في معنى إسقاط الجنسية: فصل الهجرة إلى كندا
علي الديري
بدأ هذا الفصل منذ الأيام الأولى لقرار إسقاط الجنسية، فقد دفع هذا الإسقاط إلى تسريع إيقاع الروتين الرسمي، أخذ الدفع في الموضوع يأخذ منحنى جديا، بدأ يتشكل عندي الإحساس أني مواطن كندي في ورطة، والدبلوماسية (السفارة) أخذت مجراها الإجرائي لمساعدة هذا المواطن (الكندي).
بدت المتابعة حثيثة والسؤال ملحا عن وضعي، لأول مرة أذوق طعم السؤال الذي جعلني أشعر بأمومة الدولة وأبوتها: هل هناك خطر عليك حاليا؟ هل وضعك آمن؟ بدا لي السؤال للوهلة الأولى ترفا أو دلالا زائداً، وبدا لي أحيانا وكأنه مشروع تبني من قبل أم لا تنجب ما يكفي لإشباع غريزة الأمومة.
لا أعرف مآلات التجربة الكندية بعد، فأنا ما زلت أكتب مقالتي في الفضاء بين بيروت وكندا، ولا أعرف كيف ستبدو بحرانيتي بعد مس هذه التجربة، ولا بأس هنا أن أذكر تفصيلاً صغيراً ذا دلالة كبيرة، فبعد تعطيل دام أشهراً، من قبل (الأمن العام اللبناني) تم إخطار الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية أنه تم تسوية ملفي، وصار يمكنني السفر، وكان الإجراء يقتضي إصدار جواز سفر لبناني لكل فرد بالعائلة وهو جواز مرور لمرة واحدة وينص في ديباجته أنه “لا تثبت هذه الوثيقة جنسية حاملها” في خانة تعريف الجنسية كتب الأمن العام، الجنسية: بحرانية.
من المتوقع إن الذي كتبها لا يعرف الفرق بين (بحراني) و(بحريني) في المعنى الاجتماعي والسياسي والطائفي، ولا يعرف ظلال هذه الكلمة وما أفرزته من فروق وما تثيره من حساسية بالغة. في داخلي غدا الفرق عميقاً وهو أشبه بجرح حفرته السياسة بعد 2011. ولا استطيع أن أغالب الحقائق السياسية التي تؤكد أن هذا الفرق هو الذي جرّ عليّ ويلات إسقاط الجنسية أو ويلات الإعدام المعنوي. أيقظ فيّ هذا التعريف بوثيقة السفر المؤقتة (بحراني) هذا الجرح الذي مازال ينزف من عشرات العوائل البحرانية دم هويتها.
في الواقع الاجتماعي، هوية البحريني غير منجزة فليس هناك دولة في وطنه، تمنحه مواطنة كاملة الحقوق والمساواة، وهوية البحراني منجرة بقوة الاضطهاد والسلب والتهميش والتمييز، إنها (البحرانية) أشبه بندبة أو تشويه يولد مع الإنسان ليحدد هويته بعلامة فارقة. تخيلت حالي لو لم أكن بحرانياً هل كانت تسقط جنسيتي وأنا لم أعلن انتمائي إلى تنظيمات إرهابية تمزق الجواز البحريني وتهدد الملك بالغزو والقتل وتكفره وتصفه بالطاغوت.
لقد أوصلتني بحرانيتي إلى كندا، وأنا منحت الهوية الكندية بسببها وجرى تثبيت إستحقاقي للجوء السياسي بأدلة هذه الهوية وعلامات اضطهادها.
في مقابلتي مع القنصل بالسفارة الكندية ببيروت، قال لي: نحن نرحب بك في كندا، ونرحب بنشاطك النقدي المعارض، وسنوفر ما يساعدك على الاستقرار في نضالك الثقافي والسياسي المدني. سألني بخجل: لماذا في جوازك تأشيرات كثيرة لإيران؟ قلت له: أبي مدفون هناك في بقعة مقدسة بالنسبة للهوية البحرانية التي أنتمي إليها، ومنه تعلمت كيف أعشق هذه البقعة، ومن مكتبته تعلمت كيف أنمي علاقتي بالقراءة والكتابة التي تنتصر للإنسان لا للسلطان، وعرفاناً له أزوره سنويا مع العائلة.
لم تكن في مخيلة القنصل الكندي، خلايا إرهابية ليضعني في خارطتها كما تفعل حكومة بلدي التي أسقطت جنسيتي، صدقني وكان يريد أن يفهم أكثر علاقة العشق لهذه البقعة، وكيف أنها جزء من هويتي التي لي الحق في تشكيلها والاحتفاظ بها، بدل تجريمها وتحويلها إلى دليل إدانة يسلبني جنسيتي.
لا أستخدم هنا (بحراني) بالمعنى الطائفي أو المذهبي، بل بالمعنى الاجتماعي والسياسي المتعلق بسياسة الحكم في التمييز والتخوين والتهميش وعدم الاعتراف. (البحراني) في استخدامي، هو الذي وقع عليه فعل الغزو( الفتح في1783) وتم إخضاعه لحكم الإقطاع في عهد عيسى بن علي (1869-1923) قبل منع نظام السخرة وإزاحة عيسى بن علي. مازال هذا (البحراني) غير معترف به ومهمشاً وتمارس ضده سياسة التمييز الطائفي في الوظائف والبعثات والحريات الدينية والتمكين السياسي ويشكك في ولائه.
سأبقى بحرانيا ليس بالمعنى الذي يبقيني في طائفتي، بل بالذي يجعلني أدافع عن هذه الهوية المهددة بالاضطهاد، سأبقى كذلك مادمت لا يمكنني أن أكون بحرينياً، لأن السلطة لا تريد أن تنجز هوية وطنية جامعة، ولا يمكن أصلا أن تنجز هوية جامعة بدون إنصاف مكونات الهويات المهمشة في النظام السياسي.
أضيف بتاريخ :2016/01/20