شح المياه كارثة الوطن العربي المقبلة واحتمالات الصراع والتسوية…التحديات الاقتصادية والإطماع السياسية من إثيوبيا إلى إسرائيل
أحمد عبد الباسط رجوب
” وجعلنا من الماء كل شيء حي ” … ” ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ، إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء ٍقدير” صدق الله العظيم …
المياه هي لبنة أساسية للحياة وهي أكثر من مجرد ضرورة لإرواء العطش أو حماية الصحة والمياه أمر حيوي هام لاستمرارية الحياة فهي تخلق فرص عمل وتدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإنسانية، وحسب بيانات الأمم المتحدة يعمل اليوم نصف العاملون في العالم – 1.5 مليار شخص – في قطاعات ذات الصلة بالمياه، وفضلا عن ذلك، تعتمد ما يقرب من جميع الوظائف – بغض النظر عن القطاع – مباشرة على المياه. إن الماء أصل جميع الكائنات والمخلوقات الحية، فمنه خلقت بنسب كبيرة، وبه تستمر حياتها في النمو والعطاء على أكمل وجه، وهنا يحضرني ما اسميته على المياه وقيمتها الاقتصادية في معظم مشاركاتي الدولية عن المياه بأنها” النفط الأبيض أو قل الذهب الأبيض “.
ولتعريف المواطن العربي بهذه المناسبة فقد أتى هذا الاحتفال على خلفية قرار المجلس الوزاري العربي للمياه وذلك في دورته الأولى والتي عقدت في الجزائر في العام 2009 والذي تقرر على أساسه تحديد الثالث من مارس / آذار من كل عام للاحتفال بهذا اليوم الهام بوصفه وسيلة لجذب الانتباه إلى أهمية المياه العذبة، والدعوة إلى الإدارة المستدامة لموارد المياه والذي يجسد فيه التوافق بين الدول العربية لإظهار الدور الهام للمياه ودورها في الرخاء المدني ومع ما يتصل بديمومة الاستقرار في التجمعات السكانية على اختلافها وما يحفز الاستثمار في قطاع المياه والمحافظة عليه كمورد استراتيجي للدول العربية سواءً لحاضرنا أو للأجيال القادمة.
أما موضوع مقالي فهو المناسبة السنوية لاحتفالات دولنا العربية بيوم المياه العربي والذي يصادف هذا العام في الثالث من مارس/ آذار 2018، تحت شعار: ” الترابط بين الماء والغذاء والطاقة.. استدامة للحياة ” ..إنما يجسد التعمّق في فهم طبيعة الترابط بين هذه الموارد واقتراح سلسلة مبادرات والتي يمكن الانطلاق منها لوضع سياساتٍ وخططٍ إستراتيجية لإدارة هذه الموارد تحقيقاً لهدف التنمية المستدامة لزيادة انسجامها مع هذه المتلازمة وعوامل التغير المناخي.
تعرف الدول العربية بصفة عامة و الشرق الأوسط بصفة خاصة ندرة كبيرة في المياه وافتقارا إلى مصادرها ومنابعها الحيوية بسبب قساوة المناخ، وامتداد الصحراء العربية، وشدة الحرارة، وكثرة التبخر، وازدياد النموين: الديمغرافي والاقتصادي هذا وقد أصبح الماء مادة حيوية تفوق في قيمتها مادة النفط لما له من أهمية في الحياة مصداقا لقوله تعالى: “و جعلنا من الماء كل شيء حي”. ولكن يلاحظ على المياه في الوطن العربي أنها تشكل خطورة كبيرة مستقبليا بسبب النزاعات التي قد تسببها لأن 60% من موارد المياه العربية تأتي من منابع خارجية، ناهيك عما تخططه إسرائيل من مكائد لإشعال فتيل الحرب حول الماء وما تسعى إليه بسبب أطماعها للسيطرة والاستيلاء على المياه العربية.
تبدو المياه قضية ثانوية حيال ما يشهده العالم من أعمال عنف وحروب واضطرابات سياسية، على الرغم من أنها قضية أساسية قد تشكّل سبباً كافياً لاندلاع الحروب والنزاعات. ومع ازدياد الطلب على المياه، في ظل الارتفاع السريع للنمو السكاني، وارتفاع الاحتباس الحراري، ونسبة الهدر العالية في المياه، تعاني الكثير من دول العالم، وغالبها دول عربية، من أزمة حقيقية.
تكتسب قضايا المياه في الوطن العربي أهميتها وخطورتها من تعدد الأبعاد المتعلقة بها فهي تشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، مما جعل المياه يحتل الصدارة في استراتيجيات الدول الكبرى كهدف رئيس يجب امتلاكه والسيطرة عليه أو التحكم فيه ويبدو ذلك جليا في مؤامرات وخطط الكيان الصهيوني المتعلقة بالمياه فمنذ القدم وقبل احتلال فلسطين كانت هناك تحركات ومؤامرات صهيونية خاصة بالمياه، مما يؤكد أهمية عنصر المياه في تحقيق الأمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أي دولة.
وللتشخيص أكثر فإنه لا تزال الكثير من القضايا في الوطن العربي العالقة ذات الصلة بالمياه ومن أهمها على الإطلاق سرقة إسرائيل للمياه العربية في فلسطين وتحويلها إلى صحراء النقب وحرمان المواطنين الفلسطينيين من الحصول على ادني استحقاقاتهم من المياه ، وغير بعيد عن ذلك ما سببه إنشاء سد النهضة أو سد الألفية الكبير في أثيوبيا والذي يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود – الإثيوبية السودانية – وعلى مسافة تتراوح بين 20 و 40 كيلومتر وعند اكتمال إنشاءه سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية ، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء ، وينتاب قلقا لدى الخبراء المصريين بخصوص تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر المتفق عليها ، ولن يغيب عن بالنا ما تسببه دولة تركيا للعراق وسوريا من مشاكل في هذا الإطار.
أما دولة الكيان الإسرائيلي فقد يلاحظ المتابع للأنشطة الإسرائيلية المختلفة وخاصة الاستيطانية منها أن عملية التخطيط لمصادرة المياه العربية جنباً إلى جنب مع مصادرة الأرض كانت من الأولويات الإسرائيلية، وفي هذا السياق نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثيقة سرية كتبها الإرهابي الصهيوني بن غوريون في عام 1941، جاء فيها ” علينا أن نتذكر أنه من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن تكون مياه الأردن والليطاني مشمولة داخل حدودنا “
وإثر إنشاء إسرائيل في مايو / أيار من عام 1948 سعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى السيطرة على الجزء الأكبر من الموارد المائية في فلسطين، وبدأت الدوائر الإسرائيلية المتخصصة على الفور في تنفيذ المشاريع المائية، وأهمها وأضخمها مشروع ما يسمى ناقل المياه الوطني، لنقل مياه بحيرة طبريا إلى صحراء النقب التي تشكل أكثر من 50% من مساحة فلسطين التاريخية.
أما على صعيد بلادنا الأردنية فإنه يلزم التركيز على قضايا المياه بشتى صنوفها وأنماط استهلاكها ومن خلال خبرتنا في هذا المجال أرى بأنه يلزم وضع التدابير العاجلة والصارمة من أجل المحافظة على كل قطرة مياه وذلك من خلال إجراءات علمية إدارية مدروسة وضمن خطط موضوعة ومجربة ” ليس تنظيرا ” تحكمها ضوابط الأداء المقرونة بالنتائج ، وفي هذا السياق فإن وزارة المياه والري مطالبة وبشكل لا يحتمل التأخير على ضرورة وضع قانون خاص بترشيد استهلاك المياه وتحديد استخداماتها ومنع الاعتداءات على شبكات المياه وسرقتها وعلى المجتمع تحمل المسؤولية في هذا الإطار ولضمان ديمومة هذا التوجه فإنه يلزم إنشاء إدارة ترشيد وكفاءة استخدام المياه والطاقة وذلك بهدف ترشيد وكفاءة استخدام المياه للحفاظ على موارد الدولة وتقليل الهدر منها فضلا عن تشكيل ورفع مستوى الوعي لدى أجيال المستقبل وتثقيفهم حول سبل التكيف مع توجهات الاقتصاد في معدلات الاستهلاك.
أما على الصعيد الأممي فإن الأمم المتحدة قد وضعت في نصب أولوياتها أهمية للمياه فهي تعمل وشركائها الدوليين على وضع التوعية بقضايا المياه والصرف الصحي على رأس أجندتها في لقرن 21 وتتضمن فعاليات الاحتفال هذا العام 2018 عدة عناوين منها دور القطاع الخاص في تامين الماء النظيف في ظل قلة الموارد المائية كما تتضمن الفعاليات مناقشة أوضاع اللاجئين في العالم بالإضافة إلى مشكلة نقص الماء والغذاء بشكل عام للاجئين في كل مكان…هناك ما يكفي كل شخص على الأرض من المياه العذبة. ولكن نظرا للاقتصاديات السيئة أو ضعف البنية التحتية، فإن الملايين من الناس (معظمهم من الأطفال) يموتون بسبب الأمراض المرتبطة بعدم كفاية إمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وتؤثر ندرة المياه على أكثر من 40 في المائة من سكان العالم، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة. وتشير التقديرات إلى أن 783 مليون شخص لا يحصلون على مياه نظيفة، وأن أكثر من 1.7 مليار شخص يعيشون حاليا في أحواض الأنهار حيث يتجاوز استخدام المياه إعادة التعبئة …
لقد كان أحد أهم المعالم التي أحرزت مؤخرا هو إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي (ما بين 50 و 100 لتر لكل فرد يوميا)، على أن تكون تلك المياه مأمونة وبأثمان معقولة (لا ينبغي أن تزيد كلفة المياه عن 3% من مجمل الدخل الأسري)، وأن تكون متاحة مكانا (ألا تبعد أكثر من 1000 متر من المنزل) وزمانا (ألا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة).
السلام عليكم ،،،
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/07