الندوات وتعقيبات الجمهور
قاسم حسين
اهتمَّت الجمعيات السياسية المعارضة في الآونة الأخيرة بتنظيم سلسلة ندوات حول سياسة رفع الدعم الحكومي، إذ بات الاقتصاد موضع الألم الأول.
اللافت في هذه الفترة، أن الجمعيات السياسية الأخرى «غير المعارِضة»، قامت بإصدار بيانات احتجاج على هذه السياسة، خلال ساعات من إعلان رفع الدعم عن البنزين. ويبدو أن هناك شارعاً كان يلزم الصمت فيما مضى، بدا أكثر تعبيراً عن السخط والتذمّر.
في ندوة «وعد» الأخيرة، الأربعاء الماضي، وبعد أن انتهى المحاضِران من طرحهما، انهالت المداخلات الساخنة من الجمهور، وهو جمهورٌ مختلطٌ مناطقيّاً وفكريّاً ومذهبيّاً.
كان أول المتحدّثين أباً فَقَدَ ابنه في حراك (فبراير/ شباط 2011)، حيث أرجع السبب في كل ما تناوله المحاضران إلى أخطاء الحكومة، فلا يمكن الحديث عن النتائج والقفز على الأسباب التي انتهت إلى هذا الحال. بينما تكلّم آخر عن سياسات التوظيف وتفضيل الأجنبي على العامل الوطني، وما يتم تحويله شهريّاً من أموالٍ جرّاء ذلك، إلى البلدان الأخرى، بينما يمكن الحفاظ عليها داخل البلد لو تم تشغيل الخريج البحريني، ليساهم في إعالة نفسه وبناء أسرته وتعمير وطنه.
تساءل متداخلٌ آخر عن تلك الوزارات، والمؤسسات والشركات الكبيرة التي تمتلكها الحكومة، والتي لا يعرف الناس عن موازناتها وإيراداتها، بينما نُحاسب المواطن على «الفلس».
المتداخل الرابع علّق على احتمال هبوط النفط إلى 10 دولارات بطريقةٍ ساخرة، بقوله: «يجب أن نستغل هذه الفرصة التاريخية، ونتحوّل من دولةٍ مصدّرةٍ إلى مستوردةٍ للنفط، فنشتريه من الخارج خلال هذه الفترة، ونبيعه على البحرينيين بسعر 30 دولاراً».
وعلى رغم ما في المداخلة من مرارةٍ، فإن هذه الفكرة تعمل على تطبيقها دولٌ كثيرةٌ عبر العالم، فقيرةً وغنية، آسيويةً وإفريقية، أوروبية وأميركية، فهي مرحلةٌ ذهبيةٌ لشراء النفط بأسعار أقل من تكلفة إنتاجه، والمشكلة الوحيدة التي يواجهونها هي في التخزين. المحظوظ من الدول -وحتى الشركات - هو من يمتلك أكبر عددٍ من الخزانات الاحتياطية، سواءً تلك العائمة في البحار والمحيطات، أو الموجودة على البر.
بعض هذه الدول، بدأ في تطبيق هذه الفكرة الجهنمية، بشراء الكميات الزائدة من السوق وتخزينها، بينما هناك دول أخرى تنتظر وتراجع حساباتها، أملاً بأن ينخفض السعر مجدّداً، وخصوصاً مع توقّع بعض الخبراء وبيوت الخبرة المالية، بأن يستمر انخفاض النفط حتى يضرب سعر الـ 10 دولارات.
كانت غالبية المداخلات في الندوة الأخيرة، من نصيب النقابيين، فهم أكثر من اصطلى ويصطلي بتوابع الزلازل السياسية والهزّات الاقتصادية في العالم العربي. هذه الفئة العمالية الوطنية الشامخة الشريفة، التي تنتج وتكدح وتقف وراء الآلات وتشغّل وحدات الإنتاج في نوبات الليل والنهار. هؤلاء هم أكثر المتضرّرين من أية سياسات اقتصادية ليبرالية متشددة، يدفعون ثمنها فصلاً من الأعمال، وجموداً في الرواتب، وتصعيداً للرسوم والضرائب.
النقابي كريم رضي انتقد النواب الذين أمضَوا للحكومة على ورقةٍ بيضاء، بشأن الموازنة الجديدة، ثم خرجوا يتباكون، معلنين اعتراضهم على ما وافقوا عليه من برنامجها المعلن مسبقاً بشأن رفع الدعم.
آخر المتداخلين النقابي المخضرم محمد عبدالرحمن، وكانت له مداخلة طويلة وعميقة، تتحدّث عن البُعد الاجتماعي والسياسي للأزمة. فالطبقة الوسطى تتقلص، ودائرة الفقر تتوسع، وكل الحكومات تؤكّد حتمية الديمقراطية وضرورة التغيير، واحترام منظومة حقوق الإنسان، إلا عندنا في الوطن العربي. وفشل سوق العمل يعني فشل سياسات التنمية وسياسات التدريب والتعليم، بينما يحتاج الوضع الراهن إلى خطة وطنية لكي لا تتساقط العمالة الوطنية في ظل منافسة شرسة من العمالة الأجنبية، في سوقٍ رأسمالي لا يرحم، مع مجلس تشارك فيه الأطراف الثلاثة، مع المختصين الأكاديميين أمثال المحاضرَين المشاركَين في الندوة، للوصول إلى ما ينصّ عليه الدستور، من أن العدل أساس الحكم.
إنَّ أصدق الحديث في ما نسمعه أيَّام الأزمات الاقتصاديَّة هو ما يتفوّه به العمال والنقابيون.
الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/01/19