المواقف السياسية الموزونة
عبدالمحسن يوسف جمال
في العمل السياسي هناك مواقف يطلق عليها السياسيون المواقف الصامتة، والتي يكون مردودها أبلغ من الكلام، وهو أمر يُتعامل معه في الأحداث السياسية في كل دول العالم الديموقراطية، وتلجأ إليه الأحزاب والمجاميع السياسية وأحيانا الأفراد.
فالامتناع عن التصويت في البرلمانات الديموقراطية يعتبر أحيانا رسالة إلى بعض الأطراف، ويكون أما رفضا مخففا، أو احتجاجا بعدم الاتجاه إلى الموافقة الصريحة أو الرفض الصريح.
والامتناع عن التصويت يماثله أحيانا الامتناع عن التعليق أو الكلام، وهي الأخرى رسالة تعني الكثير، وقد تؤدي دورا أكثر من الكلام نفسه، وقد قال الأولون معبرين عن هذا الشيء «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب»، بل وأحيانا أغلى من الذهب.
وقد استخدمت السيدة مريم العذراء عليها السلام هذا التصرف «الحكيم» حين جاءت قومها تحمل بيديها الطاهرتين ابنها المسيح عليه صلوات الله وسلامه، فقال لها السيئون من قومها الذين أرادوا الانتقام منها وهي الطاهرة المطهرة، «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوك. امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّك. بَغ.يًّا» (مريم: 28)، وفي ذلك اتهام واستهزاء بها في موقف لا تحسد عليه.
ولكن الله سبحانه علمها ألا ترد على تفاهاتهم واستهزائهم، والصمت في هذا الموقف الأصعب في حياتها المباركة.
«فَأَشَارَتْ إ.لَيْه. قَالُوا كَيْفَ نُكَلّ.مُ مَنْ كَانَ ف.ي الْمَهْد. صَب.يًّا» (مريم: 29).
ثم حدثت أولى معجزات السيد المسيح عليه السلام.
وأحيانا يلجأ السياسيون إلى الانسحاب من الجلسات البرلمانية لتوجيه رسائل إلى أكثر من جهة، خصوصاً إلى من يعون هذا النوع من الرسائل، وهو أسلوب معمول به في الدول الديموقراطية، ومارسه أعضاء مجلس الأمة الكويتي من الموالاة والمعارضة منذ مجلس الأمة الأول إلى اليوم، وهو يعتبر أعلى أنواع الاحتجاجات الصامتة لأنه صادر من الطبقة السياسية المنتخبة الأعلى في البلد.
أو قد يلجأ السياسيون أحيانا إلى التظاهر الصامت وإغلاق أفواههم بشريط لاصق كدليل على عدم فائدة الكلام، خصوصاً إذا كانت الأذن الأخرى صماء، حيث أن هناك من لهم «آذان لا يسمعون بها» كما يعبر القرآن الكريم.
وهذه المواقف السياسية تؤتي ثمارها إذا عرف السياسيون متى وكيف يتعاملون بها، خصوصاً إذا لقيت صدى إيجابياً من ناخبيهم ومن الرأي العام المتحضر والواعي في الدول الديموقراطية.
القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/01/18