الثقب الأسود الذي يلتهم الأطباء!
عبدالله المزهر
من ضمن توصيات مؤتمر واقع القوى العاملة الصحية السعودية خلال السنوات العشر المقبلة، التوصية بإيقاف افتتاح كليات حكومية أو أهلية للطب خلال الـ12 عاما المقبلة حتى 2030، وتخفيض القبول لشهادة بكالوريوس طب الأسنان والصيدلة بنسبة 50% خلال السنوات الأربع المقبلة.
والحقيقة أيها الناس الباحثون عن الدواء والشفاء أنني فوجئت أن لدينا أكثر من 90 كلية للطب (بشري وأسنان وصيدلة)، وهذا يعني أنه يفترض أن تجد طبيبا أو صيدلانيا سعوديا يعمل في كل مكان تتجه إليه حتى في البقالات ومحطات الوقود، لكن الحاصل أنك لا تكاد تراهم حتى في المستشفيات والصيدليات. فأين يذهبون؟!
وبدا الأمر من خلال الأرقام أنه يوجد ما يشبه «ثقبا أسود» يختفي فيه السعوديون بعد تخرجهم في الكليات الصحية بأنواعها.
والصيدلة مثال واضح على هذا الثقب الأسود، ليس لدي رقم محدد عن عدد الصيدليات في السعودية، لكني أظن أنها كثيرة وباقية وتتمدد، ومع هذا تقول الإحصاءات إن عدد الصيادلة السعوديين والسعوديات المعتمدين لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية 9804، مشكلين ما نسبته 25% من إجمالي الصيادلة في المملكة، فيما بلغ عدد الصيادلة غير السعوديين 39330، بنسبة 75%.
وفي المستشفيات الخاصة فإن احتمال مشاهدة طبيب سعودي في مكان غير «الاستقبال» يبدو نادرا ومثيرا للانتباه.
ومسؤولية هذه المشكلة الغريبة مشتركة، فالأطباء أنفسهم ـ بأنواعهم ـ يتحملون جزءا يسيرا من المسؤولية، وتلك القطاعات التي يندر وجودهم فيها تتحمل جزءا آخر، وجزء تتحمله الجامعات والكليات التي تخرجهم زرافات ووحدانا.
فالسواد الأعظم من الخريجين لا يريدون العمل إلا في مدينتين أو ثلاث فقط، وأغلب القطاع الخاص يتحاشى توظيف الأطباء السعوديين لأسباب متشعبة ومتعددة، و»بعض» الكليات ليست حريصة كثيرا على تأهيل طلاب الطب تأهيلا حقيقيا.
الأرقام تقول بوضوح إن الحاجة ما زالت قائمة لكثير من الأطباء والصيادلة وكافة التخصصات الصحية، لكن الأرقام نفسها تقول إن كثيرا من الخريجين في هذه التخصصات بلا عمل. ويبدو أن الأمر لا يحتاج لساحر حتى يفك رموز هذه الأحجية، فالمشكلة الأهم ليست في الخريجين أنفسهم، ولكنها في الآلية والتأهيل والتدريب، أما تقليص أعداد المقبولين في هذه الكليات فلا يحل أساس المشكلة، ولكنه يعالج بعض أعراضها.
وعلى أي حال..
التركيز على معالجة النتائج وإهمال الأسباب التي أدت لتلك النتائج ليسا طريقة تخص القطاع الصحي وحده، فهي «أسلوب حياة» فيما يبدو لكثير من القطاعات.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/03/08