الانعتاق النفسي من دكتاتوريات العصر
د. محمد جميعان
والتعبير هنا جاء من عتق العبيد (من الاستعباد) أو الرقيق الذي يعتبر أعظم منجزات الإنسانية والذي أولاه الإسلام أبوابا كثيرة لتحرير البشر من عبودية بشر مثلهم.
إلا أن الاستعباد ذاك انتقل من اختيار شرائح لاسترقاقهم في العصور الغابرة إلى استعباد شعوب بأكملها وتكبيل عقلها الباطن من الانطلاق والانعتاق في عصرنا الحاضر مستغلين في ذلك حاجة الناس وعوزهم و طبيعة النفس البشرية وسطوة المال عليها وتعظيم الأنانية المفرطة في النفوس، وإحلالها على حساب الكرامة والوطنية والحقوق..
ومن هنا نجد أن في النفس حواجز يصنعها الإنسان في عقله الباطن تبعا لظروف الاستبداد وسطوة المال والسلطة عليه.
هذه الحواجز تجعل منه إنسانا مكبلا حتى أمام من يسلبه حقوقه أو يعتدي عليها.
بل ويصبح معها أسير مفهوم السلامة بنفسي ولنفسي وليأخذ الفساد ما أخذ ما دمت أتناول القهوة صباحا وأعود لفراشي ليلا وهكذا…
وتتجذر هذا الحالة في العقل الباطن مع الزمن وفنون السلطة في ممارسة الاستبداد مع قليل من التنفيس والتسحيج بحيث يعجز الناس أو الجمع مهما بلغت قوتهم من الاندفاع نحو الظالم لدفع الظلم وتحصيل الحقوق..
وكل ذلك خدمة للفساد وأهله والاستبداد وسطوته بعيدا عن الحرية والعدل الذي هو أساس للاعتدال والإبداع.
لذلك فأن التخلص من هذا الاستعباد الذاتي النفسي يحتاج إلى انعتاق نفسي أكثر قوة وجسارة ..
وهذا الانعتاق لا يتأتى إلا في حالتين ؛
الأولى؛ انفجار من ظلم قاهر غبي لا يترك مجالا للتنفيس ، ولأن الدهاء والمكر أصبحت ملازمة لطباع الفسدة والمستبدين وأصبحوا معها يستخدمون فنون التنفيس والتسحيج فأنه معها قد تعطلت هذه الحالة من الانعتاق، وأصبحت الحالة الثانية هي المتاحة
الثانية ؛ تحرر بالنخبة الجسورة المقدامة التي تكسر الحواجز النفسية في الباطن وتمارس الانعتاق النفسي للمجموع بجسارتها وبما تقدم عليه من جسارة في الوعي والانطلاق تأخذ الآخرين إلى التغلب على موروثهم النفسي ليمارسوا الانعتاق نفسه ويشكلوا ثورة أو ما يشبه الثورة أو ما جرت على تسميته بالديمقراطية (وأقصد هنا الديمقراطية الحقيقية وليست المزيفة والصورية ) والتي أخرجت الشعوب من الاسترقاق الجمعي إلى الانعتاق النفسي لتحدث التغيير وينطلق الوطن وأهله نحو ممارسة حقوقه وحريته والنمو والازدهار..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/11