النصف +1 في المجلس ينعكس سيطرة على أولى حكومات ما بعد الانتخابات، وإن برئاسة الحريري نفسه. ومن المرجّح أن يمكّنه هذا الفوز من وضع اليد على معظم قرارات الحكومة، المرتبطة بنصاب الأكثرية المطلقة.

رابعها، أن رئيس الحكومة يندفع بحماسة غير مسبوقة إلى تحالف سياسي مع رئيس الجمهورية، وتحالف انتخابي مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. كلاهما يفضيان في نهاية المطاف إلى تعزيز سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية ومؤسساتها وقراراتها، وليس في الانتخابات النيابية فحسب.

من قاعدة مختلفة هذه المرة، انطلقت فكرة زيارة العلولا لبيروت واستعادة العلاقة المباشرة مع الحريري، المجمّدة منذ محنته في الرياض إلى حدّ تعذّر عليه مذذاك اللقاء بعائلته المقيمة في الرياض سوى في باريس ولندن. اختارت المملكة الآن أسلوباً مغايراً لما أدار به الوزير السعودي ثابر السبهان علاقتها بلبنان وطبقته السياسية، وتسليطه سيف التخويف والتهويل والتهديد، بآخر أكثر مرونة وإظهاراً للاستيعاب. في صراع الشهرين اللذين سبقا أزمة 4 تشرين الثاني الماضي، كان محور الضغوط على الحريري لإبعاده عن عون ووضعه في مواجهة مباشرة مع حزب الله، حمله على الاستقالة بالقوة بفرضها عليه. وهو ما أبصره العالم في ذلك اليوم. على أبواب انتخابات 2018 باتت الحاجة ــ في سبيل الوصول إلى الهدف نفسه وهو رئيس الجمهورية وحزب الله ــ إلى التعويل على إقناع بالحسنى وليس بالاقتصاص.

تدرّجت الخطوات: ردّ الاعتبار إلى لبنان أولاً بزيارة موفد ملكي إلى بيروت وإن بقصر المقابلة على رئيس الجمهورية على عشر دقائق، ثم ردّ الاعتبار إلى الحريري بزيارته في السرايا إقراراً بالرجل رئيساً لحكومة لبنان بعدما حاولت المملكة تجريده منها، ثم دعوته إلى مقابلة الملك سلمان، ثم استقباله هناك بالحفاوة التي كشفت عنها وسائل الإعلام السعودية.

مع إرسال موفدها إلى بيروت، كانت المملكة ألمت بالمعطيات التي أرسلها إليها أصدقاؤها اللبنانيون، مؤكدين لها أن الكيان الاستراتيجي لقوى 14 آذار في مرمى الخطر الحقيقي، وليس فحسب خسارة مقاعد في البرلمان المقبل، ما يقتضي توفير ظروف نجاح المواجهة الجديدة من قلب الانتخابات النيابية. لم يعد في الإمكان التعويل ــ كالتجربة مع السبهان ــ على إسقاط الحكومة وقد بات رهاناً مفلساً أدى إلى تداعيات معاكسة أضرت بالمملكة، ومدّت رئيس الحكومة بجرعة دعم شعبية كما لو أنها هبطت من السماء في مرحلة أقلقه ضمورها، فضلاً عن أن ما حدث قاده إلى أبعد من ذلك: الالتصاق برئيس الجمهورية الذي وقف إلى جانبه، والى توطيد مزيد من التحالف السياسي والانتخابي مع حزبه التيار الوطني الحر.

بلغ التحوّل السعودي إلى الحريري قبل وصول الموفد الملكي. إلا أنه كان تلقى، قبل أقل من شهر، إشارة سلبية مصدرها الأميركيون، مفادها عدم رضاهم عن اندفاعه في التعاون مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، وتخليه عن بعض حلفائه السابقين في قوى 14 آذار. اقترنت الإشارة بنصيحة أقرب إلى تنبيه: خذ حذرك.

تحت وطأة ما في الإمكان توقّعه من المملكة، وتقليل عناصر القلق التي يغلّبها حلفاء الخارج على موقفهم منه، تريّث الحريري ــ ولا يزال ــ في إعلان لوائحه في كل الدوائر، رغم تأكيد البعض أنها ناجزة. بسبب التريّث نفسه، أحجم عن الإفصاح عن تحالفاته الانتخابية، وإن بدأ في الظاهر بعضها معلوماً، كالتحالف مع التيار الوطني الحرّ في عدد من الدوائر إذ يعود إلى أكثر من شهرين خليا. تريّثه هذا حمل العدوى أيضاً إلى مَن يروم التعاون والتحالف معه كرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومَن لا ينتظره كرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، وشخصيات أخرى مستقلة محسوبة على الائتلاف الراقد، كي يستمهلوا هم الآخرون.

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/03/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد